إسهاما منا في التعقيب علي ما أثير من إشكال في حلقة نقاش حول موضوع : التغطية الإعلامية للمحاكمات بين موانع القانون و احترام أخلاقيات و أدبيات المهنة .
نظمها المركز العربي الإفريقي للإعلام و التنمية بمقره وسط العاصمة ضمن مساعيه الدؤوبة في إثراء الساحة الفكرية و الثقافية عبر التعاطي مع القضايا الوطنية والشأن العام سبيلا في إنارة الرأي العام الوطني .
أدار النقاش بكل اندفاع و مهنية مدير المركز النقيب السابق لنقابة الصحفيين الموريتانيين
الأخ محمد سالم ولد اداه، كما تم إنعاش الحلقة و إشباع الموضوع نقاشا و تحليلا و تمحيصا و برؤي مختلفة من طرف أساتذة و إعلاميين مقتدرين كل من موقع تخصصه و من داخل فضائه المهني و إبراز الموقف القانوني و مخاوف المشرع الموريتاني من هكذا خطوات و انعكاس ذلك علي مهام الحقل الإعلامي و مصالح هيئة الدفاع .
و المشاركون علي التوالي هم :-
‐ نقيب المحامين ابراهيم ولد ابتي.
‐ الإعلامي البارز الهيبة ولد الشيخ سيداتي مدير موقع الأخبار .
‐ الأستاذ و المحامي الصاعد محمد المامي ولد مولاي اعل.
بالإضافة الي مداخلات قيمة علي مستوي النقاش من بعض الحضور شكلت إضافة نوعية في إثراء النقاش و توسيع دائرته .
في حين يري البعض أن من إيجابيات التغطية الإعلامية للمحاكم هي إشاعة الثقافة القانونية داخل المجتمع من خلال نشر إجراءات الدعاوي و بعض القضايا المعروضة أمام المحاكم و سرد بعض تفصيلاتها و وقائعها و احداثها و استطلاع آراء المحامين و القانونيين إزاءها .
كما ان هذه المكاشفة الإعلامية ستخلق قدرا كبيرا من المصداقية لدي الجمهور اتجاه هذه المحاكمات و المرافعات الشئ الذي يؤكد جليا أن هذه الدعاوي هي محط إهتمام الرأي العام.
تعد التغطية الإعلامية بالصوت و الصورة مطلبا أساسيا و جوهريا في إطار المحاكمة العادلة
و جعل الجمهور جزءا من الحدث ، علي غرار ما يحدث في محاكم بعض دول المحيط الإقليمي و الدولي حيث أن الصورة تكون أحيانا في بعدها الثلاثي أصدق انباءا من غيرها.
نتيجة لما أحدثته من ثورة في تقنيات الإعلام و تأثيراتها الكبيرة في محيط مشاهديها،حيث تشكلعلنية إجراءات المحاكمة واحدة من أهم ضمانات الخصومة الجنائية إذ تتيح للجمهورإمكانية الرقابة علي أعمال القضاء ،تحقيقا للغاية التي تواخاها المشرع وهي تدعيم الثقة في القضاء والإطمئنان إليه .
إلا أن نشر إجراءات المحاكمة و التعليق عليها شكل جدلا قانونيا كبيرا تباينت بشأنه مواقف التشريعات الجنائية حيث أصبح الإعلام بمختلف و سائله و آلياته الذاتية في تناول أخبار المحاكم و تغطية إجراءات المحاكمات و خاصة ان الأمر تطور إلي أن أصبح من المألوف في أجزاء من العالم متابعة تغطيات إعلامية لقضايا منظورة أمام المحاكم بالصوت و الصورة .
لكن الإشكالية في حجم التأثير إثر المخاوف القائمة حينما يقوم الإعلام بتصوير متهم بقضية ما علي أنه المجرم و الفاعل الحقيقي مما قد يحول الحادث العارض إلي قضية رأي عام في ظل غياب الإعلام المتخصص و ضعف وقلة الخبرة و انعدام المهنية مما سيكون له التأثير علي قناعة القضاة و زعزعة مواقفهم مراعاة لضرورة التوازن بين حرية الإعلام من جانب و الحقوق المتصلة و المرتبطة بحسن سير العدالة من جهة أخري.، حيث أن من بين الإشكالات في التغطية الإعلامية انتهاك خصوصية الضحية عبر ألتقاط و تتبع صورها و معلوماتها و التنقيب عن ما يمكن استخدامه في ضوء تعميق البحث و رصد المعلومة.
بينما حاولت التشريعات الجنائية وضع ضوابط توفيق منطقي بين هذه الحقوق وتلك الحريات.
فلايجوز التضحية بحسن سير العدالة حتي لا تهتز الثقة بالقضاء و التي يتوقف عليها شعور الناس في المجتمع بالأمن و الطمأنينة و الإستقرار .
فإذا كان مبدأ حرية الصحافة و الإعلام يجيز لممثلي و سائله المختلفة حضور جلسات المحاكمة و نقل أحداثها و وقائعها للجمهور فإن الحق في المحاكمة المنصفة و العادلة يقتضي ضمان الشروط التي تجعل مجري و مسار المحاكمة بعيدا عن أي عوامل خارجية قد تؤثر علي
حسن سير الجلسة و علي سلوك الشهود أو الدفاع أو القاضي.
من المفارقة أن نجد في سياق المسار التاريخي لقضائنا و عدالتنا ذكر تغطيات إعلامية و شبه محاولة شملت محطات من محاكمات في مراحل متباينة من قيام الدولة المركزية لعل أبرزها
محاكمة مابات يعرف حينها بمحاكمة ( أعمارت النعمة ) او محليا محاكمة ( أماعلي ) 1962 م.
بانواكشوط والتي تم نقلها و تغطيتها مباشرة عبر أثير الإذاعة و مكبرات صوت وسط ساكنة تعد علي أصابع اليد الواحدة و إعادة تكرار حلقاتها علي مسامع المستمعين داخل وخارج الوطن مرات عديدة.
قبل مرتنة قطاع العدل كليا بحكم النقص الكبير الحاصل في العنصر و الكادر البشري المختص في شأن القضاء حينئذ .
ليتكرر نفس الشئ مع محاكمات 1987 م العسكرية خلال عهود الأنظمة الإستثنائية حيث تقرر السماح في البداية بالتغطية الإعلامية خلال محاكمة عسكرية بالصوت والصورة لكن سرعان ماتم لاحقا وأد مشروع التغطية و منعه و إتلاف محتواه.
تأسيسا علي ما سبق و انتظارا لتجاوز العوائق القانونية المانعة دون التغطية .
فإن الجميع يتطلع إلي ما سيعزز و يضمن من نجاعة و عدالة وشفافية منظومتنا القضائية في ظل دولة القانون والمؤسسات.
حفظ الله موريتانيا.
اباي ولد اداعة.