مختار امبو وعبد الله ولد أربيه (المدرس والتلميذ

 

 
اهتم المدرس لأمر تلميذه النابه وأعُجب التلميذ بمدرسه المتميز ومضت أعوام صار فيها المدرس وزيرا للتربية وللثقافة لاحقا في بلده السينغال ثم مديرا عاما لليونسكو وتقلد خلالها التلميذ عدة وظائف منها إدارة المراسيم في بلده موريتانيا وقبلها السفارة في مصر أيام عبد الناصر .
 

 

في باريس مدينة الفلاسفة والكتاب التقى التلميذ والمدرس في أحد مقاهي الحي اللاتيني وهنالك غير بعيد عن مباني السوربون العتيقة قَبِل التلميذ دون تردد عرض أستاذه للعمل في مكتب اليونسكو بدوحة العرب.
 

تلك العلاقة الحافلة بالود والاحترام والتعليم والثقة ما هي إلا صورة رمزية للعلاقات السائدة منذ قرون بين ساكني ضفتي نهر السينغال .
 

للحكاية في بدايتها زمانان ومكانان، ففي بيئة أقرب للفقر في ضواحي داكار سنة 1921 ولد أحمد مختار امبو الذي أعجبته البزة العسكرية في ريعان شبابه حتى تطوع للجيش الفرنسي لكنه سرعان ما اكتشف أن حبه للدرس والتدريس أكبر من شغفه بطوابير العسكر وصرامتهم.

في داكار نجح امبو في الباكلوريا ثم سافر إلى الحي اللاتيني ليدرس الجغرافيا في السوربون. خلال تلك الفترة تقريبا كان الطفل الصغير عبد الله ولد أربيه الذي يحفظ كتاب الله ومتونا من الفقه المالكي وبعضا من دواوين العرب يتهيأ ليدخل المدرسة النظامية .
 

عاد امبو من باريس ليكون أول مدرس إفريقي في ثانوية روصو ومن حجرات الدرس بدأت صداقة رجلين من رجال الثقافة في غرب إفريقيا.

خلال مسيرتهما الثقافية، كان امبو مقاوما للاستعمار الثقافي الذي يهدف إلى هيمنة الثقافة الغربية وجعل الدول النامية مجرد مستهلك لهذه الثقافة، أما عبد الله فقد أتى لقاهرة المعز لدين الله وفي حقيبته الدبلوماسية محظرة شنقيطية أعادت لعلماء الأزهر ومثقفي القاهرة دهشة سلفهم من حفظ وفهم ولد التلاميد.

...تتواصل المسيرة والمقاوم والثائر الثقافي مختار امبو يخوض حربه ضد الهيمنة الثقافية فيُنشأ نظام  «NWIOCO» الذي يمنع الإعلام من الانحياز لوجهة النظر الغربية .
 

خلال معركته الثقافية حامية الوطيس طالب امبو بحصول فلسطين على العضوية الكاملة باليونسكو، لتكون أول عضوية كاملة تحصل عليها فلسطين في منظمة تابعة للأمم المتحدة.

أما عبد الله فتحول إلى دوحة شيوخ العرب ليقدم فصلا جديدا يعرف من خلاله العرب على الشنقيطي الجديد المتواضع النحيل الطيب الذي يتكلم لغتي فولتير وشكسبير بذات الطلاقة التي يستطيع بها إقناع كاتب عملاق عائد لتوه من جامعات بريطانيا مثل الطيب صالح بأن شعر ذي الرمة يضم أبياتا وقصائد أجمل من "خرقاء واضعة اللثام".

بلغت المعركة ذروتها حين نحج مختار امبو في الحفاظ على جزء هام التراث العالمي وذلك بوضعه 690 موقعا في جميع أنحاء العالم على قائمة لجنة التراث العالمي وعلى رأس هذه المواقع شنقيط .
 

فجأة توالت طعنات التشويه العالمي حتى ترجل الفارس عن جواده وغادر أحمد مختار امبو مكتبه المقابل لساحة فونتنوا، تاركا اليونسكو لعالم الكيمياء الحيوية الأسباني فردريكو مايو زار جوسا .
 

أما التلميذ السفير فقد تعبت رئتاه .
 

غادر الأستاذ باريس إلى داكار ليتفرغ للتأليف حتى وفاته،  أما عبد الله فقد تمسكت به الدوحة وتمسك بها ليدفن هنالك في مقابرها .
 

أعتذر عن ارتباك الخاتمة فللدموع تأثيرها .

[بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه - مهندس في مجال المياه والصرف الصحي]