طبقا للدستور المورتاني يمتلك رئيس الجمهورية سلطة التعيين في الوظايف المدنية والعسكرية و انطلاقا من هذا المبدأ يمكن اعتبار التعيين في الوظيفة العمومية بمثابة ثقة سياسية من الدولة في الوكيل الإداري مهما كان منصبه . لكن الدولة وضعت أيضا قانونا صارما فيما يتعلق بالولوج إلى الوظيفة العمومية عبر المسابقة الشفافة التي تجسد مبدأ المساواة بين المواطنين. كما يحدد القانون شروط و معايير تسير عمال الدولة الموظفين و العقدويبن وفقا لمسطرة دقيقة أسند تطبيقها إلى وزارة تحمل اسم الوظيفة العمومية.
و الواقع أن الثقة السياسية تتجلى بصورة خاصة في ما يعرف بالمناصب العليا في الدولة او الوظائف السامية التي يتم التعيين فيها بواسطة مرسوم رئاسي او بمرسوم مصادق عليه بمجلس الوزراء ،، و لذلك تم تحديد .ستة عشرين (.26) عينة من الوظائف العليا بموحب المرسوم الامر الذي يجعلها تخضع عادة للسلطة التقديرية للدولة ،، و هي تعيينات يترقبها الرأي العام عبر وسائل الاعلام باهتمام أسطوري. و قد تكون على هذا المستوي بعض الظائف التي تستدعي الولاء السياسي لموظف في قطاع ما او في مهمة معينة ،،، لكن من حيث المبدأ يجب اخضاع تلك التعيينات لمعايير العدالة في اختيار الموظفين بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية و عن ولائهم السياسي و كذلك اعتبارا لمستوي التكوين و الكفاءة و النزاهة و التجربة الخ ،،، كما يجب ان تتم التعيينات على اساس اقتراحات مدروسة و معللة بدافع المصلحة العامة. من طرف اجهزة الادارة ،،،، و هذا ما يعرف بالسلطة المقيدة ،،وعلى ذلك النحو وطبقا للمعايير المذكورة ءانفا يتعين مبدأيا ،،التعيين في ، كل الوظايف الادارية الاخري التي تتم بموجب مقرر او بمجرد مذكرة ، .. و من هنا. ينبغي ان ينطلق التفكير في اشكالية التشابك. بين الوظائف السياسية و الوظائف. الادارية،، مما لا شك فيه أن منصب الوزير وظيفة سياسية بامتياز و ان بعض الوظائف قد يستدعى ثقة سياسية من طرف الحكومة الا ان الموظف سواء كان دائما أو مساعدا سلكيا أو عقدويا يبقي بالأساس خادما للدولة بغض النظر عن توجهات حكمها السياسي و بغض النظر عن توجهاته الشخصية. كما لا شك أن الوزير لديه سلطة تقديرية يمكنه اللجوء إليها في حالات محددة تقتضيها المصلحة الوطنية لكنه لا يجوز له الإفراط في استخدام السلطة التقديرية لان سلطته في تعيين الموظفين تبقي مبدئيا مقيدة بحكم المعايير المشار إليها أعلاه.. و قد جرت العادة مذ بداية مسار الوظائف السامية ان يتم التعيين و فقا للمنطق و طبقا لشروط العدالة ضمن إسلاك الموظفين كل حسب تخصصه ..الا ان ذلك التقليد الجمهوري تم دفنه نتيجة لعوامل تاريخية يذكر منها على سبيل المثال تأثير سياسة التقويم البنيوي التي تم بموجبها في نهاية عقد الثمانيات إنهاء الاكتتاب في الوظيفة العمومية ( ما عدا قطاعي التعليم و الصحة ) و بالتالي الحيلولة دون تجديد الموارد البشرية للإدارة العمومية. و كذلك المسلسل الديمقراطي في عقد التسعينيات الذي نجم عنه خلط بين مكافئة الدعم السياسي و التعيين في المهام السامية التي تتطلب كفاءة زاد تدني مستوى التعليم من ندرتها ..
أدت هذه العوامل مجتمعة إلى الهبوط بالوظائف السامية الى الدرك الأسفل من الجحيم حيث ذاب الموظف النمطي في تعذيب الإدارة العمومية من طرف التافهين الذين تم تعيينهم دون وجه حق و غيرهم من المتملقين الذين أخذوا على مذهب أهل الخيام بقاعدة ال ما انافق ما يوافق و هكذا تفشي النفاق و الشقاق في إسلاك الإدارة العمومية التي صممت من أجل أن تبقى متماسكة لخدمة الدولة في كل الظروف . .
لقد فشلت الحكومات التي تعاقبت مذ الفترة المشار إليها أعلاه في إيجاد حل لمعضلة التعينات و عموما لم توفق في فرض قواعد للتعيين في المناصب العليا التي يراد منها أن تكون عمادا للدولة و لإستمراريتها .. فالدولة قد تتحمل بسهولة تغيير الحكومات ما دامت لديها إدارة عمومية قادرة على تحمل مسؤولياتها و هنا و اعي ما اقول و إذ أتحمل طبقا لمبدأ التضامن الحكومي مسؤوليتي التامة عن ما ذكرته بخصوص فشل الحكومات السابقة كوزير في حكومة سابقة رغم أنني دافعت في مجلس الوزراء عن أفكاري المتعلقة بالإصلاح الإداري تجدر الإشارة إلى أن صفة المناصب العليا افرغت من معناها و من قيمتها و ان مصلحة مورتانيا العليا تتطلب إلقاء نظرة موضوعية على معايير التعيين في الوظائف السامية بغية الحفاظ على سموها ..
من أجل ذلك يتعين الانطلاق من فكرة بسيطة تلخصها مقولة فاقد الشيء لا يعطيه و عليه فان الموظف السامي الذي يطلب منه تسير مرفق عمومي أو ترأس مهمة إدارية كبرى يجب أن يملك كشرط صحة للتعيين أهلية له باعتبار معايير التخصص و الكفاءة إضافة إلى الشروط الإدارية التي يحددها القانون بوضوح و ان يكون ملزما بوجوب نتيجة لتسيره طبقا لمؤشرات الأداء المعروفة اداريا.. و يبدو مع الأسف أننا دخلنا مذ زمان في نفق مظلم نجم عنه مرض عضال في رأس الإدارة العمومية عبر الإفراط في تعيين كبار الموظفين لأسباب غير عقلانية و لا يقبلها العقل. و لا شك ان معالجة هذا المرض العضال قد تتطلب إضافة إلى استخدام فعال لعلم الإدارة علوما أخرى كطب الأعصاب أو كعلم النفس الاجتماعي لأن الدولة تواجه في الواقع ظاهرة انتحار جماعى مقبولة شعبيا لكنها مضرة بمستقبل البلاد و العباد … و لله الامر من قبل ومن بعد عبد.\