ما لا نريده من التلفزيون الرسمي.. قصص من الواقع
قبل أسابيع سألني أحدهم ما هي فائدة قناة الموريتانية قلت له: تشغيل ألف عامل! صحيح أنهم لم يكتتبوا بطريقة شفافة ولا نزيهة وأن أغلب من اكتتب منهم عبر مسابقة غادر القناة تحت ضغط إكراهات واقعها.
كانت الإجابة كافية ليفهم صاحبي أن لا علاقة للموريتانية بالرسالة التي يفترض أنها وجدت من أجلها، من وجهة نظري، فالتشغيل على أهميته في بلد تنهشه البطالة لا علاقة له برسالة القناة ولا يتصور أن يتمثل إنجاز قناة إعلامية في تشغيل أعداد تفوق طاقتها المالية والإدارية.
القصة الثانية أرويها عن الأستاذ الرئيس الحسين مدو، فقد حدثنا أيام كنت عضوا في المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين عن قصة طريفة حصلت له مع سائق تاكسي سأله، كأستاذ إعلام مهتم بأثر وسائل الإعلام، إن كان يتابع التلفزة الموريتانية فرد عليه سائق التاكسي: تلك تلفزة أهل تفرغ زينة في الليل{نشرة الثامنة} تنقل صورهم وأخبارهم وفي النهار تسلي أطفالهم (في إشارة لبرامج اطفال كانت القناة تبثها حينذاك).
قبل فترة، تناقلت وسائل الإعلام المحلية نبأ وفاة منقبين في حادثة انهيار بئر للتنقيب عن الذهب. تجاهل التلفزيون الرسمي الخبر واستمر في تجاهله إلى أن تمكنت فرق الإنقاذ من الوصول إلى منقب كان قد نجا من الحادث بأعجوبة فتم نقله للمستشفى العسكري وزاره رئيس الجمهورية، حينهاوحينها فقط تمت تغطية الخبر لكن من زاوية زيارة الرئيس للناجي الوحيد مع الإشارة في نهاية الخبر للحادثة التي تسببت في وفاة ستة مواطنين. سألت حينها أحد الزملاء المهنيين فقال لي: هذا معروف، التلفزيون عندنا يرتب الأخبار حسب الترتيب البروتوكولي وليس حسب القيمة الإعلامية.
بقدر ما تشير الملاحظة الأولى إلى انحراف الموريتانية عن رسالتها الإعلامية، فإن الاخيرتين تنبهان إلى بعد المحتوى المقدم عن هموم المواطنين واهتماماتهم.
والحقيقة أن كل هذا الوضع ربما يعود بالدرجة الأولى إلى ما سماه أحدهم “مقاربة المشاهد الأوحد” حيث يحكى أن أحد الذين تولوا إدارة التلفزيون الرسمي أيام ولد الطايع قال ذات جلسة مع طاقم الأخبار بالقناة إن كل ما يهمه في المحتوى أن يلبي رغبات مشاهد أوحد هو الرئيس ولد الطائع.
والواقع أن هذه الرؤية هي منبع كل مشاكل التلفزيون الرسمي، فكل الاهتمام منصب على تلبية رغبات مفترضة عند مشاهد أوحد يمثل رضاه الضمان الوحيد لاستمرارية المدير (أو المديرة) الذي غالبا ما يفوت عليه أن هذا المشاهد يريد مؤسسة ناجحة تجذب جمهورا واسعا وتقدم رسالة مؤثرة.
حين يشغل التلفزيون الأكفاء، ويوفر لهم الوسائل الضرورية لأداء رسالتهم، ويهتم فعلا بالخدمة العمومية التي تعني جميع المواطنين، وينشغل برضى المواطن، ويرتب أخباره على أساس الأهمية المهنية، سيحقق ما نريده من تلفزيون تسمى باسمنا جميعا وأنفق عليه من أموال البلد.
من صفحة
الهيبة الشيخ سيداتى