تاسدبيت بين "لمريره" و"الهاي كايز".
رأي شخصي خارج على فسطاطي الجدل الحالي أرجو أن تقرؤوه حتى النهاية..
بما أن "الثقافة لا تعرف الفراغ" كما يقال؛ فإن صناعة الرأي العام لا تقبل التهاون ولا الفراغ هي الأخرى.
فإما أن توجد مؤسسات وطنية صلبة وقوية وواعية لاستخدام أدوات صناعة الرأي العام - خصوصا في هذا العصر المعقد - تتضافر فيها جهود مؤسسات التنشئة الاجتماعية مع مؤسسات وسائل الإعلام برؤية وتخطيط وتدبير محكم، ترسم أهدافا واضحة ومحددة تكبح جماح التيه الإعلامي الموريتاني أو تكون النتيجة "جيلا" تسخطون عليه جميعا، وما هو إلا نتاج تربيتكم مثل جيل "الهاي كايز" والفاشنيست؛ و"إعلاما" وطنيا تائها لا هدف له ولا خطة لديه في مقابل تيارات الإعلام الفردي الموازي بشتى وسائطها وأهدافها ومراميها العاكسة لحياة من تحتقرونهم من أبناء وبناتكم المشجعة لنمط بضاعتهم من الثقافة والتفاهة والميوعة كما تصفونها.
لا يخرج الهدف من سياسات وبرامج وخطط الإعلام - في معظمه - عن حالين:
1 - صانع للرأي العام وفق هوية أو ايديلوجية وطنية ذات مرجعية وجذور ثقافية وفكرية أصيلة وقابلة للانفتاح على العصر بوعي وحفاظ على الذات في قوالب جديدة تستوعب عقليات الجيل ويستوعب برامجها الثقافية ومحتواها الإعلامي.
2 - ملبٍّ لجميع رغبات وطلبات الجماهير الفردية والشخصية والسلوكية دون مراعاة لأي اعتبارات أخرى ولا يهمه مدى انسجامها داخل الأطر الثقافية والدينية والحضارية لأي أمة أو شعب أو ملة...
وهنا تتنزل موجة تطبيقات التواصل الاجتماعي وتسليع الأشياء والأشخاص والأزياء وفقا لنموذج العولمة المهيمنة بالقوة الناعمة، ومنها الاعلام والاتصال بوتيرته وثورته المذهلة التي تحتم على الاعلام الجماهيري العتيق مواكبتها والتكيف معها واستيعاب مضامينها.
فإذا كنا لا نتستطيع تشجيع برنماج "لمريره" مثلا لمقدمته السيدة المثقفة وبفكرته الخفيفة الراقية وهدفه السامي - الحفاظ على ثقافة وهوية (البيظان) أغلبية المجتمع - وفقا للهدف1 من الهدفين المبينين أعلاه أو برنامج "تاسدبيت" لصاحبه الشاب المتميز، وكلاهما يحقق مشاهدات هائلة ويحصد تفاعلات هامة؛ فلن يكون البديل سوى البرنامج المثير للجدل "هاي كايز" تلبية لرغبة جماهيرية - وفقا للخيار الثاني من أهداف وسائل الإعلام - أنتم الذين تنكرون على أصحابها وتمثلون جزء من كم وكيف مشاهداتها وتفاعلاتها بملء إرادتكم، لأنكم لا تجدون البديل، ولأن كثيرين منكم لم تخلق لديهم ذائقة ثقافية وطنية أو محلية تحصنهم أولا، وتجعلهم ثانيا يتذوقون ويتشبثون بثقافتهم وآداب أمتهم ويدعمونها ويشجعون أصحاب الأفكار النيرة الذين يقومون بواجبها.
ثم إذا كان برنامج "الهاي كايز" يزعجكم لهذه الدرجة فدعوه لجمهوره الذي أنشئ له، والذي لا تنفعه مواعظكم، ولا ينصت لنصائحكم، ولا يلتفت إلى عالمكم؛ فهم في عالم آخر، انتم في واد وهم في واد، أما الضغط على السلطة العليا للصحافة من أجل التضييق على وسيلة إعلام محلية لمجرد أنها استنسخت فكرة لا تروق لنا - دون أن نقدم أي بديل عنها - فتلك موجة داعشية أخرى لا يخطؤها النظر القلق على مستوى الرعونة الغلو الذي يجتاح البلد في كل شيء..