في منتصف العشرية الأخيرة من القرن الماضي، حدثت أحداث مشابهة في حدودنا مع مالي، أذكر أن ردة الفعل الشعبية عليها كانت عنيفة، وتم خلالها نهب ممتلكات الأبرياء من مواطني البلدين، كما راح ضحيتها عدد من المواطنين.
بالتالي ما يحدث الآن هو شيء سبقت له نماذج مشابهة، وقراءتي أن الأمور ستعود إلى مجاريها الطبيعية بشكل عاجل، إلا في حالة كان لطرف خارجي دور في الموضوع، خاصة أن المنطقة تشهد صراعا قويا بين القوى العالمية، ولكل من الدولتين خياراتها وأولوياتها في هذا الجانب، ولا أستبعد وجود طرف خارجي في بعدين أساسيين:
أولا: وهو الأخطر، ولا أدري هل صناع القرار في موريتانيا فكروا في هذا المعطى أملا؟، خاصة أن قوات فاغنر تنتشر بكثافة على حدودنا.
موريتانيا عبر بوابة "احميم" الذي تشترك فيه مع السنغال ستكون طوق نجاة لحلفائها الغربيين، "المخنوقين" من طرف روسيا في هذا الميدان، وتشير كل المعطيات أن البلد يتوفر على مقدرات هائلة مثل "بير الل"..، إضافة إلى مشاريع الهيدروجين الأخضر، كل هذه المقدرات سيكون المستفيد الأول منها هو المنظومة الغربية، والمتضرر الأول منها روسيا..، لما يشكله قرب موريتانيا لأوروبا، وتحكم هذه الأخيرة في موارد الطاقة فيها، من تهديد لأهم الموارد الاستراتيجية للاقتصاد الروسي، ومن الصعب أن تسكت روسيا على هذا الموضوع دون وجود تفاهمات واضحة حوله، وإلا ستكون السيطرة على موريتانيا هدفا رئيسيا لها، خاصة أن المؤشرات تقول إنها مطمئنة للحكام الجدد في السنغال..، والضغط على سكان المناطق الشرقية في هذه الفترة له تداعياته الانتخابية في موريتانيا..
وفي هذا الجانب تحديدا تشير تجارب الدول التي شهدت تحولا مماثلا إلى لجوئها إلى تطوير قدراتها العسكرية، وبناء جيوش قوية، أو احتضانها لقواعد عسكرية كبيرة للدفاع عنها، ولدى بلادنا مقدرات ذاتية تمكنها من بناء جيش قوي، قادر على حماية المصالح الاستراتيجية للبلاد.
لكن هل انتبه صناع القرار في البلاد لهذه المتطلبات الجديدة..؟
ثانيا: وهو أخف من سابقه، لكن له تداعيته الخطيرة، أن يتم تغذية الأحداث من طرف دول لها وزنها في الإقليم خاصة بعد التقارب الموريتاني الجزائري، والتقارب المالي المغربي..
وإن كان للبعدين دور أو لأحدهما، حينها ستتطور الأحداث بكل تأكيد، وستكون لها تداعيات خطيرة على الشعبين الشقيقين، وستتضرر منها الولايات الشرقية من موريتانيا بشكل كبير، كما سيكون لها تأثير واسع على الشعب المالي، لكنني أعتقد أن توقيتها جاء في وقت يشعر فيه المجلس العسكري الحاكم في مالي أن النظام الجديد في السنغال سيكون بديلا عن موريتانيا..
أسعد الله صباحكم بكل خير أحبتي.
أحمد سالم سيدي عبد الله