يجب على الموريتانيين، حكاما ومحكومين، أن يستحضروا الخطر المحدق بالعاصمة والمتمثل في تهديد مياه المحيط الأطلسي، الناجم عن تآكل رمال الشاطئ (le littoral) ووقوع بعض مناطق نواكشوط تحت مستوى سطح البحر مما يجعل هبوب رياح متوسطة إلى شديدة، من جهة المحيط، كفيلا بتيسير اجتياز أمواج الأطلسي لما تبقى من قلعة الحاجز الرملي واحتلال مياه البحر للعاصمة.. خاصة وأن بوادر الخطر تجلت منذ سنوات حيث طفت على السطح برك من مياه البحر هنا وهناك.. لذلك يتعين أن نأخذ العبرة من نكبة مدينة درنه الليبية (عافاها الله) والتي عبثت مياه البحر الأبيض المتوسط بحياة ساكنتها وجرفت بيوتها وبنيتها التحتية ومرافقها حتى غدا جل جسورها أثرا بعد عين.. يتعين أن نتيقن بأن بلادنا، مهما حباها الله به من لطف، ليست بمنأى عن المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي يعسر التنبؤ بها ومن الحصافة توقعها.
منذ أسابيع ارتفع المد البحري على مستوى مدينة نواذيبو (المشيدة على تربة صخرية) مما تسبب في اجتياح المياه لمناطق منها بعض طرق حي صاله العتيق وطريق كابانو السفلي وللخيم العشوائية المقامة على الشاطئ وهو حدث لم يكن متوقعا.
في السنغال المجاور كانت السيدة ياسين دينغ Yacine Dieng من مجموعة اللبو (التي تعيش من الصيد البحري) تقطن في بيتها الشاطئي آمنة ببلدة بارني Bargny الواقعة على بعد ثلاثين كيلومترا جنوب العاصمة السينغالية داكار، إذ زحفت عليها مياه البحر فاحتلت بيتها وشردتها كما شردت الكثيرين من بني جلدتها وقضت على فسحة أملهم التي كانت واسعة.. ولكن الصيادة التي غاب البحر على مسكنها وضيق رزقها آلت على نفسها أن تواجهه بأن تعمل على التعبئة ضد المخاطر البيئية وصدعت بما يلي: "بعد أن غاب البحر على متاعنا الزهيد لم تعد لدينا الخيرة في مواجهته إذ ليس لنا مكان آخر نذهب إليه".
وفي تقديري أن ما عمدت السلطات الموريتانية إليه، خلال السنوات الأخيرة، من محاولة شفط المياه من بعض البرك والمستنقعات الواقعة في بعض أحياء العاصمة وما تسعى إليه من حلول فنية بالتعاون مع مشروع البنك الدولي المسمى: "أوساط شواطئ غرب إفريقيا West Africa Coastal Areas المعروف باختصار "واكا" WACA الذي يتبنى "مشروع تسيير الشاطئ الغرب إفريقي" لا يعدو أن يكون من قبيل المسكنات الظرفية التي يتعين أن يصاحبها التفكير والتخطيط والسعي الجدي لإيجاد حلول مستديمة.
وأعتقد أن الحل المستديم يتمثل في اختيار مجال مناسب للعاصمة يمكن أن يبعد عن موقعها الحالي عشرات الكيلومترات وأن تبدأ تهيئته لتشييد مدينة عصرية يقدر في مكان إقامتها للصرف الصحي وأنابيب وأسلاك الماء والكهرباء ومختلف الخدمات وللطرق العريضة والساحات العمومية الشاسعة والمرافق العمومية.. وأن يبدأ الترحيل التدريجي للعاصمة.. فالشخص الحازم هو الذي يستجيب لإنذار الإخلاء ولا ينتظر التنفيذ الجبري.