(الحلقة الثانية)
... وعندما اقترب من عمارة الخيمة رأى نفس المرأة تجلس على كرسي أمام وكالة للسفريات مشهورة بإرسال طالبات الزواج الموريتانيات إلى السعودية.. اقترب منها وفي جسمه تسير قشعريرة..اقترب منها وأراد أن يحدثها لكنه كان خائفا من أن تكون هذه المنقبة التي يراها امرأة أخرى ...فكيف يميز إن كانت هي أم شبيهة بها .. وبحركة غير متوقعة اقتربت ذات الخمار الاسود من شباك السيارة.
- وقالت: اعلاش اتأخرت يا صلاح ؟...أنا نتحراك من ساعة ونص...
وصعدت الى السيارة واغلقت الباب ...وهي ما زالت تعاتبه على تأخره وكأنها
على موعد مسبق معه...بقي صلاح صامتا وعلامات الاندهاش والتعجب تظهر على وجهه والحيرة تعتصره لأنه لم يفهم شيئا مما يدور حوله.
- فقالت له :"وصلني لبوتلميت" .
أجاب صلاح:شنهو!!!؟؟؟
أجابت في ثقة:وصّلني ال بوتلميت .. ولاعدت ما تعرف مكانو امش امع اطريگـ الأمل إلين انگـولك اتوگـف .
قال صلاح في حدة : انت مجنونة ؟ انت قصتك شنهي ؟ انت من گـال لك عني جاي هون ؟ انت تشتغلي في المخابرات ؟ انت شاكه عني شوفيرك؟
أجابت في هدوء مستخف: إلى ما عاد عندك الوقت اطرحني افمحطة توجنين وانا نتصرف.
قال : انت منهي ؟
قالت: أنا قدرك
قال بلهجة الآمر:خليني من قصة قدرك .. انت اسمك شنهو؟
قالت : فايزة.. اسمي فايزة.. لاهي تطرحني افبوتلميت والل توجنين والل ننزل عنك؟
قال : لاهي انوصلك ال توجنين .. أما بوتلميت ما عنديلو الوقت.
أدار عجلات السيارة متجها نحو توجنين و فقال : فايزة.. گولي لي مارگـتها الجوقة انت كنتي تتحرايني والل بالصدفة شفتيني؟
- فقالت: انا كنت نتحراك ...انت شاك اني اشكنت انعدل هون.. نتحرى حد أوخر؟ ...على العموم إلى عدت ما تبغي اتشوفني وگـف ننزل عنك.
ومسكت مقبض الباب وهمت بفتحه ، لولا أنه اعتذر لها-وقال : نبغي انشوفك يغير ماني شايف منك ماهو هذي لعباية الكحلة !؟
- فردت عليه غاضبة وقالت: مانك امصدقني ...؟ گـلت لك أنا شبيبة.. واتدور اتشوفني في الوقت المناسب.
- رد عليها صلاح بصوت غلب عليه الحزن واليأس وقال: فايزة گـولي لي .. انت امرة أنا نعرفها وتبغي اتجوق امعاي من أورا هاذا الخمار والل فيه حد امشيك لي إياك اتجنيني.
-قالت: لا..انا ما نعرفك ولا فيه حد امشيني لك ..يغير من اللحظة لوله اللي شفتك فيها عدت قدرك..واتدور تعرف عني كل شي .
- قال لها : كيفاش ...؟!
وجد صلاح نفسه يتجاوز كل محطات توجنين دون أن يتوقف فقد كانت الرحلة مشوقة للغاية وكان هناك دافع خفي يجعله لا يحب أن يفارق هذا الكائن الغريب إلى أن دخل وسط مدينة بوتلميت .
- قاطعته وقالت له :وگف هون ميرسي .
غادرت "فايزة" الغامضة وبدأت تسير على قارعة الطريق بين الناس دون أن يعيرها أحد انتباهه ، وتعجّب لكونه لم ير أحدا من سكان بوتلميت الفضوليين ينظر إليها خصوصا أن لباسها غريب إلى حدٍّ ما ، حتى اختفت بين الزحام.. وعيون صلاح لم تعد تستطيع ملاحقتها فاخذ بالإبتسام مستسخفا مما يحدث وقد اتخذ قرارا ان لا يفكر في هذه المرأة الغامضة التي تود فقط ان تثير فضوله في لعبة ذكية ..فلا بد ان يكون من ورائها أحد ربما من الأشخاص الثلاثة الذين كان على موعد معهم لإجراء صفقة معقدة ومتشعبة .. ثم تذكر أنه لم ير أحدا من السلطات التي ترابط على الطريق ينظر إليها أو يتفحص فيها ..وعاد إلى نوكشوط واتصل على أولئك الأشخاص الذين كان على موعد معهم في مقهى عمارة الخيمة فلم يردوا عليه فذهب إلى مكتبه ليشغل نفسه ولكنه فشل في ان يطرد خيالها من مخيلته واخذ يسأل نفسه: ما الذي يشدني الى هذه المقنعة ؟ إلى هذه الكتلة السوداء؟ هل هو الفضول أم أن أسلوبها المثير قد أثّر بي؟
ما إن وصل صلاح إلى مكتبه حتى بدأ يقوم باتصالاته لترتيب عدة مواعيد لعمله ...وقال إن هذا أفضل له بدل التفكير بسخافة هذه المرأة وسهر في مكتبه لدراسة بعض الملفات إلى أن اقترب الوقت من منتصف الليل فقرر العودة الى منزله ، وما إن انطلق بسيارته حتى فوجىء بالمرأة "صاحبة الخمار الاسود " تشير بيدها له ليتوقف ...دق قلبه بسرعة وأصابه شعور غريب لم يعرفه من قبل ...شعور ممزوج بخوف رهيب من المستقبل ...وسعادة غامرة لرؤيتها ..توقف واقتربت المرأة من السيارة وفتحت الباب ورمت بجسدها الملفوف بالسواد على الكرسي.
وقالت :صلاح ممكن اتوصلني ال ترتلاس؟
صلاح : شنهو؟ الصالحين في الليل !؟
فايزة: انت امالك مذلّك !؟ گايسة صاحبتي.
صلاح: صاحبتك في الصالحين!؟
فايزة : يا خوي ترتلاس اطويلة واعريظة ماهي أللا الصالحين .. احذاها فرگان وحواضر ياسرين.
صلاح : ذاك اصه گولي الشريعة.
فايزة : الشريعة أللا هي ترتلاس .. الكلمتين معناهم واحد .. الشريعة تعني المحاكمة والمقاضاة بالحسانية القديمة وترتلاس تعني نفس الشيء باللغة البربرية اللي كانت مستعملة عند أهل المنطقة.
صلاح: انت امضيعتك الثقافة .. ذا كامل من علمولك؟
فايزة : اتدور تعرف كل شي في الوقت المناسب.
لم يستطع صلاح الرفض بل وجد نفسه يسير في طريق روصو المؤدية إلى مقبرة ترتلاس دون أن يطيل الجدال او يأبه إذا كان عليه العودة الى البيت أوإذا كان أحدهم بانتظاره ...خيم الصمت لدقائق طويلة عليهما كانت كانها سنوات ...لم يتكلم أحدهما وكأن كلا منهما سارح في تفكير عميق.. إلى أن نظر صلاح إلى المرآة التي أمامه فتوقف قلبه .. رأى ذلك المشهد المرعب .. إنه أبشع مشهد يراه في حياته .. سرت قشعريرة من كتفيه وانتشرت على كامل جسمه ...