الأحزاب السياسية الموريتانية و مبادرات الحوار المتكررة . و حتمية التعثر أو الفشل

تعد الأحزاب من أهم التنظيمات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر علي سير و حركة النظام السياسي و ضمان استمراره و استقراره .
فهي تؤدي دورا مهما في تنشيط الحياة السياسية و صارت تشكل ركنا أساسيا من أركان النظم الديمقراطية.
فأداء الأحزاب ينعكس سلبا أو ايجابا علي نوعية الحياة السياسية و علي مستوي التطور الديمقراطي و التحديث السياسي و فاعلية النظام السياسي الذي يعد انعكاسا للنظام الحزبي السائد في الدولة.
كما تعد أيضا إحدي قنوات المشاركة السياسية للمواطن و كذلك إحدي قنوات الإتصال السياسي المنظم في المجتمع.
فهي تقوم بالتعبير عن اهتمامات الأفراد و حاجاتهم العامة و العمل علي تحقيقها من قبل الحكومة بفضل الضغط الذي تمارسه الأحزاب علي صناع القرار و السياسة العامة و كذلك نقل رغبات و سياسات الحكومة إلي المواطنين و العمل علي تعبئة الجهود و المواقف المتباينة إزاءها إما دعما أو رفضا.
مرت الأحزاب السياسية في موريتانيا صيروريا بمرحلتين متباينتين كرست لقيام مفهوم نظام حزبي سائد يعد الذراع السياسي للنظام حمل عدة أسماء تصب في قالب واحد : حزب الدولة ، حزب النظام ، الحزب الحاكم....الخ. خدم النظام في كل توجهاته.
1‐ مرحلة الحزب الواحد (حزب الشعب ) امتدت منذ قيام الدولة المركزية 1960 م إلي أول انقلاب عسكري 1978م كرست لحكم أحادي مدني و واكبت صعود التيارات الفكرية التي كانت سائدة حينها في المشهد السياسي العربي و العالمي.
والتي كان من تداعيتها ظهور حزب النهضة الوطني المعارض ذات التعاطف و البعد القومي الذي قارع الحكومة انذاك في كل حركاتها.و سكونها و تعرض قادته و أعضاءه للمطارة و الملاحقة و المضايقة و النفي تارة بالإضافة إلي أبشع حالات التعذيب داخل السجون مهدت للعمل السياسي السري لاحقا.
تمكن النظام حينها رغم ظروف النشأة و انعدام الإمكانيات و الموارد من تأسيس وطن من لاشئ.
حيث أن المستعمر لم يترك أو يخلف وراءه أي بني تحتية تذكر داخل البلاد علي غرار ما حصل مع مستعمرات أخرى في المحيط الإقليمي.
كما تم إرساء نظام تعليمي مجاني قوي كان له الأثر الكبير في خلق جيل متعلم و تكوين و تأهيل كادر بشري مقتدر تولي زمام الأمور لاحقا في إطار مرتنة الوظائف.
و ما صاحب ذلك من غرس و تطوير لقيم المواطنة و حب الوطن و صون الوحدة الوطنية بما يحقق الترابط الإجتماعي في إطار الدين و حقوق الإنسان و قوانين الدولة.
ما ميز جيل التأسيس رغم المآخذ الكبيرة هو التمسك بالقيم الأخلاقية و الثوابت الدينية و الوطنية و الترفع عن أكل المال العام و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة.
2‐ مرحلة التعددية الحزبية : تعود نشأة الأحزاب السياسية بشكل رسمي في موريتانيا إلي عهدة الرئيس الأسبق السيد معاوية ولد سيداحمد الطايع و بالتحديد في تسعينات القرن الماضي. حيث أعلنت البلاد من خلال دستور 1991م عن نظام تعددي أجريت بموجبه اول انتخابات رئاسية في نفس العام
و أسس لمرحلة ديمقراطية جديدة تشكلت علي شاكلتها أحزاب سياسية موالية و معارضة للنظام مرخصة و معترف بها رسميا طبقا للقوانين المنشئة للأحزاب و للأعراف الديمقراطية.
و إن كان بعض المحللين يري بأن معظم الأحزاب الحاكمة جاءت علي مقاسات جلباب العسكر
تتغير في الشكل دون المضمون بخروج رأس النظام مطاحا به أو مغادرا لسدة الحكم كرها أو طواعية بحكم قوة الدستور .
أول من سيتناساه و يتنكر له إن لم يقاضيه حاشيته و محيطه السياسي علي غرار ما حصل مع الرئيس الأسبق الذي كان بالأمس القريب قاب قوسين من الدفع به نحو مأمورية ثالثة مخلة لمواد الدستور المحصنة لولا أن رفض طواعية الوقوع في المحظور .
تصرف مشين يكرس للحكم الأحادي كما أسس لمجموعة من الممارسات خارج إطار القيم و الثوابت الدينية و الوطنية خدمت الأنظمة المتعاقبة و زادت من حالات الغبن و التهميش و اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع .
كما خلقت بدائل قيم خاطئة أطغت علي مختلف مناحي الحياة السياسية كالنفاق السياسي أو النفوذ القبلي و انتشار الفساد وسوء الإدارة و تضييق الخناق علي أحزاب المعارضة التي شكلت في مرحلة سابقة من مسار الأنظمة منافسا قويا مقارعا للنظام و للأحزاب الحاكمة سرعان ما تلاشت و تراجعت تلك القوة الخارقة.
