تناقضات المجتمع الموريتاني بين الواقع و الإستياء

يعيش المجتمع علي وقع جملة من التناقضات و المفارقات علي جميع الأصعدة و في الإتجاهات .
نتيجة عدم الإدراك و الوعي بشروط الحياة الكريمة المبنية علي الأخلاق و إحترام الآخر .
في ظل مانراه من تحولات إحتماعية عميقة تستهدف نمط الحياة من عادات و تقاليد ضمن تغيرات طارئة علي مستوي العقليات و السلوك و القيم .
و ظهور ممارسات شاذة طغت علي السطح كالنفاق و التملق و الكذب و تزييف الحقائق و المعطيات و تفشي الفساد و عدم الإكتراث بالوطن و المصالح العامة .
أمام إنتشار واسع لعولمة غزت البيوت و أستباحت أعراض و خصوصيات الأشخاص و العوائل و الأسر دون وجه حق .
إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر .
و نعيش حقا عصر التناقض و إزدواجية الشخصية نبيح ما يروق لنا و نحرم ما يتعارض مع مصالحنا .
فما نعيشه اليوم من تناقض إجتماعي و خلقي و سلوكي أدي إلي إزدواجية الفقر مع الغني .
فالكل منا لا بد أن يكون غنيا
فالغني عند هؤلاء المتناقضين مشاع ليس له علاقة بالمهنة مهما كانت بسيطة أو وضيعة أو فاضلة .
فالمعلم يمكن أن يكون مدرسا في الصباح و مضاربا في الأسهم بالمساء أو أثناء الدوام فلا يعفيه مبدأ أو إلتزام و لا قدوة أو فضيلة .
فالأخلاق و القيم و الثوابت أصبحت في أيامنا تقرأ و لا تكتب تسمع و لا تترجم لواقع ملموس فهي في نظرة بعض المراقبين إلتزام تجاوزه الواقع المعاش و تاريخ عفا عليه الزمن .
و لو أدي ذلك للتعدي علي حقوق العامة و الخاصة .
فالغاية عندهم تبرر الوسيلة و المعاملات منفصلة عن العبادة و حب الوطن .
لدرجة أن المواطن البسيط يصبح فقيرا و يمسي ثريا ثراءا فاحشا مجهول أو معلوم المصدر دون مساءلة قانونية تذكر
في ظل الإفلات من العقاب و التهرب الضريبي رغم الشكوك و التهم القائمة .
‐ نحن مجتمع يمنع فيه إستهلاك الكحول و المخدرات و مع ذلك تنشط عبره عمليات تهريب نفس المواد السامة و الضارة و توزيعها و المتاجرة فيها علي نطاق واسع منذ أمد طويل بدليل ما يتم رصده و ضبطه من كميات كبيرة و هامة في حالات تلبس من حين لآخر عن طريق عناصر الأجهزة الأمنية.
تكيف قضائيا و تختزل في شخصيات خارجية دون غيرها من كبار القوم من أبناء الوطن .
‐ نحن مجتمع ينبذ الغش في الخطاب لكن يطبع معه بسهولة في الواقع : في العمل ، المعاملات المسابقات الإمتحانات ..
يجد له كل التبريرات الممكنة .
نحن مجتمع في الوقت الذي يتحفظ و ينتقد فيه البعض المحتويات الهابطة و التافهة عبر وسائل التواصل الإجتماعي نجد أن هذه المنصات تحظي بمتابعة كبيرة
‐ نحن مجتمع لا يطالبك بإحترام ضميرك الشخصي بل بالخضوع لرقابة الجماعة ، افعل ما تشاء لكن في السر .
‐ نحن مجتمع المفسد فينا المقال من عمله نتيجة سوء تسيير أو تدبير أو فساد يستقبل داخل أوساطه الإجتماعية بحفاوة و في جو من الإحتفالات الرهيبة و بترخيص من السلطات الرسمية كأنه بطل قومي .
‐ نحن المجتمع الوحيد الذي يمكن لأي شخص أن يثير أو يشهر أو يتساءل دون وجه حق عن مصادر ثراء خصوصي لا علاقة لصاحبه إطلاقا بالمال العام و لا بصفقات الدولة و يوجه له التهم لحاجة في نفس يعقوب قضاها من خارج دائرة إختصاص القضاء ممثلا في النيابة العامة .
في الوقت الذي تم فيه السكوت عن أسماء ضالعة في حالات فساد عمومي مبينة بالأدلة و الأرقام .
أموال شعب تسرق و تنهب بالجملة علي مرأي و مسمع من الجميع تصنع نخبة فاحشة الثراء قوامها صقور السياسة و كبار الموظفين و المسؤولين .
‐ علي الأصح برزت داخل المجتمع شريحة محدودة من رجال المال و الأعمال فاحشة الثراء أكتسبت أموالها بطرق مشبوهة خلال فترات زمنية قصيرة و في مراحل متباينة
بحكم الزبونية و المحاباة و القرب من أصحاب النفوذ و الإستحواذ علي الصفقات و التحكم بالأنشطة الإقتصادية و الأسواق الرئيسية دون مساءلة أو إثارة من أي كان ؟!
‐ نحن مجتمع طغت عليه المادة و تراجعت فيه القيم المجتمعية يهتم بالمظاهر مما يدفع الفقراء علي غرار أغنياء البلد إلي الإسراف و البذخ و عدم الإهتمام بالحرص و الإقتصاد في المصروف .
‐ نحن البلد الوحيد في العالم تنشر فيه محكمة الحسابات و المفتشية العامة للدولة تقارير فساد بالجملة و بالتفاصيل المملة دون سجن أي شخص .
‐ نحن البلد الوحيد الذي يقوم بتدوير المفسدين في المناصب الوزارية و الوظائف العليا الحساسة و هم في حالة دفع مسروقات سابقة لدي الخزينة العامة .
‐ نحن البلد الوحيد في العالم الذي يقوم بالتوزير العائلي و الأسري منذ قيام الدولة المركزية إلي يومنا هذا .
نحن مجتمع مبني علي كل التناقضات في انتظار مآلات نجاحات مأمورية شباب شعارها الأول و تحديها الأبرز هو محاربة و مواجهة الفساد في كل تجلياته.
ما نراه اليوم من تناقض و تبريرات في المواقف و الإتجاهات الفكرية و العقائدية مرده التشدد بالطبع و التنطع.
يرجع إلى تفكك القيم و تسيب السلوك و إنحلال الخلق بكافة أنواعه .
ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضي هو إصلاح شامل قائم علي التعليم و الإلتزام بالثوابت الدينية و الوطنية و القيم المجتمعية .
خاصة أن التناقض لدينا أضحي صفة مميزة لمجتمعنا .
إن الحياة تدور بشكل دائري فإذا انهارت الأخلاق و القيم المجتمعية انهار بالضرورة كل شئ .

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .