يعد الحج الركن الخامس من أركان الإسلام و مناسبة دينية هامة تتجدد كل موسم و فرصة مواتية ومتاحة لأداء مناسك الحج لمن استطاع إليه سبيلا.
كما في الآية الكريمة من سورة آل عمران ( و لله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر فإن الله غني عن العالمين..) صدق الله العظيم.
فالحج طاعة عظيمة و عبادة جليلة فيها تحقيق للعبودية وكمال في الذل و الخضوع و الإنكسار بين يدي الله عز وجل .
فالحاج يخرج من ملاذ الدنيا و محابها مهاجرا إلي ربه سبحانه وتعالي تاركا ماله و أهله متغربا عن بيته و وطنه متجردا من ثيابه المعتادة لابسا إزارا و رداءا حاسرا علي رأسه متواضعا لربه تاركا الطيب و ملذات الدنيا متنقلا بين المشاعر بقلب خاشع و عين دامعة و لسان ذاكر راجيا رحمة ربه خائفا من عذابه و شعاره في ذلك كله ( لبيك اللهم لبيك )
بمعني انني خاضع لك يا رب مستجيب لندائك منقاد لحكمك ممتثل لأمرك.
الحج له منافع كثيرة فهو شعيرة نتعلم منها كمال العبودية و الخضوع لله عز وجل و فيها تدريب علي المبادئ و القيم التي جاء بها الإسلام فالحج المبرور من أسباب غفران الذنوب و دخول الجنة.
يتشكل في موسم الحج مشهد عظيم بحجم عظمة الإسلام تتقاطع فيه شعوب العالم المسلمة و تذوب فيه كل الفوارق الإجتماعية و العرقية و اللغات رغم إختلاف و تباين المشارب و المذاهب الدينية و تنصهر كلها في عقيدة و شعيرة واحدة لا صوت فيها يعلو فوق صوت التلبية( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك والملك لا شريك لك ).
استجابة لنداء الله و دعوة نبيه ابراهيم عليه الصلاة و السلام كما في الآية الكريمة من سورة الحج ( و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و علي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) صدق الله العظيم.
لوحة إنسانية واقعية لا نظير لها لا تقوم علي الاختصاص الإثني بقدر ما تتشكل علي هذا النحو دون أن تمس بالتنوع القائم أساسا بين البشر علي إختلاف ألسنتهم و ألوانهم الذي هو من آيات الله في خلقه .
إنه مشهد يسر الناظرين تتواءم فيه قيمة المساواة و وحدة الحال مع ثراء التنوع الإنساني في أبها صوره و تجلياته و صولا لمقاصد و مضامين الآية الكريمة من سورة الحجرات ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) صدق الله العظيم .
كما يجب الإشارة بوضوح و الإشادة في هذا الصدد بما يقدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز و سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز من حين لآخر من جهود جبارة و عناية خاصة لضيوف الرحمن .
جسدها علي أرض الواقع مستوي اهتمام و متابعة حكومة خادم الحرمين الشريفين المتواصلة لكل ما من شأنه خدمة الإسلام والمسلمين داخل الديار المقدسة و العالم الإسلامي .
عكسه حجم المنجز من تشييد بني تحتية و توسعة مستمرة للحرم المكي و المسجد النبوي الشريف .
بالإضافة إلي تطويرات متلاحقة في نوعية الخدمات و المواصلات و التسهيلات نفذتها و تنفذها حكومة و سلطات المملكة داخل محيط المشاعر المقدسة بمكة المكرمة و المدينة المنورة خدمة للحج و تسهيلا للحجيج.
رغم الظروف الصحية المخيفة و تبعاتها التي مر بها العالم و حجم التحديات الدولية الكبري المتباينة.
لا شك أن ظروف و ضوابط و إجراءات مناسك الحج في موريتانيا علي المستوي الرسمي قد تحسنت كثيرا منذ اعتماد القرعة في السنوات الأخيرة مقارنة بما كان يحصل في الماضي القريب من ارتجالية في القرارات و معاناة و طول انتظار في المطارات و عدم الإلتزام بالمواعيد و سوء الخدمة و اضطراب و ارتباك و تأخر في الرحلات .
شهد تطورا ملحوظا هذا الموسم علي مستوي تنظيم الرحلات و تحسين الخدمة من خلال القيام لأول مرة بدمج إحضار و تقديم و جبات الإفطار و الغداء و العشاء بانتظام و بإشراف من بعض المؤطرين و غيرهم في إطار تحسين الخدمة حتي يتحرر الحاج من كل القيود و يتسني له التفرغ للعبادة.
أمور تذكر فتشكر رغم تحفظ بعض الحجاج .
عززه الحضور القوي و المتابعة المباشرة لوزير الشؤون الإسلامية السيد اداه ولد سيد اعمر طالب من داخل المشهد و في كل المواقف و المراحل ضمن الجهود المبذولة لتأمين السكن اللائق و التغذية و النقل بين المدن و المناسك و الشعائر تجسيدا لتوصيات و توجيهات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني و حرصه الدؤوب علي ضمان تأدية حجاجينا الميامين لنسكهم في أحسن الأحوال و الظروف و العمل بروح الفريق الواحد خدمة للحاج الموريتاني.
حاج ينبغي أن يكون سفيرا لوطنه و حضارته العريقة و هويته القائمة علي الإنفتاح و التسامح و تجنب الجدال و اللجاج و أسباب الخلاف و الإلتزام بالضوابط الأخلاقية و الثوابت الوطنية.و الدينية و
التحلي بالسلوك المدني صونا لما أسسه و بناه الشناقطة القدامي من مجد و مكاسب و صيت علم واسع و سمعة حسنة في ربوع أرض الحجاز .
و ان يكون عونا و سندا لكل القائمين علي شأن الحج و جزءا من قصة نجاح موسم حج استثنائي.
كماينبغي أن يكون علي قدر حسن ظن الآخرين به حتي لا يمنحهم فرصة تقديم تقييم سيئ وانطباع خاطئ و مشين اتجاه حجاجنا الميامين.
فالحج قبل كل شئ عبادة و سلوك و ممارسة.
ففي هذا الإطار و علي غرار ما حصل معي رفقة احد الحجاج الموريتانيين من أمام مقام ابراهيم عليه الصلاة والسلام و سط حشد كبير من الحجاج .
حينما سألنا علي جناح السرعة أحد المؤطرين الدينينين السعوديين المعتمدين داخل الحرم المكي عن موقف الشرع من بعض الأمور تحصل في الطواف امتنع عن الإجابة بحجة انه لا يمكنه إجابة الموريتانيين في أمور الدين و الشريعة بينما لديهم أكبر مرجعية دينية العلامة المختار الشنقيطي متواجد في المدينة المنورة يمكن الإتصال به أوالعودة إليه.
موقف يعكس مكانة علماء شينقيط و الشناقطة علي العموم في نفوس رجال الدين السعوديين وغيرهم .
و شعور جعلنا نعتز و نفتخر أكثر من أي وقت مضي بالانتماء لهذا الوطن الغالي.
في حين تتجدد و تتكرر معاناة حجاج الوكالات المحلية للحج و العمرة في ظل تزايد و ارتفاع حالات الإحتيال و تعرض عشرات الضحايا للنصب عن طريق سلبهم مبالغ مالية مقابل وعود وهمية و تمادي بعضها في إهمال المسافرين المتعاملين معها ذهابا و إيابا و حرمانهم من أداء مناسك الحج في الوقت المناسب و مماطلتهم أمام مرأي و مسمع من الجميع و من السلطات دون أن يحرك أحد اي ساكن في ظل دولة القانون.
تصرف غير مقبول دعمه هذا التراخي الحاصل في تطبيق القانون و غياب الوازع الديني و الجشع المالي و عدم فرض قيود و إجراءات إحترازية علي هذه الوكالات من قبيل الحصول علي ضمانات بنكية تغطي تكاليف الحج و تسمح بتعويض حالات التحايل في الوقت المناسب كشرط لمشاركة الوكالات في موسم الحج والعمرة و الإستفادة من الحصص.
مما يستوجب و يتطلب إخضاع أصحاب هذه الوكالات التي تسببت في إضرار المواطن و خداعه للمساءلة القانونية و المقاضاة و إنزال أقصي العقوبة عليهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم. و تعويض الضحايا و المتضررين.
في انتظار إعادة تنظيم و ضبط و ترتيب شؤون القطاع و مراجعة المساطير المنظمة له و تقنينه ليلائم المرحلة من خلال التغلب علي العوائق الحاصلة و العالقة من طرف الجهات المعنية.
فإلي متي سيظل المواطن البسيط عرضة للتحايل و ضحية للخارجين علي القانون ؟
اللهم احسن عاقبتنا في الأمور كلها و أجرنا من من خزي الدنيا و عذاب الآخرة.
اللهم تقبله منا جميعا حجا مبرورا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا .
وصل اللهم و سلم و بارك علي سيدنا محمد و علي آله و صحبه حق قدره و مقداره العظيم.
طابت أوقاتكم.
اباي ولد اداعة.