العلامة المفكر د.إبراهيم بو خزام الحسناوي… كما عرفته

التقيت عن بُعد مع العلامة المفكر الكبير الدكتور إبراهيم أبو خزام الحسناوي ، رحمه الله تعالي ، عن طريق كتابه الوسيط في القانون الدستوري ، و أنا على مقاعد الدراسة في جامعة نواكشوط في تسعينيات القرن الماضي، و شاءت الإرادة الإلهية أن تدبّر لي بالصدفة بعد ذلك (و تحديدا في دوجمبر 2006 ) لقاء حواريا مباشرا معه وجها لوجه ضمن حوار العدد الذي كانت تنظمه و تنشره مجلة دراسات الليبية برئاسة تحرير الأخ الدكتور موسى الأشخم ، و يشارك فيه أصحاب النظر و الرأي من بُحّاث و أساتذة جامعات ، وكان موضوع الحوار عن الديمقراطية و الإصلاح السياسي ، و قد كان حوارا شيقا استفدت منه بشكل كبير و أتاح لي عصفا ذهنيا رائعا مع قامات فكرية و معرفية من أمثال الدكتور إبراهيم بوحزام الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لجامعة ناصر الأممية في سوق الأحد عند مدخل مدينة ترهونة الغربي( حوالي 60 كلم جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس).
و كانت جلسة الاستراحة في مكتب رئيس التحرير فرصة ذهبية للتعارف التقليدي الذي تولاه مشكورا د. موسي ، الذي قدمني بصفتي أستاذا في كلية الاقتصاد و التجارة بجامعة المرقب بمدينة الخمس، ومن الساحة الموريتانية، و في ذلك اللقاء قال لي الدكتور بوخزام : هل تعلم أنني – بحكم مسؤولياتي التنفيذية و التربوية و الدبلوماسية - تمكنت من زيارة أغلب الدول العربية باستثناء موريتانيا ، مع شوقي الكبير لزيارتها في إطار فكري و ثقافي ، فاعتبرت ذلك توجيها منه لي لترتيب أمر الزيارة !!
و تبادلنا بطاقات التعارف بعد انتهاء اللقاء الحواري ، و من أجل تلبية طلب الدكتور بوخزام أجريت اتصالات مع أخي و زميلي الأستاذ محمد سالم الداه مدير المركز العربي الإفريقي للإعلام و التنمية فوافق مشكورا على توجيه دعوة زيارة للدكتور إبراهيم بوخزام لإلقاء محاضرات و عمل لقاءات نوعية في موريتانيا ، وكانت مفاجأة له حين هاتفته لأطلب منه رقم فاكس لأحول له عليه الدعوة للزيارة ، حيث حرص على أن أرافقه فيها إلى نواكشوط ونفذت الزيارة فعلا في شهر فبراير 2007 ، و خلال الزيارة ألقى الدكتور محاضرة قيمة في مدرج المعرفة في جامعة نواكشوط ، وكانت منقولة على الهواء مباشرة على القنوات المرئية، و غصت القاعة بالأساتذة و الطلاب ، كما التقي مع رئيس جامعة نواكشوط د. محمد خباز و عمداء الكليات و وقع على اتفاقية تعاون بين جامعة نواكشوط و جامعة ناصر الأممية ، و وقّع ، أيضا اتفاقية أخرى للتعاون الثنائيمع المركز العربي الإفريقي ، و كان من ثمار تلك الاتفاقية إقامة ندوة علمية مشتركة في نواكشوط في أغسطس من نفس العام ، شارك فيها مفكرون مشهورون و أساتذة كبار من الوطن العربي و إفريقيا ، منهم د. خير الدين حسيب ، و د. سمير أمين ، و د. رجب بودبوس ..الخ ، و تم على هامشها إقامة معرض كبير للكتاب على حساب جامعة ناصر ، وتم توزيع محتوياته مجانا على الحضور و المشاركين في نهاية أيام الندوة ..و كان الدكتور بوخزام ضمن الوفد رفيع المستوى من المفكرين الذين استقبلهم رئيس الوزراء آنئذ د. الزين ولد زيدان .
و بفضل الإتفاقية المذكورة قامت جامعة ناصر بتقديم منح دراسية سنوية مجانية لمجموعة من الطلاب الموريتانيين ممن يرشحهم المركز العربي ، و هي المنح التي تمكن من خلالها عشرات الطلاب الموريتانيين من إكمال دراساتهم الجامعية و العليا في الجامعات و المعاهد الليبية ، و تخرج منهم كوادر و أطر من مختلف التخصصات الإنسانية و التجريبية .
وتعززت صلتي بالدكتور بوخزام بعد ذلك أكثر ، و هو يستقبل بعض الشخصيات الفكرية و السياسية و الثقافية الموريتانية ضمن الدورة السنوية في عام 2008 من المائدة المستديرة للأساتذة العرب ، و منهم الأساتذة أحمد الوافي ، و محمد يحظيه بريد الليل ، و قد خصهما بلقاء حصري حضرته في جناحه بالفندق الكبير إلى جانبهما ، حيث طلب الدكتور بوخزام من الأستاذ أحمد الوافي الموافقة على قراءة كلمة الأساتذة المشاركين في المائدة المستديرة.
و ظلت علاقتي بالقامة العلمية د. بوخزام تتعزز أكثر فأكثر و تتجذر و تتعمق حتى باتت دائمة ، حيث يوافيني من حين لآخر بكتبه و إصداراته و مقالاته التحليلية ، و يطلب رأيي فيها ، وكان آخرها كتابه القيم عن " شروط الديمقراطية " الصادر في نهاية عام 2022 م ، الذي أرسله إلي ألكترونيا فور صدوره من مكتبة الوحدة و نوهت بأهميته في موقعي الشخصي على الانترنت في حينه!
كما أنه كان يتصل بي من وقت لآخر وينبهني أنه يتابع نشاطاتنا العلمية و التربوية في الجامعة و يشجعنا معنويا بضرورة الاستمرار إلى الأمام ، و كنا بصدد ترتيب زيارة ثانية له إلى بلده الثاني موريتانيا ، و كان سعيدا بذلك ، غير أن القدر كان أسرع منا إليه، حيث فاضت روحه إلى بارئها يوم الخميس 30 نوفمبر 2023 م ، رحمه الله و أحسن إليه .
و نشهد للراحل الكبير بالطيبة و حلو المعشر و حسن المعاملة و التواضع الجم فهو ممن يألف و يؤلف..
كامل العزاء للأشقاء في ليبيا برحيله ، رغم أن عمله لم يرحل و لم ينقطع ، بل إنه مستمر بعلم بثه في صدور الرجال ، و مؤلفاته العديدة و المتنوعة و آراؤه المدرجة فيها موجودة و نابضة بالحياة و تنير درب الأجيال في الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج.

د.أحمدا نافع عميد كلية الشريعة بجامعة العلوم الإسلامية بالعيون