بمناسبة تصريح رئيس الجمهورية السابق السيد/ محمد ولد عبد العزيز اليوم أمام المحكمة عن مصدر أمواله أعيد نشر مقال نشره موقع الأخبار في مايو 2015، تحت عنوان:
إشكالات مداولة التصريح بالممتلكات بين رئيس الجمهورية وكبير القضاة
(تاريخ الإضافة في موقع الأخبار: الإثنين, 11 أيار 2015 14:23).
أفاد السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، في مؤتمرصحفي موثق بالصوت والصورة، عقد بالقصر الرئاسي في انواكشوط بتاريخ 5 مايو 2015، بأنه إثر نجاحه لمأمورية ثانية، استفتى رئيس المحكمة العليا الحالي بخصوص التصريح بممتلكاته(رئيس الجمهورية)،
وأن القاضي أفتاه بعدم لزوم تجديد التصريح وأصر رئيس الجمهورية على ذلك وأبدى استعداده الضمني للمواجهة عندما ذكر متابعة رئيس المحكمة العليالإفادته عبر الشاشة الصغيرة.
وإثر"الكلمة البلقاء" قادني الفضول إلى مطالعة القانون رقم 054-2007، الصادر بتاريخ18 شتنبر 2007، المتعلق بالشفافية المالية في الحياة العمومية والمرسوم رقم 207-2007 الصادر بتاريخ 18 شتنبر 2007 المحدد لتنظيم وسير لجنة الشفافية المالية في الحياة العمومية وراجعت النصوص الإجرائية العامة المتعلقة باستشارة الحكومة للمحكمة العليا المضمنة في القانون رقم 012/2007 بتاريخ 8 فبراير 2007 المتضمن للتنظيم القضائي.وخلصت إلى أن التصريح يطرح إشكالاتقانونية متعلقة بالشكل وأخرى بالموضوع،ارتأيت من المناسبأن أستنتج منها خلاصة أتقاسمها في الومضات التالية مع من يهمهم الأمر.
أولا/ فيما يتعلق بالشكل:
طبقا للمنهجية القانونية يتعين الوقوف عند الشكل قبل تناول الأصل، وبناء عليه تبلورت لدي الملاحظات الشكلية التالية:
1.أنه يتعين على رئيس الجمهورية أن يعتمد على آلية استشارة خاصة ترشده في المسائل الفنية التي لا تفترض إحاطته بها وليس من اللائق أن يلجأ لاستشارة شفوية خارجية ولا أن يتداول مع رئيس المحكمة العليا بهذا الخصوص لأن كبير القضاة - بحكم طبيعة مسؤولياته وأخذ الدولة بمبدأ فصل السلطات - ليس مستشارا ولا عونا لرئيس الجمهورية فهو رأس السلطة القضائية ويجسد استقلالية أعضائها.
2.أن إفتاء رئيس المحكمة العليا، بناء على طلب أي كان، غير وارد شكلا لاحتمال تعارضه مع الأيمان التي أداها السيد يحفظ وولد محمد يوسف مرتين أمام رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز نفسه:مرة، يوم 28 مايو 2012،عندما أقسم بصفته رئيسا للمحكمة العليا ".. أن لا يدلي برأي خاص حول القضايا التي تدخل في اختصاص المحاكم..". تطبيقا لمبدأ شرعي عام يقضي بعدم جواز إفتاء القاضي في المسائل النزاعية، حيث يقول ابن عاصم في تحفة الحكام:
ومنع الإفتاء للحكام *** في كل ما يرجع للخصام
وربما رأى البعض بأن القضية ليست من اختصاص المحاكم ولكن الرجوع لقانون الشفافية يظهر أنها داخلة فيه لمجرد احتمال رفعها ولو قصد المشرع القضايا المنظورة وحدها لتمت صياغة اليمين بما يفيد ذلك.
أما المرة الثانية فعندما أقسم بصفته عضوا في لجنة الشفافية، يوم 24 دجنبر 2012، بأن يقوم بالمهام المسندة إليه خير قيام.
3. أن استشارة السلطة التنفيذية للمحكمة العليا جائزة قانونا ولكن بواسطة الوزير الأول أو أحد الوزراء بشرط أن تتبع الطرق الإجرائية فالمادة 12 من قانون التنظيم القضائي تجيز للحكومة والوزراء طلب استشارة المحكمة العليا،ولا تتاح تلك الإمكانية لرئيس الجمهورية، وعندما يقدم الطلب فإن رئيس المحكمة العليا لا يرد عليه بصفته الفردية وإنما يعرض الأمر على الغرف المجمعة (الفقرة أخيرة من المادة 22 جديدة من قانون التنظيم القضائي) التي تتداول بسرية وتصدر استشارة مكتوبة ومعللة تنشر للعموم وإن كان الدارج أن يتعلق الأمر في مثل هذه الحالات بنص وأن تكون الإشكالية ذات طبيعة تنظيمية شائكة.
