على عكس العالم كله، تصر وزارة الشؤون الإسلامية في موريتانيا على إهانة الحجاج في كل موسم، وعلى أن تذيقهم من صروف الإساءات وسوء تسيير ملف الحج ما يضاعف وعثاء السفر، وصعوبة الإقامة، ولكن رفيف الأشواق إلى البيت العتيق وتلك العرصات المباركة يخفف الآلام ويصبر على الأزمات.
كانت البدايات في نواكشوط حيث الصعوبات المتعددة، منذ بدأ التسجيل إلى القرعة، لترافقها الصعوبة في كل مراحلها، وما إن ظهرت لوائح المختارين للقرعة، حتى استبان أن أصابع خفية كانت تتلاعب بالقرعة، وأن المئات تمت إضافتهم من قبل عناصر نافذة في مستويات متعددة من أركان السلطة.
حصل أهل الحظوة هؤلاء على فرصة الحج على حساب دافعي الضرائب ومن مال الشعب المغلوب على أمره، فكانت بداية غير مشجعة، وعنوانا غير مرغوب لنص طويل من الإهانات وسوء المعاملة.
ثم كان النقل في الباصات إلى المطار في غاية الخشونة والصعوبة، وكانت بطاقات الحجاج لا تحمل أرقام الغرف ولا الطوابق التي سينزلون فيها.
وتتوالى الأزمات، فيجد الحجاج أنفسهم محصورين في طائرة متعطلة، لأكثر من ساعتين، عانى بعضهم من ظروف صحية سيئة، لولا أن تداركت عناية الله، فأنقذتهم من موت جماعي لو طالت فترة عطل الطائرة.
ولما وصل الحجاج مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم، كانوا على موعد مع فصل آخر من فصول المأساة، حيث ضاعت حقائب عدد من الحجاج، وعانوا شح السكن ورداءة الإعاشة، وكأن للوزارة عهدا على نفسها أن تذيق الحجاج في كل مرحلة ساعة ألم وموقف إهانة، ولم يكد الحجاج يقيمون في طيبة شرفها الله حتى أزف الرحيل وتم إخراجهم رغم الشوق ، ونقلوا إلى آبار علي للإحرام، يوم ثلاثين ذي القعدة رغم أنهم مفردون وفي ذلك مشقة عليهم في لبس ملابس الإحرام عشرة أيام متواصلة، رغم أن حجاج الوكالات لا يزال بعضهم في المدينة المنورة، مستمتعين بظلال الجوار النبوي وبما أباح اللهم وسهل من تيسير الأمور.
ولقد أبلغ الحجاج الوزير استياءهم من هذه الأعمال غير اللائقة به كرجل علم وممثل لحكومة، فلم يصبر على سماع الحق فولى هاربا أمام صيحاتهم المنددة وصرخاتهم الغاضبة. كانت تلك المرحلة المدنية من المعاناة بما سبقها من المعاناة متبوعة بمرحلة مكية، تحسنت فيها ظروف الإعاشة قليلا وساء ما سواها.
وفي مكة المكرمة، كان ثمة باب أخرى من الإساءة وسوء المعاملة تمثل في أن السكن لم يكن كافيا لاستضافة جميع الحجاج، فبات بعضهم على العراء مفترشا أرضيات العمارات المؤجرة، في مشهد موريتاني أصيل ظلت وزارة الشؤون الإسلامية وفية له محافظة عليه.
وإذا ما صعب السفر وساء السكن، كان الحجاج على موعد مع سوء آخر في الغذاء المقدم، كان لسان حال وزارة الشؤون الإسلامية يخاطب الحاج الموريتاني من خلال تلك الوجبات السخيفة: ذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا، وكان لسان حال الحجاج يردد : ربنا من قدم لنا هذا فزده .........
إن كل هذه المآسي المتكررة دفعت الحجاح إلى الاحتجاج على وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد أهل داوود، فأولاهم الصماء من أذنيه، ولم يتغير شيء من مما ساء بل ازداد سوء كل يوم. ولم يكن الوزير أكثر من صهر القوم الذي لا يرسل لهم مودة ويحول بينهم وبين مودات الآخرين، حيث أصدر قراره ونفذه فعليا بمنح الدعوة والنصح بين صفوف الحجاج الموريتانيين ومنع العلماء والأئمة والدعاة من الجالية الموريتانية في المملكة من تقديم أي درس للحجاج في سلوك فرعوني لا سابق له ولولا عناية الله تعالى وعون الجالية الموريتانية في المملكة العربية السعودية وما أسدت من خدمات جليلة للحجاج الموريتانيين لكان الوضع أسوء مما كان عليه ولكانت الصعوبات أكثر تراكما.
إن كل هذه المظاهر تعكس فلسفة ثابتة لدى القائمين على ملف الحج قوامها إهانة الحاج وتشويه سمعة البلد في كل موسم من مواسم النفير إلى البيت العتيق.
فمتى يتحسن الظرف ومتى يعي المسؤولون أنهم مبعوثون ومسؤولون وأن الحجاج والوطن يستحقون عليهم خيرا من هذا. متى يفيق القائمون على وزارة الشؤون الإسلامية من سكرة الطغيان، ومتى يعرفون أن البيت العتيق حرم الله الآمن الذي لا يصد فيه عن دعوة ولا يمنع توجيه. متى يعون أن الفساد والظلم ليس أحسن رفيق للحج وأن جمع المال من الفقراء الموريتانيين الذين اقتطعوا لسنوات من رغيق قوتهم ما ادخروه لرحلة الأشواق إلى البيت العتيق سيكون وبالا دنيويا وأخرويا.
وإلى أن يعي أولئك تلك المسؤولية... ليس لنا إلا أن نجأر لله بالتلبية والتكبير ..لبيك اللهم لبيك ..لبيك يا عظيم الفضل أبرم لهذا الوطن أمر خير يعز فيه أهل طاعتك ويرتفع فيه الظلم والغلول عن عبادك.
السالك ولد السالك، من حجاج الموسم الحالي.