كلمة سماحة الخليفة الشيخ محمد الماحي إبراهيم نياس في مؤتمر ( بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية)الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في رحاب مكة المكرمة والذي يشارك فيه أكثر من ٣٠٠ عالم من مختلف أنحاء العالم

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد مصطفى الأكوان وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان.
صاحب الفضيلة والسماحة الدكتور محمد عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين.
أصحاب السماحة والفضيلة العلماء الأجلاء..
أيها الحضور الكريم..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وتحية طيبة من عند الله مباركة، تحية تناسب الزمان والمكان. الزمان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}، والمكان: مكة المكرمة أشرف بقاع الله تبارك وتعالى مع المدينة المنورة في سائر الأكوان. تحية تقدير وإجلال مشفوعة بصالح الدعاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان رعاة هذا المؤتمر العظيم من شرفهم الله تبارك وتعالى لخدمة الحرمين الشريفين، وأقامهم في خدمة عباد الله في هذا البلد الأمين. وفي سائر بقاع المعمورة نصرة لدين الله، وحماية للمقدسات المباركة. أسأل الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وتقدس سره أن يحفظهم بحافظيته الحقة، وأن يديم عزهم وعلاهم، وأن ينصر بهم الإسلام والمسلمين والإيمان والمؤمنين والإحسان والمحسنين.
صاحب السماحة معالي الأمين العام للرابطة
أصحاب الفضيلة العلماء
إن هذا المؤتمر المبارك الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي وتجمع فيه هذا العدد الهام من رواد العمل ومن الشخصيات المؤثرة على واقع أمتنا في عالمنا اليوم، وتسعى فيه الرابطة مشكورة مأجورة إلى تعزيز بناء جسور المحبة والأخوة بين جميع المذاهب لهي فرصة غالية ثمينة لنناقش فيها بنظرة عميقة وتشخيص دقيق واقع أمتنا الإسلامية بل واقع البشرية من المنظور المميز لرابطة العالم الإسلامي. هذه الرابطة التي واكبت تأسيس المملكة العربية السعودية المحروسة بعناية الله بعد قيامها بفترة يسيرة. فكانت نعمة من نعم الله تبارك وتعالى تجمع ولا تفرق، وتستقطب ولا تقصي، وتلم شمل رجال الفكر دون إقصاء ولا تمييز. لذلك استطاعت الرابطة من خلال مؤتمراتها ومنتدياتها ولقاءاتها أن تواصل هذه المسيرة المظفرة لتكون أبرز الهيئات الإسلامية العاملة في العالم للتأثير على صياغة واقعنا وإخراج الأمة من حالة الوهن التي تعيشه متمسكة بمبدإ الوسطية والاعتدال آخذة بزمام العروة الوثقى مؤسسة عملها الدؤوب على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. مستلهمة رؤيتها المستنيرة التي جسدتموها صاحب المعالي في نشاطاتكم المتعددة المؤثرة من خلال الرؤية المستنيرة لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وكانت الرابطة بعون الله وفضله وبمساعدة المملكة العربية السعودية رائدة في مجال العمل الإسلامي الجامع؛ لذلك فإن مئات الملايين من المسلمين يتطلعون اليوم ويتابعون مجريات هذا المؤتمر المبارك الذي اجتمعنا فيه في أيام رمضان وفي جوار البيت الحرام.
معالي الأمين العام
السادة العلماء الاجلاء
نعم جئناكم من إفريقيا لا أقول من السنغال بلدي العزيز الذي كان له دور مميز لنشر رسالة في إفريقيا وفي أصقاع عديدة من العالم. لكن أقول جئناكم من إفريقيا، إفريقيا هذه القارة السمراء، القارة العظيمة التي تتنافس الدول الكبرى في الاهتمام بشأنها بسوقها بمجتمعاتها بمواردها. أتيناكم من إفريقيا نحمل إليكم تحية الود والمحبة والاحترام والسلام. حيث كان والدي المنعم شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم عضوا مؤسسا في رابطة العالم الإسلامي، وكان نائب رئيسها محفوفا بالعناية والإجلال والتكريم من خدام الحرمين الشريفين من عهد المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وإلى عهد المغفور له الملك فيصل طيب الله ثراه. وكانت رؤية الشيخ ابراهيم تتطابق تماما مع رؤية رابطة العالم الاسلامي حيث كان -باستمرار وبجدية منقطعة النظير يشهد لها القاصي والداني- يتابع الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وترك بصماته المباركة العظيمة لنشر الإسلام وفي دخول عشرات الملايين إلى دين الله الحنيف رباهم على محبة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حسن اتباعه. وهو القائل:
لقنت آلافا ولن تعدّا *** كلمة التوحيد فاتوا الحدّا
وهو القائل:
والامة قصدي فيهم أن أسوقهم *** إلى حضرة البر الرحيم إلهنا.
وكانت رؤيته الشيخ إبراهيم مؤسس الاتحاد الإسلامي الإفريقي تتقاطع تماما مع ما تسعون إليه في رابطة العالم الإسلامي من جمع الكلمة ولم الشمل والتقارب بين المذاهب واحترام كل المسلمين مهما كانت توجهاتهم ومنطلقاتهم وآراؤهم داعيا بسمته وحكمته إلى التقارب والتودد والتفاهم والتعاضد بين المدارس الاسلامية على تنوعها، وحتى ساعيا كذلك إلى الحوار الفاعل البناء كما هو اهتمام رابطتنا رابطة العالم الاسلامي الحوار الفاعل البناء مع غير المسلمين وكان يشارك بذلك في قمة رؤساء دول عدم الانحياز ومطالبا بمكانة إفريقيا والعناية والاهتمام بها كما نطالب نحن اليوم بذلك من خلال مؤتمرنا هذا والذي أريد أن أشير إليه وأؤكده أننا ملتزمون بإذن الله في مناهجنا التربوية والدعوية بما يدعو إليه مؤتمرنا هذا وما تسعى إليه رابطة العالم الإسلامي. وهو ما قاله المولى سبحانه وتعالى حيث يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، ويقول جل من قائل: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} هنالك ثوابت لابد من ترجمتها على أرض واقع أمتنا اليوم وهي بحاجة ماسة إليها:
أولا: توحيد الصف بين العلماء المفكرين والممثلين انطلاقا من القاعدة المعروفة عند الائمة رضوان الله عليهم "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" مما يقتضي سعة الصدر وتقبل الرأي والرأي الآخر في حدود الثوابت الشرعية وعدم التحجر انطلاقا من القاعدة: والأصل في التضييق ضيق الباع وقلة العلم والاطلاع.
ثانيا: تطبيق قاعدة حسن الظن بالله وبعباد الله في مناهجنا الدعوية والتربوية والتوجيهية والإعلامية والابتعاد عن الظواهر المنتشرة في بعض الأحيان والتي تحتكر الحق والصواب على أصحاب هذه الفتاوى اعتقلوا هذه الظواهر التي أدت الى استعمال مصطلحات التكفير والتجهيل والتبديع وتبني بذلك حواجز وهمية لكنها خطيرة. بين صفوف المسلمين.
ثالثا: حسن التعامل بين الفاعلين والممثلين على مستوى الأمة الإسلامية مع الواقع المتطور في العالم أجمع ومعالجة ظاهرة العولمة بما تقتضيه من حكمة ومرونة وانفتاح والسعي إلى بناء جسور قوية على المستوى الداخلي وبناء جسور أخوة مبنية على الاحترام المتبادل مع المكونات والحضارات البشرية الأخرى ساعين بذلك إلى تكريس الدور الريادي لأمتنا الإسلامية على مستوى العالم أجمع بالحكمة والموعظة الحسنة وحسن تطبيق الأمر الرباني (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ولقد قطعت رابطة العالم الإسلامي بقيادتكم يا معالي الأمين العام أشواطا مهمة في هذا الباب تستحق الإشادة والتقدير وما زلنا بحاجة كبيرة إلى تحسين صورة الإسلام ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في أنحاء كثيرة من العالم ودفع الشبهات التي يروج لها الإعلام الغربي المشبوه حول ثوابت وقيم ديننا الحنيف و إظهار طابع الرحمة الذي تعبر عنه الآية الخالدة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ليعرف كل إنسان على مستوى البسيطة أن الإسلام دين رحمة وسلام. وأن الإسلام هو الطريق الوحيد الأمثل لإنقاذ البشرية من كل ما تتخبط فيه من فتن ومحن، وأن القيم الأخلاقية في ديننا هي القيم الجامعة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون أول ميثاق شرف جامع والدستور الخالد للتعامل بين بني البشر لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقوله جل من قائل: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وقوله: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله تعالى في حق النفس البشرية (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
وفي ختام هذه الكلمة أتوجه بجزيل الشكر والعرفان إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان وإليكم معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وإلى أعوانكم في الرابطة على حسن الاستقبال وكرم الضيافة وما حظينا به خلال إقامتنا في مكة المكرمة من اهتمام وتكريم وأتمنى لمؤتمرنا هذا النجاح والتوفيق وبلوغ الأهداف الطموحة التي تسعى إليها الرابطة سائلا الله سبحانه وتعالى أن ينصر المجاهدين في فلسطين في غزة الصامدة ويعجل بتحرير القدس الشريف وأن يعيننا جميعا على مستوى كل بلدان العالم الإسلامي لمؤازرتهم والوقوف معهم والضغط على كل الجهات لإيقاف هذه الحرب العدوانية المدمرة على أبناء غزة وعلى فلسطين الحبيبة والله سبحانه وتعالى نسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يسدد خطانا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته