كتب محمد الأمين الفاضل:
سارعنا في جمعية "خطوة" إلى تنظيم جلسة نقاشية حول الأوضاع السياسية والأمنية المعقدة في الساحل وآثارها على المنطقة، وحرصنا في الجمعية إلى أن تكون هذه الجلسة جلسة نخبوية ضيقة، وحرصنا كذلك على أن نناقش هذا الموضوع من مختلف زواياه الأمنية والسياسية والإعلامية، وهو ما كان.
وعلى المستوى الشخصي، فقد خرجتُ من هذه الجلسة بمجموعة من الملاحظات والاستنتاجات وربما التوصيات، وقد ارتأيت أن أشارك بعضها مع القراء الكرام، وعلى من أراد أن يتابع الجلسة كاملة ـ وأنصح بذلك نظرا لأهميتها ـ فيمكنه أن يتابعها من خلال منصة "موريتانيا الآن" على الفيسبوك، أو من خلال قناة "البرلمانية" التي سجلتها كاملة وستبثها بعد المونتاج، وربما تبثها قنوات تلفزيونية أخرى: "المدينة" و"المرابطون".
وضعية في غاية التعقيد
يمكن وصف الحالة في النيجر بأنها حالة في غاية التعقيد، فمن الصعب جدا تصور نجاح الانقلاب العسكري في ظل رفض المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لهذا الانقلاب، واستعدادها للتدخل العسكري، وتدعمها في ذلك فرنسا وأمريكا، وهما تمتلكان قواعد عسكرية في النيجر.
لقد أعطت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مهلة، أعطتها وهي تدرك مدى خطورة أن تبدأ حربا لا يمكن التنبؤ بنتائجها، وتدرك أيضا بأنه لا شيء أخطر من الحرب، إلا أن تبقى المجموعة تتفرج دون أي تدخل عسكري لإفشال الانقلاب الثالث في مجموعة دول الساحل، فإذا لم يتم إفشال هذا الانقلاب، فسيعني ذلك أن عدوى الانقلابات ستتسع، وربما تعصف بأنظمة حاكمة أخرى في المجموعة.
لا شيء أخطر على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من إشعال حرب غير مضمونة النتائج في المنطقة، لا شيء أخطر عليها من ذلك إلا أن تواصل تفرجها على الانقلاب دون أن أي تدخل عسكري.
إننا بالفعل أمام معضلة حقيقية، وأمام حالة بالغة التعقيد، فالانقلاب العسكري لا يمكن استمراره لخطورة ذلك على النيجر وعلى دول المنطقة، وعودة الرئيس المنقلب عليه تزداد صعوبة، ولن يقبل بها الانقلابيون الذين بدؤوا في فرض الأمر الواقع، والذين أظهروا بأنهم يمتلكون حاضنة شعبية عبرت عن نفسها من خلال عدة مظاهرات، كان آخرها الحشد الكبير الذي تم تنظيمه في العاصمة "نيامي" تزامنا مع انتهاء المهلة.
هناك عدة سيناريوهات محتملة، وقد تحدث أحد المتدخلين الرئيسيين في الجلسة عنها، ويبقى السيناريو الأفضل هو أن يخرج الانقلابيون والرئيس السابق وحكومته من المشهد في إطار وساطة أو مبادرة، وأن يُؤتى بحكومة انتقالية تنظم انتخابات سابقة لأوانها.
أي دولة يمكنها أن تطلق مبادرة من هذا النوع؟
يبقى النظام الموريتاني هو الأكثر تأهيلا لإطلاق مبادرة من هذا النوع، ويمكنه أن ينسق مع النظام في اتشاد. نعم إن موريتانيا هي الأكثر تأهيلا لإطلاق مبادرة من هذا النوع، وذلك لأنها:
1 ـ هي الدولة الوحيدة في مجموعة الساحل التي لا تعاني ـ ولله الحمد ـ من أي مشاكل أمنية أو سياسية، فكل الدول الأخرى تعاني من غياب الاستقرار السياسي، ومن انعدام الأمن، بل وتعاني من فقدان السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها؛
2 ـ هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تتخندق بشكل علني، فهناك دول أعلنت دعمها السياسي والعسكري للانقلابيين، وهناك دول أخرى أعطت مهلة، وبدأت تحضر لتدخل عسكري ضد قادة الانقلاب.
3 ـ عُرفت بالحياد في صراعات دولة المنطقة، كما أنها تمتلك اليوم سمعة دبلوماسية قد تساعدها في إطلاق مبادرة من هذا النوع.
خلاصة هذه الفقرة هي أن الحكومة الموريتانية مطالبة اليوم أكثر من غيرها بإطلاق مبادرة أو وساطة من أجل تجنب المنطقة حربا جديدة يدرك الجميع مدى خطورتها، وأول من يدرك خطورتها هم أولئك الذين يلوحون بها.
كيف نُجَنِّب بلادنا المخاطر التي تهدد المنطقة؟
هذا السؤال تم طرحه ضمنيا خلال الجلسة النقاشية، وكان هو السؤال الأهم في الجلسة، وكان البحث عن جواب عليه هو السبب الأول في تنظيم هذه الجلسة النقاشية.
أجمع المتدخلون في الجلسة النقاشية على أن تحصين بلادنا من هذه المخاطر يبدأ بتقوية الجبهة الداخلية، وينتهي بذلك، ولا يمكن تقوية الجبهة الداخلية إلا من خلال تعزيز الديمقراطية، وتحقيق العدالة، ومحاربة الفساد، وبذل المزيد من الجهود والاهتمام بالشرائح والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
كما أن تحصين بلادنا من المخاطر المحدقة بالمنطقة، يحتاج أيضا إلى نخبة ناضجة وواعية ومسؤولة، ترقى بخطابها السياسي والإعلامي عن كل ما من شأنه أن يؤجج الصراع بين شرائح ومكونات المجتمع.
حفظ الله موريتانيا..