فرغم النضال السياسي الطويل تم إخضاعها لأن تكون جزءا من اللعبة السياسية رهن إشارة و توجهات العسكر تارة بقبول و شرعنة الإنقلابات و تارات أخري برفضها علنا و الدخول سرا في إطار تفاهمات بالعودة إلي المربع الأول و التأسيس لمرحلة انتقالية جديدة و هكذا دواليك في ظل غياب إرادة صادقة و جادة لأي تغيير منشود أو إصلاح.
رغم الحريات المتاحة للعمل الحزبي و الطفرة النوعية التي شهدتها نشأة الأحزاب.
فإنها لا تملك فرصة حقيقية للمشاركة في السلطة علي اساس التنافس و التداول السلمي بينها.
لعدم تكافؤ الفرص أمام مشاركة قائمة علي حكم الفرد و الجيش و أجهزة الأمن و السيطرة علي الموارد.
بينما يري بعض المراقبين أن تراجع دور أحزاب المعارضة التقليدية و فشلها داخل المشهد السياسي مرده عائد إلي الدخول في هدنة و مغازلة النظام بالإضافة إلي القطيعة مع القواعد الشعبية في أحلك الظروف .
و التمسك بقيادة حزبية واحدة منذ التأسيس مهيمنة و مسيطرة في كل الأوقات دون غيرها.
ما يعاب علي هذه الأحزاب أيضا هو التناقض السريع في المواقف ، خاصة بعد إخفاقها في الإنتخابات التشريعية الأخيرة دون الحصول علي تمثيل في البرلمان مما كان من المتوقع أن يعرضها للإقصاء و الخروج من المشهد السياسي و الحرمان من الترشح مستقبلا بقوة القانون الإنتخابي الجديد.
مما جعلها تطعن في مصداقية نتائج الإنتخابات الأخيرة و تطالب بإعادتها بحكم ما شهدته من حالات تزوير.
و التراجع عنها لاحقا في ظل التقارب الجديد بين النظام و حزبي التكتل و و اتحاد قوي التقدم المهددين بالخروج ضمن أحزاب أخري .
الذي بموجبه ألتقي كل من ولد داداه و ولد مولود بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني و التلويح بوثيقة اتفاق سياسي جديد سبجمعهما مع حزب الإنصاف سارعت بعض أطراف المعارضة لرفضها و التشكيك في نواياها.
في محاولة للإرتهان إلي مبادرات حوار لا ينتهي ولايفضي دوما إلي نتائج ملموسة تارة بدعوة أو إشارة من النظام نفسه لحاجة في نفس يعقوب تحت مسمي تشاور وطني.
أو استجابة لطلب أحزاب معارضة اعتادت تكرار الدعوة و الحنين إلي تبني مبادرات حوار وطني.
كثيرا ما تفضي إلي تفاهمات خاصة بين السلطة و أغلب الأحزاب السياسية تعيد الثقة بين الأطراف و تؤسس لمرحلة جديدة.
بدل التوصل إلي تحقيق مكاسب و طنية مشتركة من قبيل الإجماع حول القضايا الوطنية الكبري و تأسيس دولة القانون والعدل و المساواة و الحكامة الرشيدة وهي أمور لا تصنف في إطار مكاسب شخصية لأي كان.
واقع سياسي معاش ساهم في خلق نظام حزبي حاكم متحور قائم علي تغيير الإسم و تجديد الواجهة من خلال تدوير نفس الأشخاص الذين حكموا البلاد و العباد عبر كل الأنظمة السابقة و اللاحقة و تلطخت أيديهم بالفساد المالي و اعتادوا التلاعب بمصالح الشعب.
حيث أضحي كل إسم حزب حاكم متحور يرمز و يؤرخ لمرحلة حكم سابق : PRDS
ADIL
UPR
INSAF
وهكذا ....
لا شك أن أكبر عائق أمام اي إصلاح علي العموم هو الفساد في كل تجلياته ، حيث أن الزيارة الميدانية الأخيرة الخاطفة لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني علي وقع معاناة أزمة عطش خانقة لساكنة العاصمة انواكشوط لخير دليل علي حجم و مستوي الفساد المنتشر إذ مكنت من كشف المستور و إن لم يعد مستورا بل أضحي يطفو علي السطح و ظهر في البر و البحري.
و كما بينت ايضا كذب وزيف وتدليس التقارير الواردة ومخادعة القائمين علي شأن القطاع لرئيس الجمهورية و من خلاله الشعب الموريتاني حول دوافع أزمة العطش و التأكد عبر الوقوف علي الأسباب الحقيقية لتداعيات الأزمة الناجمة عن مستوي الفساد الحاصل و الإهمال و التلاعب بمصالح الشعب.
مؤشر ضمن مؤشرات أخري تؤكد جليا أن زيارة رئيس الجمهورية لو طالت قطاعات خدماتية أخري لكانت الإقالات بالمئات في ظل تراجع أداء المفتشية العامة للدولة و محكمة الحسابات.
و ضعف الوازع الديني و الوطني و غياب الضمير لدي موظف الدولة .
و اتساع دائرة ظاهرة الإفلات و التملص من العقاب.
(فهل من مدكر ) ؟!
صدق الله العظيم.

حفظ الله موريتانيا.
اباي ولد اداعة.