توفي يوم الأربعاء منتصف شهر ربيع الأول عام 1446 هجرية الشيخ ( محمد محمود الهاشمي) عليه رحمة الله، ويُعد الفقيد رحمه الله من أبرز وجهاء الجالية الموريتانية في مكة المكرمة، وأحد وجهاء قبيلة أخوالي أولاد أبييري في أم القرى، حيث عاش رحمه الله في بكة أكثر من 40 عاماً، ليتوفى فيها، وتُصلي عليه الجموع في الحرم المكي، ويُوارى الثرى في مقبرة المعلاة، تاركاً حُزناً كبيراً في قلوب ذويه ومحبيه الذين لا يعرفونه إلا بالخير عليه رحمة الله
وعلى نطاقي الشخصي شرفت بالتعرّف على المرحوم بإذن الله في صغري كونه كان جاراً وصديقاً وأخاً وقريباً لأبي رحمه الله، حيث جمعتهم عليهم رحمة الله علاقة امتدت لعقود، بُنيت على المحبة الصادقة في الله، نسأل الله ان يجمعهما على حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
ثم توطدت علاقتي به في درس الشناقطة الأسبوعي على مدى سنوات في مكة المكرمة والذي كان أحد مؤسسيه قبل عدة عقود من الزمان كتب ربي أجره، ولم أجد منه إلا الأخلاق الفاضلة رغم أنني كنت في عمر أولاده إلا أنه عليه رحمة الله كان يعاملني بكل تقدير واحترام، وكنا إذا انتهت الدروس الفقهية يتحدث الحاضرين معه عن أحوال الجالية من مساعدة هذا أو اعانة ذاك، خصوصاً أن الفقيد رحمه الله كان يعمل مُنسقاً رسمياً للجالية مع القنصلية الموريتانية بجدة
ولكي تتعرفوا أكثر على هذه الشخصية العظيمة المُنحَدِرَة من نسل النبي صلى الله عليه وسلم فاسمه الكامل: (محمد محمود بن سيدي محمد بن أحمد بن اشفاقه بن محمذن بن بتار بن تقدّي بن موسى بن أدهس واسمه الحسن بن محمد بن عبد الجبار بن كرُّوم (عبدالكريم) بن ملُّوك (عبدالملك) بن بركني بن هداج بن عمران بن عثمان بن مغفر بن أدي بن حسّان …. المتصل نسبه بجعفر الطيار بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم)
ولد الراحل في مطلع الخمسينات الميلادية تقريباً في مدينة تقانت في موريتانيا، وأمه من قبيلة تجكانت واسمها آمنه بنت أحمد ولد ختار الجكني عليها رحمة الله
وبعد أن اتضحت أمامه معالم الحياة بدأ في تعلم القران الكريم، ومبادئ العلوم على زوج خالة أبيه سدات ولد أحمد الجكني رحمه الله، وتعلم أيضاً شيئاً من مبادئ العلوم لدى الشيخ محمد المصطفى ولد المصطفْ رحمه الله
ثم انتقل قبل سنة الخامسة عشر مع عائلته الى نواكشوط، وانطلق في رحلة العمل في العاصمة الاقتصادية مدينة نواذيبو في الشمال الموريتاني حيث بدأت ملامح شخصيته القوية المسؤولة المُبادرة تتشكل في ذاته الطموحة عليه رحمة الله
وفي مطلع السبعينات الميلادية انتقل لوحده لكي يعمل في شركة نفط في دولة ليبيا شاقاً طريقه نحو المجد، بينما في ذات التوقيت انتقل أبويه للعيش والجوار في المدينة المنورة، وظل يزورهم ويعود الى عمله في ليبيا حتى العام ١٩٧٦ ميلادية انتقل بشكل نهائي للسُكنى معهم في مكة المكرمة، حيث وجد رحمه الله آنذاك فرصة عمل في بلدية مكة المكرمة (حالياً اسمها أمانة منطقة مكة) التي عمل فيها قرابة ربع قرن من الزمان مُتنقلا بين عدة قطاعات عمل فيها بكل إتقان رحمة الله عليه.
وكان رحمه الله أيضاً من مُؤسسي مجلس الجالية وكان يساهم ضمن المجلس وخارجه في عون الضعيف، ومساعدة المحتاج المادية والمعنوية، وظل في منصب نائب رئيس الجالية حتى انتقل الى الرفيق الأعلى رحمه الله وهو ساعٍ في عمل الخير، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله ثقيلاً في موازين حسانته يوم القيامة.
وعلى نطاقه العائلي فقد تزوج الفقيد عدة مرات، وله مجموعة من الابناء والبنات والحفيدات والأحفاد الذين تعلموا منه الخصال الفاضلة، ورباهم رحمه الله على القيم النبيلة، وبروا به حياً، وسيواصلوا برورهم بارك الله فيهم به بعد رحيله رحمه الله
فهم خير خلف لخير سلف، وعلى نهجه القويم ومنهجه السليم سيواصلون السير على خطاه النبيلة، شعارهم دائماً: (سنظل رافعين رأسك، فروحك الطاهرة لم ترحل عنا، وانت في قلوبنا، نستحضرك دائماً في دعواتنا، ونتذكرك في حواراتنا ونستأنس بحكاياتك في حكاياتنا، ونستذكرك في قُرباتنا، فأنت والدنا للأبد والموت لن يُغيّبك عنا لأنك تنبض في قلوبنا ما حيينا عليك رحمات الله تترى أيها الأب العظيم، والوالد المجيد، وقدوتنا التي نفخر بك عليك رحمة الله).
وهذا الفقد المؤلم ذكرني بوفاة أبي عبدالعزيز الكنتي وأخوالي الكرام: الشيخ محمد يحظيه ولد عبدالمالك، والشيخ الجد ولد التقي، والشيخ محمود ولد حيبلة، واليوم يرحل عنا الشيخ محمد محمود الهاشمي عليهم جميعاً رحمة الله، والمشترك بينهم جميعاً سعيهم في حب الخير، وشغفهم بخدمة الغير، فكانوا من الرجال الأوائل الذين وضعوا بصماتهم الخالدة في قلوب الكثير، وكانوا قدوة يحتذي الجميع بهم رحمة الله عليهم.
وكان الحرم المكي يُمثل لهم الحياة حينما يلتقون فيه بشكل دائم، فيطوفون بالكعبة المشرفة، ويصلون عدة فرائض، وبعد تلاوة القرآن الكريم يتحدثون عن هموم مجتمعهم باحثين عن الحلول، ساعين فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض رحمهم الله برحمته الواسعة، وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي