انواكشوط بين غرق منتظر من جهة المحيط و آخر مطري موسمي متكرر

إن تقارير مجموعة الخبراء الدوليين حول تطورات المناخ و الإنحباس الحراري لتؤكد جليا أن حجم الأخطار المحدقة بنا و الجدل الحاصل حول حتمية غرق عاصمتنا الفتية حديثة النشأة انواكشوط الحاضنة لنصف سكان البلد
قائم.
و هو ما تأكد أيضا علي المستوي الرسمي حينما قالت وزيرة البيئة في آخر حكومة مقالة لاليا علي كامرا
قبيل تشكيل حكومة مأمورية الشباب الأخيرة .
أن نسبة 30% من مساحة العاصمة انواكشوط مهددة بالغرق في حال تسرب مياه البحر نظرا لضعف و هشاشة التربة .
و ذلك خلال حفل نظمته وزارة البيئة علي شاطئ المحيط الأطلسي في إطار الأسبوع الوطني للتشجير .
إذ لا شك أن العاصمة انواكشوط باتت من المدن الهشة و المهددة بمخاطر بيئية من بينها الفيضانات وغمر مياه البحر و زحف الرمال .
حيث تواجه خطر الغرق و الإختفاء علي نحو مطرد بسبب التغيرات المناخية و عوامل التعرية و الإحتباس الحراري و إحتمال تدفق المحيط و هشاشة الشاطئ و انخفاض مستوي المدينة عن سطح البحر و الإستغلال المفرط للحاجز الرملي في أعمال البناء و الإنشاءات .
هذا وقد شهدت العاصمة انواكشوط خلال المواسم الأخيرة موجات سحب ماطرة زادت الطين بلة في ظل غياب شبكة صرف صحي و مياه أمطار
مما فتح المجال واسعا أمام المواطن لتشييد مجاري صرف صحي منزلية تقليدية بشكل عشوائي مضر للبيئة و للصحة العمومية .
حيث أصبحت التربة مشبعة بالمياه المالحة لدرجة أن بعض أحياء العاصمة لم تعد إطلاقا صالحة للبناء أو التشييد .
بحكم قرب المياه الجوفية من سطح الأرض و تسرب شبكة مياه الشرب القديمة المتهالكة و ما يتدفق من مياه ناتج أحيانا عن إصلاحات أنابيب الشبكة القادمة من نهر السينغال .
و هو ما أصبح يشكل قلقا و يولد خوفا ورعبا في صفوف ساكنة انواكشوط في ضوء تنبؤات و تحذيرات إدارة الأرصاد الجوية و الحديث عن إحتمال تعرض مناطق واسعة من البلاد بما فيها انواكشوط لعواصف رعدية و سحب ممطرة جارفة مرتقبة من حين لآخر .
صحيح أن مراحل و ظروف نشأة العاصمة انواكشوط جاءت في ظروف خاصة و من اللاشئ .
في ظل غياب تام لأبسط مقومات الحياة و عدم وجود أي مظهر لمؤسسات الدولة أنذاك .
ما تم مراعاته خلال التحول السوسيولوجي في نمط الحياة هو خصوصية المجتمع الموريتاني و ضرورة استقراره حضريا و استقطابه عبر المدينة الفاضلة.
خاصة أن المستعمر الفرنسي لم يترك أي أثر لبني تحتية و لا لملامح حياة داخل ربوع الوطن علي غرار واقع بعض المستعمرات الفرنسية المجاورة و المحيطة بنا.
بقدر ما ما خلف آثار نهب ممنهج لثروات و مقدرات و خيرات البلد طيلة الحقبة الإستعمارية و بعيد الإستقلال.
فمدينة انواكشوط تم تشييدها علي مستوي أرضي منخفض أقل من مستوي سطح البحر في ظل ضعف الوسائل و قلة الإمكانيات و غياب مخطط عمراني حضري و أمام نزوح مستمر من الريف نحو العاصمة بسبب الجفاف .
و إعتماد خطة إيواء و توطين في مناطق سكنية غير مؤهلة منخفضة و معرضة دائما للغمر و الفيضانات و انتشار البرك و المستنقعات.
و لأسباب تتعلق أيضا بعمليات توزيع القطع الأرضية و الظروف التي أكتنفتها أيضا .
و لأن عمليات البناء و التشييد جاءت بمجهود شخصي فردي لم يراع المعايير و المواصفات الفنية العمرانية ( علي قدرك يا موسي ) .
هكذا كانت ظروف نشأة العاصمة انواكشوط و تأسيس البلد .
بالمقابل 64 سنة من قيام الدولة المركزية كانت كفيلة بالنهوض بأكثر من مدينة و وضع مخططات عمرانية سليمة و إعادة ضبط الأمور في قالب صحيح يؤسس لبناء حضري صلب مع مراعاة مختلف الظروف الطبيعية المناخية و البحرية .
إن التحرك السريع للدولة و لحكومة مأمورية الشباب الصاعدة في هذا الشأن أمر ضروري من خلال وضع خطة استعجالية واضحة الملامح ستشكل حصن حصين لمدينة انواكشوط علي أسس علمية و فنية عبر توفير الآليات المناسبة لرسم هذه الخطة علي الواقع مما سياسهم في كبح أي خطر قادم عن طريق إنشاء حزام أخضر أو بناء سد رملي واقي و غيرها من الطرق الفنية المنوطة بانجاع هكذا عمل .
فمطالبة البعض بتشييد عاصمة جديدة خارج الحيز الجغرافي لمدينة انواكشوط لم تأت من فراغ إلا أنها تتطلب جهودا كبيرة و تمويلات هائلة ستعود بنا إلي نقطة الصفر .
لكن الإستفادة من تجارب الآخرين في هذا الإطار مسألة ملحة و ضرورية .
خاصة إذا ما علمنا أن معظم مدن و عواصم العالم شيدت بالقرب من الشواطئ البحرية و علي ضفاف الأنهار و بعضها علي يابسة محاطة بالمياه من كل جهة .
و أخري بنيت علي أفواه براكين حية و نائمة و مناطق زلازل مرعبة .
ظواهر كونية تم التغلب عليها و التعايش معها في ظل الصراع الأزلي بين الإنسان و الطبيعة دون أن يحرك ساكنا من عقر داره .
و في سياق متصل تتكرر مشكلة الأمطار داخل العاصمة انواكشوط و العديد من المدن الداخلية و تتجدد معاناة الساكنة مع كل موسم خريف .
حيث تغمر مياه الأمطار معظم الأحياء و الشوارع الرئيسية و خاصة المناطق السكنية و الأسواق و المحلات و المستشفيات و أماكن العمل و المباني الحكومية.
و بالتالي تحد و تشل و تعيق حركة المرور مما يتسبب في أزمة مواصلات خانقة و إرتفاع جنوني لرسوم النقل .
وضع يؤثر و ينعكس سلبا علي كل جوانب و مناحي الحياة داخل العاصمة .
كثيرا ما يخلف أضرارا مادية كبيرة و كبيرة جدا في الممتلكات الخاصة و العمومية .
و يشكل خطرا قاتلا علي أمن وسلامة المواطن داخل المناطق الهشة في ظل فوضوية و عشوائية التوصيلات الكهربائية غير قانونية التي لا تراعي أي معايير أو مواصفات فنية .
كما يعود استمرار هذه المعاناة إلي هشاشة و ضعف البني التحتية إن لم تكن معدومة .
و غياب شبكة صرف مياه أمطار تغطي كافة أجزاء المدينة .
بالإضافة إلي عجز و فشل الأنظمة و الحكومات المتعاقبة في إرساء سياسات إصلاح ناجعة للنهوض بقطاع الصرف الصحي نتيجة التجاهل المستمر للقطاع .
إلا أن المكتب الوطني للصرف الصحي رغم قلة الوسائل و ضعف الإمكانيات لديه مقارنة بحجم التحديات المناخية ظل دائما يقوم بالدور المنوط به وطنيا و يقدم جهودا كبيرة ضمن المتاح لكن بطرق بدائية من قبيل فتح ممرات آمنة بشفط مياه الأمطار عن الطرق الرئسية و الفرعية بواسطة مضخات ونقلها عبر صهاريج خارج محيط العاصمة .
في انتظار ما تعهدت به وزيرة المياه و الصرف الصحي ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة السيدة آمال بنت مولود خلال أول خرجة ميدانية لها حيث قالت بأنها ستسخر وقتها لتسريع الإجراءات للبدء في تنفيذ مشروع إقامة نظام صرف صحي عصري و شامل في مدينة انواكشوط .
طبقا لما جاء في البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
طموحي للوطن .
فكما يقال جاور الماء تعطش .
هذا هو حال ساكنة انواكشوط مع تكرار معاناة أزمة عطش للموسم الثاني تواليا و علي نطاق واسع في ظل موجات حر كبيرة .
تفاقمت لدرجة انعدامها في مناطق و أحياء شعبية مختلفة ، تعود أحيانا في آخر ساعات الليل عند ما يكون السكان نياما و بقوة ضخ ضعيفة لا تكفي لتعبئة برميل خاصة أن معظم المشتركين أعتادوا الإرتباط بالشبكة مباشرة منذ بدء تشغيل مشروع آفطوط الساحلي مؤخرا نتيجة قوة الدفع و الضخ أنذاك .
مما أرغمهم علي التخلي عن وسائل و آليات التخزين المعهودة قديما كالخزانات الأرضية الإسمنتية أو البراميل داخل المنازل .
ظنا منهم بأن عهد الإنقطاعات قد ولي في ضوء دخول المشروع الوليد مراحل التشغيل الفعلي و تزويد العاصمة بالماء الشروب علي مستويات واسعة مقارنة بما كان يحصل في العقود الأخيرة .
في حين تأكد رسميا أن هذا العجز الحاصل مرده تراجع كميات الإنتاج علي مستوي مصادر منشآت آفطوط الساحلي بسبب التغيرات المناخية و الارتفاع المفاجئ لمنسوب الطمي في مياه النهر و هي نفس مبررات أزمة السنة الماضية رغم طرد و تغيير الطواقم الفنية .
دون تحديد سقف زمني لتجاوز الأزمة أو سبل التغلب عليها أو التعامل مستقبلا مع هكذا حالات .
خاصة أنها تكررت للمرة الثانية في نفس موسم الخريف و بتوقيت العام الماضي .
حيث أستغل بعض التجار ولا غرو الشح الحاصل و تربحوا من المعاناة خلال الإرتفاع المذهل للأسعار دون ضوابط قانونية بعدما حاصرت أزمة العطش الأحياء و العائلات .
يرون بأنهم يقدمون خدمة مقابل سعر يحدده قانون العرض و الطلب أمام شح موارد مياه طالت في عمومها ولايات انواكشوط الثلاثة و حنفيات شحن الصهاريج أيضا .
إلا أن أزمة العطش الحاصلة صاحبتها معاناة مماثلة وسط إستياء واسع و سخط شعبي كبير نتيجة عودة انقطاع الكهرباء عن أحياء و مناطق داخل العاصمة .
و حصول ضعف شديد في التيار بالكاد يكفي لتشغيل الإنارة و بعض الإحتياجات الخفيفة .
فمع موجات الحر الشديد يزداد الضغط علي شبكات الكهرباء مع ارتفاع الطلب عليها مما يؤدي إلي زيادة الحمل قد يترتب عليه انقطاعات في التيار الكهربائي لساعات و يضاعف ذلك من معاناة المواطن .
كما تؤثر أيضا الحرارة علي انسياب التيار الكهربائي بسبب الضغط علي الماكينات و المولدات و محطات الكهرباء .
كما يجب إستحضار الجانب المتعلق بالصيانة مع ضرورة مراعاة العمر الإفتراضي لمحطات الإنتاج و شبكات النقل و التوزيع .
مما قد يؤدي إلي نقص حاد في الإنتاج و يقلل من تحسين الخدمة .
يتطلب التغلب عليه رفع القدرة الإنتاجية من أجل المواءمة بين العرض و الطلب .
تأسيسا لما سبق فإن الإشكالية الكبري هي أننا دائما نكرر فشلنا و نستنسخ إخفاقاتنا نحو خيبة جديدة أخري .
ففي كل مرة تتجدد أزمات الموسم الماضي دون أن نتعلم منها او نعمل لمعالجتها و هي أزمات ثابتة و متكررة مع كل موسم خريف منذ قيام الدولة المركزية .
فإلي متي ستظل الأعذار بالأعطاب الفنية و سيلة تبرير دائم لإنقطاع الماء أو الكهرباء في هكذا ظروف ؟!

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .