يشهد العالم في الوقت الراهن تحولات عميقة ومتسارعة؛ بفعل تداعيات وباء كورونا والحرب الروسية الاوكرانية والصراع في الشرق الأوسط بالإضافة إلى تأثيرات أزمة المناخ؛ الذي سيقود العالم إلى تسريع وتيرة التحول الطاقوي؛ بالإضافة إلى ما سيفرضه الذكاء الصناعي على مسار التطور البشري من تفاعلات وتداعيات؛ كلها عوامل ستجلب معها تحديات كبيرة على كل بلدان العالم وخاصة منها الدول الأكثر هشاشة؛ وبالذات الدول التي تفتقر إلى ما صار يعرف باقتصاديات الحياة؛ ومن المعروف بداهة أن دول مجموعة الساحل الخمسة المنحلة؛ تعتبر من بين دول العالم الأكثر هشاشة؛ كما أنها أصبحت موطنا لاقتصاد الجريمة المنظمة.
مما يعني أنها ستضرر أكثر من تفكك تجمعها الإقليمي؛ الذي شكل منذ تأسيسه أداة فعالة للتنسيق الأمني بين دولها ومحاورا مقبولا مع الشركاء الدوليين للتنمية؛ وعليه فإن انهيارها؛ سيضعف كل أعضاء المجموعة؛ كما سيحد من تأثيرها إقليميا ودوليا؛ لكن خسارة موريتانيا ستكون مضاعفة؛ لأنها لم تخسر فقط التنسيق الأمني مع الشركاء الإقليميين ودعم تمويل مشاريع التنمية من هؤلاء الشركاء؛ وإنما تكمن خسارة موريتانيا في فقدانها الوزن الإقليمي والدولي؛ التي حظيت به من خلال المجموعة؛ بوصفها المبادرة بتأسيسها أصلا وباعتبارها كذلك هي المحاور الأول باسمها؛ لما تتمتع به موريتانيا من استقرار نسبي ونجاحها في مكافحة الإرهاب.
ورغم الخسارة التي ستتكبدها موريتانيا بتفكك مجموعة دول الساحل الخمسة؛ فإنها تمتلك من المقومات والمزايا ما سيمكنها من التموقع الإستراتيجي؛ إقليميا ودوليا؛ إذا أحسنت استغلال تلك الأفضليات والمزايا الاستراتيجية؛ التي تتمتع بها؛ وذلك من خلال العمل على :
1- الوعي بأهمية الموقع الإستراتيجي لموريتانيا؛ والعمل على توظيفه بشكل صحيح؛ فموريتانيا تشكل جسرا حضاريا بين شمال إفريقيا وغربها وبوابة إفريقيا جنوب الصحراء على شمال إفريقيا وأوروبا؛ كما أنها تمتلك شاطئا طويلا على المحيط الأطلسي قبالة شواطيء الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما يجعل موريتانيا تمتلك موقعا استراتيجيا؛ إذا تم استغلاله وتوظيفه بشكل صحيح.
2- الحرص على بناء علاقات متوازنة مع الأطراف الدولية المتنافسة على المنطقة؛ فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى؛ بالإضافة إلى كل من تركيا وايران وكل القوى الدولية الصاعدة بما فيها الهند والبرازيل وإندونيسيا……
3- العمل خلال السنوات القادمة على توسيع الحضور الدبلوماسي؛ لموريتانيا في الدول الصاعدة كالهند والارجنتين وكوريا الجنوبية وماليزيا وأستراليا والباكستان وبانكلدش…..
4- الوعي بأهمية ما تمتلكه موريتانيا من ثروات المستقبل؛ كالرياح والشمس والمياه والرمال؛ باعتبارها؛ هي ثروات المستقبل؛ لأنها سيعتمد عليها التحول الطاقوي؛ الذي سيكون هو المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي خلال العقود القادمة؛ واستغلال هذه الثروات وتوظيفها بشكل صحيح؛ سيضمن لموريتانيا في المستقبل التموقع استراتيجيا بوصفها دولة يحتاجها الجميع.
5- العمل مع “التحالف من أجل الساحل” وكل شركاء التنمية الدوليين على تأسيس (صندوق لتنمية منطقة الساحل)؛ يكون مقره بنواكشوط يحل محل الأمانة العامة لمجموعة دول الساحل الخمسة؛ لما يشكله تفاقم مشاكل منطقة الساحل من مخاطر على موريتانيا بشكل خاص؛ وعلى كل المجتمع الدولي بشكل عام؛ باعتبار أن مشكلة منطقة الساحل الإفريقي بالأساس مشكل تنموي.
6- العمل على تأسيس (مؤسسة علمية لليقظة الإستراتيجية)؛ في شكل مركز أو معهد للدراسات، مختص في دراسة منطقة الساحل الإفريقي؛ تكون مهمته تشخيص وتحليل أوضاع المنطقة واستشراف مآلاتها؛ وتقديم الاستشارات الضرورية للحكومة الموريتانية ولكل الجهات المهتمة بالمنطقة.
في الخلاصة؛ موريتانيا تمتلك الأفضلية في الكثير من المجلات
كما تتوفر العديد من المقومات والمزايا مقارنة بالكثير من دول العالم؛ لكن الاستفادة من تلك الأفضليات والمزايا؛ يحتاج إلى الوعي بها والإرادة لإستغلالها وتوظيفها بما يخدم مصالح موريتانيا وشعبها؛ وأكثر من ذلك يضمن لها تموقعا إستراتيجيا على خريطة العالم؛ التي هي قيد التشكل