ثانيا/ فيما يتعلق بالموضوع:
لو أن إشكالية إعادة التصريح طرحت على أي مختص فإن الرد عليها متاح في نص واحد جلي هو القانون رقم 054-2007 المتعلق بالشفافية المالية في الحياة العمومية المقصود في هذه المعالجة بالقانون والثابت أنه "لا اجتهاد مع وجود النص". ومما يغني عن تكبد عناء الإجتهاد في هذا الموضوع:
1. أن المادة 11 من القانون توجب على الأشخاص الملزمين بالتصريح تجديده دوريا وفي كل سنتين على الأكثر، مما يجعل تجديده عند بداية مأمورية جديدة مؤكدا. ومن السائغ قياس التصريح بالممتلكات على يمين رئيس الجمهورية التي جددها بتاريخ 02 أغشت 2014، إثر نجاحه لمأمورية ثانية فلم تغنه عنها اليمين السابقة. بل إن التصريح المتعلق بالأموال يعتبر من باب أولى فالأموال متذبذبة فلربما ادخر الرئيس من راتبه أو ورث عن قريب أو كانت له أموال تزداد (نماء مشروعا وغير مرتبط بميزانية الدولة ومؤسساتها ومواردها ومكانته فيها)كما أن الرئيس إنسان يتحمل مصاريف يمكن أن تنقص من أرصدته وأمواله كغيرها يمكن أن تكون عرضة لجائحة أو أن تنقص تلقائيا إن كان بعضها باليورو مثلا الذي فقد ثلث قيمته خلال السنتين الأخيرتين (والمفروض أن تقوم النقود في التصريح بالأوقية) فالثابت أن حجم الممتلكات متذبذب وغير ثابت، فلا غرو إذن إن وجب التصريح دوريا.
2. أن المادة 13 من القانون تنص على تنبيه لجنة الشفافية المالية للمتأخرين عن التصريح بوجوبه وعليها أن تشعر السلطات والعموم بأمر المخلفين وإنذارهم عند الإقتضاء إنذارين تفصل بينهما فترة شهر وفي حالة عدم استجابتهم فإن تعيين المعين منهم يبطل طبقا للمادة 14 من نفس القانون، كما أنه بالنسبة للمسؤوليات الانتخابية لا يقبل الترشح من جديد لمن لم يقم بواجب التصريح وبهذا فإن واجب رئيس لجنة الشفافية يقتضي منه أن يبادر إلى تنبيه رئيس الجمهورية وغيره في حال التأخر بطرق مكتوبة ولا قائل بإعفاء أي كان من التصريح المقرر للمصلحة العامة.
3. أن لجنة الشفافية ملزمة بنشر تقرير دوري بفحوى التصريحات ينشر كل ثلاث سنوات بالأكثرويتضمن ما يتعين نشره من تصريحات المعنيين(التي لا تنشر كلها) ويشهر التقرير بالأشخاص الذين أحجموا عن القيام بالواجب ويدرج في الجريدة الرسمية (المادة 12 من القانون و11 من المرسوم المنظم للجنة الشفافية) وتنص المادة 2 من القانون على أن تصريح رئيس الجمهورية يعلن للعموم مما يعني أنه يتعين أن يكون موضوع بيان خاص.
ثالثا/ الخلاصة:
وخلاصة القول أن إفادة رئيس الجمهورية الأخيرة عن فتيا كبير القضاة له تطرح إشكالات يتعين الوقوف عندها ولو كانت في بلاد أخرى لسببت حرجا بالغا لرئيس الجمهورية نفسه ولكان من نتائجها الحتمية استقالة رئيس المحكمة العليا..
وتطرح الإفادة بإلحاح مسألة اختيار كبير القضاة الذي يتوجب أن يفكر،من يهمهم الأمر، في آلية تضمن انتخابه من لائحة تتوفر فيها الشروط اللازمة لأن تعيينه من طرف رئيس الجمهورية وإمكانية عزله التي تكررت مؤخرا تجعل من الصعب على القاضي العادي، الذي اختير عن غيره دون صفات خاصة تميزه،أن يمضي فيما يخالف رغبات ولي الأمر ومصدر مرسوم التعيين.
ومن المتعين مراجعة نص يمين أعضاء لجنة الشفافية الذي بمقتضاه يقسم الأعضاء بالحفاظ على الأسرار المودعة وأن يمنعوا نشرها أو إفشاءها بكل الطرق الممكنة أثناء ممارستهم لمهامهم وبعدها" دون ذكر للنشر والإعلان والشفافية..وهو لعمري قسم يتنافى مع مهام لجنة للشفافية خاصة في مجتمع لا يزال قليل التعلق بها، كثير الجنوح لرغبات ولي الأمروحديث العهد بأسطورة"سر الدولة" ولربما اعتقد بعض أعضاء اللجنة أن واجبه هو كتمان السر الذي عهد إليه به عملا باليمين.