في الوقت الذي اختتمت فيه الصين مؤتمرا للسلام في القرن الإفريقي وواصلت ضخ المزيد من الاستثمارات، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد أكملت تعيين مبعوثين جدد للمنطقة؛ وسط تنافس دولي محموم حول هذه الجهة من القارة السمراء
وبعد ذلك، جاءت جولة واسعة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وهو ما يعكس جانبا من الاستقطاب الأمني الاقتصادي الاستراتيجي الدولي الحاد حول منطقة القرن الإفريقي الموغلة في الفقر والغنية بالموارد.
ويؤكد مراقبون أن ثلاثية الأمن والفرص الاقتصادية والموقع الجغرافي الاستراتيجي تعكس طبيعة الصراع الحالي حول تعزيز النفوذ الدولي في المنطقة.
ووفقا للصحفي المهتم بالقرن الإفريقي، عبد المنعم ابوادريس، فإن التدافع نحو المنطقة يأتي مدفوعا بالحاجات الجيو - اقتصادية والجيو - أمنية، لتأمين مستقبل ما بعد النفط والتهيئة المسبقة لنزاعات مستقبلية محتملة.
ويقول أبو إدريس، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن التنافس الدولي على منطقة القرن الإفريقي له طبيعتان الأولى مرتبطة بالموقع الاستراتيجي للمنطقة وتأثيرها على أمن التجارة البحرية، والثانية هي الهمية الاقتصادية.
ويرى ابوادريس أن هذا يفسر كثافة التواجد العسكري للدول الكبرى في جيبوتي وإرتيريا والصومال؛ لافتا إلى أن القلق ناجم عن تدخل بعض القوى في الصراعات الداخلية؛ سواء على مستوى الدول أو الإقليم؛ وهذا التقاطعات تؤجج هذه الصراعات.
حضور صيني كبير
ويضيف أبوادريس أن الطبيعة الاقتصادية تتجلي في الوجود الصيني الكبير، لأن المنطقة معبر مهم لمشروعها الاستراتيجي (الحزام والطريق)، كما أن حجم استثماراتها بلغت في العام الماضي، 30 مليار دولار تستحوذ إثيوبيا على النصيب الأكبر منها.
ويضيف أبوادريس: "خلال الثلاثة سنوات الأخيرة عادت للمنطقة روسيا في محاولة منها لخلق مناطق نفوذ بالاستفادة من الأوضاع السياسية في هذه الدول وعلاقاتها المتوترة أحيانا مع الولايات المتحدة الأميركية. ويتبلور ذلك من موقفها في الصراع الإثيوبي كما أنها استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في إرتيريا".
وفي ذات السياق، يشير عبد القادر محمد علي يشير، الباحث في قضايا القرن الإفريقي إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد تنافس القوى الدولية والإقليمية على منطقة القرن الإفريقي وبأشكال مختلفة؛ بعضها ايجابي والآخر سلبي.
ويشير بشير لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أثر إيجابي لهذا التنافس، مثل تمويل مشاريع بنية تحتية ضخمة تعجز دول المنطقة عن تمويلها بقواها الذاتية، ويوضح "لمثل هذه المشاريع أثر استراتيجي بعيد المدى ولا سيما أنها تركزت في البنى التحتية".
وفي الجانب الآخر، هناك اثر سلبي يتمثل في زيادة حدة الاستقطاب داخل الدول وعلى المستوى الإقليمي أيضاً، والانخراط في محاور إقليمية ودولية تزيد من المخاطر السياسية التي تعانيها دول المنطقة شديدة الهشاشة، بحسب الباحث.
وبعيدا عن الفوائد والأضرار، يبرز سؤال جوهري حول طبيعة التنافس والاجندات في ظل الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للقرن الإفريقي خصوصا بالنسبة لروسيا وأميركا.
وفي هذا الإطار؛ يرى متابعون أن الدور الأميركي في منطقة القرن الأفريقي شهد تراجعاً كبيراً خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو ما أسهم في خلق مزيد من فرص التقدم للنفوذ الصيني والروسي.
ثم جاء اهتمام إدارة بايدن بالقرن الإفريقي وتعيين مبعوث خاص للمنطقة، في إطار مواجهة أوسع وصراع على النفوذ الدولي، إضافة إلى المخاطر التقليدية المرتبطة بالإرهاب وعمليات القرصنة البحرية عند مدخل البحر الأحمر، فيما يقال إن المنطقة شهدت تراجعاً في ملفات الاستقرار والحريات وحقوق الإنسان.
ويقول ميتا عالم كبير المحللين السياسيين في إثيوبيا والقرن الإفريقي لموقع "سكاي نيوز عربية"، "أدى تحول السياسة الخارجية للولايات المتحدة من مكافحة الإرهاب إلى التنافس بين القوى العظمى وقلة اهتمام إدارة ترامب بإفريقيا إلى فتح فرصة جديدة لروسيا لاستعادة طموحها المفقود، وشجع الصين على الظهور كنموذج تنمية بديل رئيسي للغرب وداعمًا للتحديثات الإفريقية، خاصة في البنية التحتية والتكنولوجيا الرخيصة.