لا يخفي علي أحد أن عادات وتقاليد الزواج اليوم في ظل طغيان المادة و تفشي الفساد تتم علي أساس التفاخر و التباهي بالمظاهر و لو كانت كاذبة .
ففي ضوء زيادة التعقيدات الحياتية و كثرة المتطلبات اليومية التي أصبحت ترهق الشباب الباحث عن الزواج ،
مازال ارتفاع المهور و المبالغة في الكماليات حجر عثر تكاد تكون السبب الرئيسي في انتشار العنوسة و عزوف الشباب عن الزواج في مقتبل العمر .
أما في الماضي فكان أساسها البساطة و التواضع و عدم المبالغة .
يأتي ذلك وسط جدل حول ضرورة إطلاق حملات توعية و تشجيع حوار مجتمعي للوصول إلي توافق حول قضية المهور .
فيما يطالب البعض بسياسات حكومية ناجعة في مواجهة إرث العادات و التقاليد الخاطئة و موقف واضح للمؤسسات الدينية
حيال ذلك
تدخل هذه المبادرة ضمن ميثاق البناء الأسري الذي أعلن عنه اتحاد أرباب العمل الموريتانيين في مسعي لمنع ما سماه بإنتشار سلوك البذخ و التبذير في المناسبات الإجتماعية وفق ما جاء في مضامين الميثاق التي تم حصرها في أربعة نقاط : -
‐ إبرام عقود الزواج الشرعي داخل المساجد .
‐ ضرورة الإبتعاد عن عن الإستعراضات الكبيرة خلال حضور العقود .
‐ الإمتناع عن البذخ و الإسراف داخل المنازل و قاعات المناسبات و الإكتفاء بالمستور إجتماعيا .
‐ الإبتعاد عن المباهاة و المبالغات في الهدايا و العطايا خارج الضوابط و الأخلاق .
حيث يجمع القائمون علي هذه المبادرة علي أنها لفتة كريمة جاءت إستجابة لتفاقم ظاهرة غلاء المهور في المجتمع الموريتاني .
و أنها تهدف إلي معالجة الإشكالات الحاصلة و ليس لتحقيق مصالح ذاتية أو شخصية .
كما تعمل علي إحياء قيم التكافل و التراحم بين أبناء المجتمع و تسهيل متطلبات الزواج و الحد من المغالاة في المهور .
كما تأتي في إطار تبني مقاربة محاربة الفساد و تعزيز القيم المجتمعية و تكريس أسس النزاهة و الشفافية في المجتمع .
و قد لاقت هذه الخطوة ترحيبا واسعا لدي رجال الدين و من داخل بعض الأوساط الإجتماعية .
كما سبق أن أصدرت الحكومة العام الماضي جملة قرارات وتحذيرات بشأن المبالغة في التبذير و أعلنت عن تشكيل لجنة وزارية من أجل وضع خطة عمل صارمة للتصدي لمختلف مظاهر الفساد و البذخ في المناسبات الإجتماعية و الوقوف ضد كل المسلكيات المخالفة لمقتضيات تعاليم شرع الله .
إلا أن هذه الخطة المرتقبة لم تر النور حتي الآن .
و كما أصدر المجلس الأعلي للفتوي و المظالم هو الآخر فتاوي في ضوء ما يلاحظ من تبذير غير مسبوق في المناسبات الإجتماعية و إسراف في الولائم و تحضير الهدايا ....الخ
ممارسات صنفت بأنها منكر لما يترتب عليها من محرمات و ما ينشأ عنها من مفاسد .
في حين أستغرب الكثير من نشطاء وسائل التواصل الإجتماعي و عامة الناس اهتمام رجال الإتحاد الوطني لأرباب العمل هذه المرة بقضايا غلاء المهور و استهداف الطبقات الإجتماعية الهشة دون غيرها و عدم الحديث عن حجم مأساة البذخ و غلاء المهور و ما يحدث من تبذير داخل أوساط طبقات الأغنياء التي تعد البيئة الأولي الحاضنة للفساد و الملاذ الآمن للثراء الفاحش .
و عدم إخضاع ابناء نفس الطبقة لقرارات الوثيقة ،
و هو ما يقلل من جدية هذه المبادرة .
فقد قابل الكثير من الناس الوثيقة بالرفض و لم يعيروها أي إهتمام بل اعتبروها مجرد وسيلة لكسب تعاطف الشباب و ود الحكومة .
يري كثيرون أن رجال الإتحاد الوطني لأرباب العمل تركوا القضايا الوطنية و أهتموا بهوامش الأمور .
قد يتساءل البعض لماذا لا يضعون حلولا للمشاكل الأساسية التي تمس حياة الناس و تطال مئات العائلات الضعيفة ؟!
من خلال تقليص أسعار المواد الغذائية و الأساسية كالوقود و قنينة الغاز ....الخ
أو خلق فرص عمل تمتص أكبر كم من البطالة .
في وقت ترتفع فيه كل السلع الضرورية و المنتجات و المشتقات النفطية و تتراجع فيه و تغيب من حين لآخر أهم الخدمات الأساسية وسط تفشي و إستشراء الفساد في كل الإتجاهات .
ما أعيب علي هذه الوثيقة أنها تعاملت مع النساء كسلعة تباع و تشتري .
إذ يري بعض المراقبين أن تحديد مهر الزواج بهذه الطريقة مقابل 50000 ألف اوقية قديمة هو إجراء فيه إنتقاص للمرأة و تحولها إلي سلعة تباع و تشتري في المزاد العلني نزع عنها الصفة الإنسانية .
في الوقت الذي كانت تنتظر إنصافها في مأمورية الشباب و منحها المكانة اللائقة بها طبقا لما تضمنه البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني
طموحي للوطن .
كما تم لحظة تمرير الوثيقة تجاهل قطاع المرأة و الشؤون الإجتماعية صاحب الصلة الوثيقة الأولي بالموضوع و علي كل المستويات .
لكي نتمكن من مواجهة ظاهرة المغالاة في تكاليف الزواج و الحد من مظاهر البذخ و الإسراف و المفاخرة في غلاء المهور .
فلابد من إرساء قيم المشاركة بين مختلف المؤسسات داخل المجتمع ( الدولة ، الأسرة ، قطاع الشؤون الإسلامية ، قطاع المرأة و الشؤون الإجتماعية ، منظمات حقوق الإنسان و المجتمع المدني. .. ) .
لأن الواقع يتطلب أن يخرج البديل و الحل من المجتمع ككل و لا تنفرد به جهة دون أخري مع التركيز علي إتخاذ تدابير وقائية و علاجية .
بينما نجد أن من بين أهم الحلول ما يلي : - أن تقوم الأسرة بتربية أبنائها وبناتها علي معني الزواج الحقيقي .
‐ بذل الغالي و النفيس في سبيل تعميق الوازع الديني و التربية الإيجابية في نفوس الأبناء .
‐ أن تكون الرغبة في بناء بيت مستقر و ناجح .
كما يمكن أيضا مواجهة هذه الظاهرة و الحد من مخاطرها من خلال تفعيل دور المؤسسات الدينية و التعليمية والإعلامية و تمكين قطاع المرأة و الشؤون الإجتماعية من القيام بالدور المنوط به في هكذا ظروف .
في محاولة لبناء منظومة جديدة من الأفكار و المعتقدات قد تكون أكثر تناسب مع الواقع و ملاءمة للتحديات و الظروف الراهنة .
مع إعداد وثيقة مجتمعية تعرض أمام المشرع تأخذ طابعا رسميا يلتزم بها جميع أفراد المجتمع .
ستشكل قطيعة تامة مع كل الممارسات الخاطئة .
تأسيسا لما سبق ينبغي التأكيد علي أن الأمور في الحياة لاتقاس بالمال و أن رأس مال الزوج هو دينه و خلقه و عمله الصالح .
فالمال مجرد وسيلة و ليس غاية في حد ذاته .!!
حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .