ولد صدام حسين يوم 28/نيسان/1937 في قرية “العوجة” التابعة للمحافظة التي أنجبت صلاح الدين الأيوبى الذى حرر مدينة القدس من الصليبين سنة 1187م. وأنقذ مصر من دولة الفاطميين .
وقد انضم صدام حسين الى صفوف حزب البعث العربي الإشتراكى بعد أشهر قليلة من العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 في مناخ وطنى وقومى حار وملتهب .
وبعد أن انحرفت ثورة 14 تموز 1958 عن مسارها وانتصبت المشانق فى ساحة “أم الطبول” وغصت السجون بالمناضلين ومن بينهم صدام الذى قضى فى السجن ستة أشهر، كلف الحزب مجموعة من الرفاق من ضمنهم صدام حسين بضرب عبد الكريم قاسم ، وتم تنفيذ المهمة يوم07/10/1959 .
وأسفرت النتائج عن جرح قاسم وإصابة اثنين من المهاجمين من بينهم صدام الذى ستقرت رصاصة فى رجله ولم يستطع أن يذهب بها إلى المستشفى ، وبدلا من ذلك قررالهرب بعد أن أخبره مسؤوله الحزبى أن رفاقه الذين اشتركوا معه فى العملية تم القبض عليهم ، عند ذلك اتجه الى أحد الحقول واشترى فرسا وكان يسير فى الليل ويختفى فى النهار، وعندما وصل الى نهر دجلة لم يجد بدا من عبوره سباحة نظرا لأنه لم يجد أي عبارة تنقله الى الضفة الأخرى لأن العبور ممنوع في اليل في تلك الفترة .
بعد ذلك التحق صدام بمجموعة من رفاقه وظل مختفيا معهم حتى قام الحزب بتهريبهم إلى سوريا ، ومن ثم توجه إلى مصرالتي عاش فيها ما يزيد على ثلاث سنوات أكمل فيها الثانوية ، والتحق بكلية الحقوق ،وواصل نضاله الحزبي من موقعه كعضو قيادة في اللجنة التي تشرف على التنظيمات الحزبية في شمال إفريقيا وقطاع غزة ومصر والسودان.
وعندما قامت ثورة 8/شباط/ 1963 عاد إلى العراق وألحقه الحزب عضوا في مكتب الفلاحين المركزي وظل يعمل فيه حتى وقع انقلاب عبد السلام عارف 18/11 /1963 .
وفي هذه الفترة حدثت انشقاقات حزبية خطيرة داخل الحزب في العراق وقد تصدى لها صدام بقوة وشجاعة ، فقد توجه إلى دمشق والتقى بمؤسس الحزب ميشيل عفلق وعاد إ لى بغداد يحمل معه وسائل الطباعة الضرورية ، وسعى لتشكيل نواة قيادية مؤقتة إلى أن جاء قرار القيادة القومية بتعيين قيادة قطرية جديدة في العراق من ضمنها صدام حسين الذي أسندت له مسؤوليات المكتب العسكري .
وعاد الأمل بقيام عمل ثوري ضد نظام عبد السلام عارف ، وتحددت ساعة الصفر، لكن فجأة اكتشفت الخطة يوم 5/9/1964 ، وتم اعتقال جميع أعضاء القيادة ومعظم كوادر الحزب .
وقد استطاع صدام أن يقوم بتهريب كافة أعضاء المكتب العسكري من السجن قبل أن يتمكن هو من الهرب ، وظل يناضل داخل العراق هو ورفاقه إلى أن قاموا بثورة 17/تموز/1968 التي كان صدام حسين من أبرزالمخططين والمنفذين لها والساهرين على مسارها ، سواء في الفترة التي كان فيها نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ، أوفي الفترة التي أصبح فيها رئيسا لجمهورية العراق في 17/تموز/1979 ، وذلك وفق ما ذكره أمير اسكندر في كتابه :”صدام حسين مناضلا ومفكرا وإنسانا” .
وبعد أن تسلم حزب البعث السلطة في العراق ركز صدام حسين على تحقيق الاستقرار في وطن مزقته الصراعات ، وقام بتعزيز الاقتصاد العراقي وتطوير برامج التنمية. وأمم شركة النفط الوطنية ، ونقل العراق الى مصاف الدول المتقدمة ، وقضى على الامية كليا في العراق ، وفقا لتقارير الامم المتحدة ، كما أنشأ واحدة من أحدث أنظمة الرعاية الصحية في المنطقة وكان ذلك سبباً لمنحه جائزة من منظمة اليونسكو.
وقد وضع صدام حسين مواهبه وقدرات العراق في خدمة الأمة العربية ، فكان حريصا على حزب البعث الذي أصبح هو أمينه العام بعد رحيل الأمين العام السابق الأستاذ ميشيل عفلق الذي وصف صدام حسين ذات مرة بأنه “هدية البعث للعراق وهدية العراق إلى الأمة ” .
غير أن القوة العسكرية التي بناها صدام للعراق أرقت كافة الأعداء ، وخاصة العدو الصهيوني ‘وتم اعتبارها إخلالا بالتوازنات الإستراتيجية ، لذلك أصبح القضاء على صدام والتخلص من نظامه من أهم أولويات أمريكا والمتعاونين معها في المنطقة ،كما يقول سعد البزاز في كتابه “حرب تلد أخرى التاريخ السري لحرب الخليج” .
ففي سنة 1980شنت إيران الحرب على العراق لمدة ثماني سنوات من أجل الإطاحة بنظام صدام ومن ثم تصديرالثورة ، ومع ذلك انتصر العراق رغم فضيحة “إيران غيت”.
وبما أن العراق خرج من هذه الحرب وهو يتمتع بكل أسباب القوة بما في ذلك التفوق في الصناعات العسكرية التي كادت أن تخرج العراق من دائرة العالم الثالث ، فقد استخدمت أمريكا كافة الضغوط الإقتصادية بواسطة حلفائها في المنطقة ، وإثر ذلك دخلت القوات العراقية الكويت في 2 أغسطس 1990. كما هو موضح في كتاب “الخليج بيننا قطرة نفط بقطرة دم ” لمؤلفه حمدان حمدان .
غير أن الأمريكيين وحلفائهم تجاوزوا المتطلبات السابقة
وشنوا عدوانا على العراق فجر 17 /يناير/1991 ، وكانت أول مجموعة من صواريخ اكروز مبرمجة لضرب مركز القيادة ، وذلك تنفيذا لخطة اسمها الرمزي “الخلاص من صدام ” وفق ما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه “حرب الخليج أوهام القوة والنصر” .
وفي هذه الأثناء انتزعت أمريكا من مجلس الأمن عدة قرارات عقابية ضد العراق ، وكان من أكثرها خطورة القرار661 الصادر بتاريخ 6/8/1990 الذي يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على العراق ، والقرار687 الصادر بتريخ 3/4/1990 ، الذي تم بموجبه إنشاء اللجنة المكلفة بتدمير ومراقبة أسلحة التدمير الشامل العراقية ، وهو أطول وأقسى قرار يصدر عن مجلس الأمن ، كما يقول د.حسن نافعه في كتابه “الأمم المتحدة في نصف قرن ” .
ومع أن هذه القرارات كانت جائرة ، فقد استغلتها الولايات المتحدة لإطالة أمد الحصارعلى العراق ، وبعد ذلك استخدمتها كذريعة للعدوان عليه ، ففي سبتمبر 2002 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن نظام صدام يشكل تهديداً مباشراً للأمن العالمي . بسبب تحديه السافر لقرارات مجلس الأمن التي تقضي بإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية .
ففي صبيحة 20 مارس2003 بدأ العدوان الأمريكي على العراق، و بعد ذلك سقطت بغداد في 9 ابريل من نفس السنة ، وظل صدام حسين ملاحقاً من القوات الغازية التي قتلت أبناءه الثلاثة :عدي وقصي ومصطفى ، في الموصل 22 يوليو 2003 ‘ بعد أن تصدوا للمعتدين ببسالة قل نظيرها.
وفي 14 ديسمبر من العام نفسه تم أسر الرئيس صدام حسين من طرف الآمريكيين ، وطلبوا منه أن يوقف المقاومة لكنه امتنع وظل يحرض المومنين على القتال ، إلى أن حكموا عليه بالإعدام ،وقاموا بقتله شهيدا فجر يوم عيد الأضحى 30/12/2006.
وقد استنكر المراقبون هذا الاستعجال بتنفيذ حكم الإعدام ، وفي لحظة التنفيذ لم يظهر على البطل صدام حسين اي خوف أو توتر ، و كان آخر كلامه : الشهادتين .
ودفن الشهيد صدام بمسقط رأسه بالعوجة حيث قام الآمريكان بتسليم جثمانه لعشيرته. وأقام ذووه مجالس العزاء .
غيرأن رحيل الشهيد صدام حسين لم يؤد مطلقا إلى وقف المقاومة العراقية التي كبدت القوات الآمريكية خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات والإقتصاد ، وهو ما أجبر الولايات المتحدة على الإنسحاب من العراق .
ـ دور صدام حسين في حماية الثغور العربية :
ـ لقد وقف صدام حسين في وجه الأطماع الإيرانية في منطقة الخليج والجزيرة العربية والعراق والشام’ حيث اشتبك مع إيران في حرب طاحنة لمدة ثماني سنوات ، وكان من نتائج هذه الحرب أن انتصر العراق ، بعد أن أعلن ” الخميني” في يوم 18/ 07/1988 أنه يأمر القوات الإيرانية بوقف إطلاق النار (شاعرا أنه يتجرع كأسا من السم ) .
لأن عراق صدام حسين شكل عملياً جدارا قوياً في طريق المد الصفوي الإيراني وتصدير الثورة إلى دول المنطقة .
ـ وقبل ذلك في حرب 1973 ضد الكيان الصهيوني قاتل الجيش العراقي – الذي يشرف عليه صدام حسين شخصيا – في الجبهتين المصرية والسورية واستطاع أن ينقذ دمشق من السقوط بيد جيش الكيان الصهيوني، وذلك بعد أن تراجع الجيش السوري من الجولان، على إثر الهجوم “الإسرائيلي” المضاد.
– وخلال حرب الخليج الثانية دكت صواريخ العراق أوكار العدو الصهيوني ، و بذلك يكون صدام حسين أول من ضرب هذا الكيان بالصواريخ .
إلا أن ما قدمه صدام حسين للقضية الفلسطينية لايمكن حصره ، حيث كتب موقع الجزيرة نت بتاريخ 5/1/2007 ان الفلسطينين وخاصة ذوي الشهداء والمتضررين من الاحتلال الإسرائيلي يسجلون للرئيس العراقي الراحل صدام حسين مواقفه الداعمة لهم ولوطنهم ضد الاحتلال سواء من حيث الموقف المبدئي، أو الدعم المالي المباشر والمستمر حتى يوم سقوط بغداد في التاسع من أبريل/نيسان2003.
ـ كذلك حينما سيطر المتمردون عام 1985 على أجزاء واسعة من السودان، وكادت قوات جون قرنق أن تدق أبواب الخرطوم، عند ذلك أسرعت حكومة الصادق المهدي، بإرسال الوفود إلى العواصم العربية ، تنذرهم بالخطر القادم، وتستجدي منهم المساعدة ، فلم يتجاوب معها أحد.
وأخيرا توجه الوفد نحو بغداد فاستقبلهم صدام حسين بكل حفاوة ، ووفر لهم كافة الأسلحة التي كانوا يريدونها وفوقها دعم مادي، وبذلك استطاع الجيش السوداني كبح جماح المتمردين .
ـ أما في موريتانيا فلا زال الكثير منا يتذكرتلك المواقف النبيلة التى اتخذها صدام حسين والمتمثلة في التصدي بقوة لأطماع السنغال في بلادنا ‘والوقوف بحزم مع موريتانيا خلال أزمتها الحادة مع السنغال سنة 1989 ‘ إلى أن أصبحت بلادنا من أقوى دول غرب إفريقيا عسكريا ، كما أكد ذلك عبد جوف الرئيس السنغالي السابق في مذكراته حيث يقول : (سعيت دائما إلى تجنب الحرب مع موريتانيا في تلك الحقبة، كما أن الحرب لم تكن ملائمة للسنغال، لقد كانت القوات المسلحة الموريتانية أفضل تسليحا من السنغالية.
لقد زود صدام حسين موريتانيا بصواريخ قادرة على تدمير سينلوي وداكار وكانت ستطلق عندما تتحرك السنغال؛ وقد نقل معلومات الدعم العراقي لموريتانيا السفير ماصمبا ساري نقلا عن سفير العراق في باريس.
هذا الأخير قال في لقاء في العاصمة الفرنسية باريس إنه يأسف لما وصلت إليه العلاقات بين البلدين الشقيقين، لكنه أردف أنه في حالة وصول الموقف إلى حرب فإن العراق ستقف في صف موريتانيا، وبرر ذلك بكون موريتانيا تشكل جزءا من الأمة العربية ).
لهذا فمن الوفاء لصدام حسين في ذكرى استشهاده أن يعبر كل موريتاني شريف عن امتنانه للدور الذي لعبه الشهيد صدام حسين في الدفاع عن موريتانيا في سنة 1989، فضلا عن ما قدمه لوطننا في مجالات الصحة والتعليم ، والإعلام والكهرباء ، مع ما أسداه للأمة العربية من إنجازات كبرى .
الأستاذ باباه ولد التراد. كاتب موريتاني