تعد كرة القدم اللعبة الأولي الأكثر تشجيعا و متابعة في موريتانيا حيث تأسست الإتحادية الموريتانية لكرة القدم و المنتخب الأول المرابطون عام 1961 م بالتزامن مع قيام الدولة المركزية .
و قد أطلق لقب ( المرابطون ) علي المنتخب الموريتاني إقتداءا بأبطال حركة المرابطين الإصلاحية التي نشأت في موريتانيا
انضم لاحقا بشكل رسمي للإتحاد الإفريقي بعدها بسبعة أعوام.
إلا أنه علي مدار نصف قرن لم يتمكن المرابطون إطلاقا من المشاركة في الكان و لو لمرة.واحدة.
جاءت منتخباتنا الوطنية في تشكيلاتها المتباينة و برزت إلي الوجود من رحم المعاناة و ظلت لسنوات طويلة تتأرجح بين محاولة الوصول و الصعود إلي أدوار متقدمة من بطولة آميكال كابرال المناضل الإفريقي و الثائر البيساوي الغيني الذي قوض النفوذ البرتغالي في إفريقيا.
كإنجاز تاريخي غير مسبوق و السقوط السريع الحر في الدور الأول و هي بالمناسبة بطولة إقليمية كانت قائمة قبل أن تختفي تماما من الخريطة و من حسابات الكاف 1997م خلال النسخة الأخيرة ببانجول.
شملت البطولة أنذاك 8 دول من غرب إفريقيا هي : السينغال ، غامبيا ، مالي ، غينيا بيساو، غينياكوناكري ،سيراليون ، جزر الرأس الأخضر ، موريتانيا.
رغم استضافتها للبطولة أكثر من مرة لم يفز بها المنتخب الوطني المرابطون ابدا.
مما جعل بلادنا تصنف في ذيل تصنيفات الفيفا أنذاك.
تأسيسا لما سبق صنفت المنتخبات الوطنية طبقا لمسارات و صيرورات الأداء إلي ثلاث مستويات : -
1 - جيل التأسيس( الرعيل الأول من اللاعبين ) هو الذي ساهم بشكل كبير في نجاح و شعبية هذه اللعبة من خلال جهود القائمين و المدربين و اللاعبين و المؤطرين حينها.
مما أسهم في خلق أرضية مناسبة لإستمرار نمو شعبية كرة القدم و العمل بجد لجعل هذه الرياضة محبوبة و متاحة للجميع.
رغم إكراهات و تحديات المرحلة و البدايات الخجولة و عزوف الشباب حينها عن مزاولة و ممارسة الرياضة.
بالإضافة إلي ما تميزت به المرحلة من : -
‐ قلة الموارد و البني التحتية : في البداية كانت موريتانيا تعاني من قلة الموارد و الإمكانات المخصصة لرياضة كرة القدم مما أثر سلبا علي البني التحتية.و تطوير اللاعبين.
- ضعف النتائج الدولية : ظل المنتخب الوطني يواجه صعوبات في تحقيق النتائج الإيجابية في المسابقات الإقليمية و الدولية نتيجة ضعف الأداء الفني للاعبين و تدني مستوي الدوريات و البطولات المحلية.
ضم جيل التأسيس انذاك اسماء لاعبين مخضرمين ذاع صيتها وطنيا و إقليميا و ارتبط بها الموريتانيون أيما ارتباط من أمثال : اسنيدري، طهارا ، غيث ، ميني، أليف انضاو، أمادا ، كادير انضاو ، بابا ديوب ...و غيرهم.
ما غاب عن هذه الكتيبة هو الأداء الفني و الجماعي التركيز و اللمسة الأخيرة و القوة البدنية و التتويج بالبطولات و الألقاب .
أحسن نتيجة حققتها طيلة العقدين هي الحصول علي الترتيب
الرابع خلال هزيمته في نصف نهائي بطولة آميكال كابرال نسخة انواكشوط 1980 م.
و التي جرت في ظروف إستثنائية خاصة و علي ارضية مبسطة دون أعشاب طبيعية أو نجيلة إصطناعية تذكر.
كما واكب هذه الحقبة جيل من عمالقة المعلقين الرياضيين الوطنيين ساير المنتخب الوطني في حله و ترحاله عبر أثير إذاعة موريتانيا قبل ظهور الإعلام المرئي .
شق طريقه إعلاميا بخطي ثابتة و خلق رغبة و حماسا لدي المستمعين ليس بأقل حماس من المدرجات
أمثال الصحفي و المعلق الرياضي المقتدر المخضرم سيد ابراهيم حامدينو و المتميز المرحوم كوليبالي سليمان ، يدالي مختار ، المرحوم باب ولد شيخنا ،المختار عبد الله ،عال عبدالله ، الدكتور محمد ولد الحسن .....و آخرون.
قبل أن تسيطر الصورة علي المشهد الرياضي و ما أحدثته لا حقا من ثورة تكنولوجية و نقلة نوعية في التعاطي مع الحدث من خلال النقل المباشر و وضع المشاهد في الصورة عبر قناة الموريتانية و فروعها الرياضية....الخ.
و دخول الإتحادية الموريتانية لكرة القدم علي الخط الإعلامي و إرساء وحدات إخراج و إنتاج تلفزيونية خاصة و استوديوهات لنقل المباريات و ما أثار ذلك من تداعيات.
فليس من رأي كمن سمع.
2 - الجيل الثاني من اللاعبين : لم يأت بالجديد رغم ما حصل من تطور علي المنظومة و المنشآت الرياضية ضم كوكبة من الشباب من أمثال : مصطفي صال، عال ويغا، ماغاي واد، ، فودي ديابيرا، توفيق داهي ، سيدي سيدها، جمال اخيار، خليفة ، بلال سيدي بي ، جمال إسلكو، الدنه، اميسي كولوبالي.
....و غيرهم.
تشكلة ظلت عاجزة تماما عن تحقيق نتائج ترقي إلي طموحات الشارع الرياضي الموريتاني.
حيث لم تتجاوز حصيلة المنجز عتبة الترتيب الثاني علي مستوي نفس البطولة في نسخة استضافة معادة بانواكشوط 1995 م.
نتائج هزيلة تعكس و تكشف فترة فراغ عاشتها كرة القدم الموريتانية في ظل غياب إرادة جادة للإصلاح و النهوض بلعبة كرة القدم و فشل القائمين انذاك علي شأن الإتحادية الموريتانية لكرة القدم و الإدارة الوصية علي القطاع.
3 - الجيل الثالث جيل التألق و النجاح : يجمع كل المراقبين الرياضيين علي أن النجاح الحاصل مؤخرا علي مستوي عمل الإتحادية الموريتانية لكرة القدم و السياسات الناجعة المتبعة انعكس ايجابا علي القطاع و علي كل المستويات.
شكل منعطفا جديدا ألقي بظلاله علي المشهد الرياضي لكرة القدم و خلق جيلا جديدا من اللاعبين الشباب أحدثوا قطيعة مع الماضي و أسسوا لحاضر و مستقبل واعد لكرة القدم الموريتانية من أمثال : بوبكر كامرا ، بسام ، اسماعيل دياكيتي ، حمي الطنجي. و غيرهم من لاعبي الجيل الصاعد.
شهد أداء المنتخبات الوطنية خلال السنوات الأخير تطورا ملحوظا و قفزة نوعية عززت من من مستوي حضورها داخل البطولات الإفريقية و كأس أمم إفريقيا.
و الأهم من هذا كله هذه الاستمرارية و الحفاظ علي المكاسب و إنجازات التأهل للمرة الثالثة تواليا إلي نهائيات CAN 2023 كوتديفوار.
بعد فوزه علي نظيره الغابوني بهدفين لواحد.
علي ارضية ملعب شيخا بيديه .
حيث أضحي المنتخب الوطني ندا عنيدا لمنتخبات إفريقية و عربية قوية و عريقة.
إضافة الي المشاركة المشرفة إلي حد ما في تصفيات كأس العالم الأخيرة.
في حين لعبت الإتحادية.الموريتانية لكرة القدم برئاسة احمد ولد يحي و بمساعدة نائبه الراحل المرحوم اباب آمغار ديينغ و معاونيهم من داخل الإتحادية .
دورا بارزا في النهوض و الإرتقاء بهذه اللعبة بجهودها الخاصة و علاقتها المتينة و المتطورة مع الأم بالتبني الفيفا و دعم الدولة المتواصل عبر الوزارة الوصية و من خلال حضور الإدارة المعنية بالقطاع داخل المشهد .
الشيء الذي مكن منتخباتنا من الوصول إلي هذا المستوي من المشاركات القارية و الدولية .
أسس لإرساء دوري وطني ممتاز و دوريات محلية أخري بدرجات مختلفة و لمختلف الفئات العمرية دعما للرياضة القاعدية .
كانت لبعضها مشاركات في بطولة الكوتيف باسبانيا التي أتاحت للعديد من اللاعبين الوطنيين فرصة الإحتراف خارج الديار في الدوريات و البطولات الأوروبية.
و في نفس الإطار تمكنت الإتحادية الموريتانية لكرة القدم من إعادة بناء و تشييد ملعب شيخا بيديه رحمه الله بدعم خالص من الفيفا و بالمواصفات و المعايير الدولية المطلوبة و بنجيلة اصطناعية خضراء و سعة تصل إلي 8500 مقعدا.
و هو الآن قبلة.و وجهة لكل اللقاءات الدولية و المحلية .
بالإضافة إلي ما شهده المركب الأولومبي من أعمال ترميم و صيانة .
و كذلك إعادة بناء و تجهيز بعض المنشآت الرياضية داخل الوطن
كالملعب البلدي في انواذيب و تزويد ملاعب كل من كهيدي و روصو بنجيلتين اصطناعيتين .
جهود جبارة و عمل ملموس جسد مقاصد الآية الكريمة من سورة النجم ( و أن ليس للإنسان إلا ما سعي و أن سعيه سوف يري ) صدق الله العظيم.
هذا بالإضافة إلي إستضافة بلادنا مؤخرا لمناسبات و أحداث رياضية دولية هامة في إطار لعبة كرة القدم.
لذا تحتاج كرة القدم الموريتانية إلي لفتة و دعم و تشجيع.و رعاية و مؤازرة مستمرة بغية الوصول إلي المقاصد و الأهداف الرامية لتعزيز المكاسب و خلق بئة مناسبة للإستثمار في رياضة كرة القدم.
و عليه فإن كرة القدم استطاعت عبر سرعة انتشارها و استقطابها لشعوب العالم بمختلف انتماءاتهم و طوائفهم و أعمارهم أن تجعل منهم حالة تعكس مدي التلاحم الوطني و الإنتماء للوطن و الهوية الوطنية الجامعة بعيدا عن الإنتماءات الضيقة الأخري.
ذلك ما عكسه و أكده لقاء رئيس الجمهورية السيد محمد و لد الشيخ الغزواني بعناصر و طاقم المنتخب الوطني داخل القصر الرمادي لحظة الشعور بنشوة فرح لم يتم التعبير عنها بالمستوى المطلوب و المناسب مع حجم الحدث تعاطفا مع ضحايا الزلزال الأخير الذي ضرب مناطق واسعة بالمملكة المغربية الشقيقة.
حيث هنأ رئيس الجمهورية لاعبي المنتخب الوطني و الطاقم الفني و الإداري .
و أشاد بهذا الإنجاز التاريخي و بالجهود المبذولة في إطار العمل بروح الفريق الواحد.
كما أعطي تعليماته للقطاع المعني بتوزيع قطع ارضية لصالحهم.
إضافة إلي صرف تشجيعات مالية أيضا.
مؤكدا دعمه الكامل للنهوض بكرة القدم الوطنية و الوقوف إلي جانب الإتحادية الموريتانية.
و هو ما يعني أن كرة القدم كرست روح المواطنة و الشعور بالانتماء للوطن الشيء الذي عجزت عنه رياضات أخري في هكذا ظروف و مناسبات.
طابت أوقاتكم.
اباي ولد اداعة.