من أجل مجتمع حر

أخي القارئ،
اعمل واجتهد على أن يكون لك رأيك الحر،
كيف ذلك؟
أن يكون لك رأيك الحر يعني أن"تخلق" و"تنشئ" و"تصيغ" رأيك أنتَ، الخاص بكَ، يستند إلى عقلكَ و معرفتكَ و خبرتكَ، وليس على التبعية لغيرك. إن رأيك ينبغي أن يعبر عن حكمك أنت، وشعورك أنت، وتصورك أنت، وحقيقة ما تفكر به أنت حول موضوع معيّن، لا ما يفكر به غيرك. إن من حقك أن تملك رأيا، وحين تملك رأيا فإنك تحقق إنسانيتك و استقلاليتك بذاتك.
- من أين تأتي آراؤك؟
إنها تأتي أولا من البنية الأسرية والتعلم منها، ثم تأتي من محيطك القريب وبيئتك الاجتماعية. قد يعتقد البعض أن التمايز أو القطيعة مع الأسرة تحدث لا محالة في مرحلة المراهقة؛ ولكن دراسات وأبحاث عديدة حول "الأسرة والنزاع والسياسة" توصلت إلى أن حوالي 15٪ فقط من الناس في العالم يصوتون ضد والديهم: مثل التصويت على اليسار في عائلة من اليمين، أو العكس. وتوصلت دراسات أخرى إلى أن نسبة 75٪ من الشباب يصوتون مثل آبائهم. (المرجع: آن ميكسل). إن صح هذا عن أوروبا وأمريكا، فما بالك بالمجتمعات التي لا هوية فيها للفرد ولا تعريف دون أسرته وقبيلته؟
باختصار، تُظهر هذه الأرقام أن آرائك السياسية، ليست لك وحدك، إذ أنها ليست خاصة بك. لا بد لك من التحرر والابتعاد عن التحيزات لتشكيل رأي خاص بك في قضية ما، بطريقة مدعومة بالتفكير المنطقي والتبصر والتعقل.
- لكن كيف يمكنك ذلك؟
يمكنك من خلال التعلم والقراءة والحصول على المعلومات والمناقشات والحوارات وفتح عقلك على آراء الآخرين ومحاولة فهم طريقة تفكيرهم وسبب تعارضها مع طريقة تفكيرك. لا بد لك أن تعلم نفسك، وتطلع على آراء مختلفة ومتناقضة، وتحاول فهم كل حجة ودليل وتحليل مقدم إليك وتتحقق من مزاياه وأضراره المحتملة. لا تتعجل! إن آراء هذا الفريق أو ذاك قد تكون صائبة، وقد تكون خاطئة. وقد يكون بعضها إيجابيا وبعضها سلبيا؛ الشيء المهم هو أن يكون لديك عقل متفتح وأن تكون مستعدًا لقبول وتصور الرأي الآخر متى اقتنعت به. اسئل نفسك مثلا: في هذا الملف أو الموضوع، ما هي الحجج الأكثر وجاهة وسلامة وخدمة للناس؟ واعلم أن دفاعك عن الموقف الذي تتبناه سيكون أسهل عندما تكون على دراية جيدة به وتعرف بالضبط لماذا تتبنّاه ولماذا تدافع عنه دون غيره من المواقف.
- من المهم أيضًا أن تتذكر أن الأسباب التي دفعتك إلى اتخاذ موقف معين قد تتغير بتغير الظروف. وتعرف في نفسك أن رأيك و موقفك من أشياء كثيرة ومواضيع شتى قد تتغير مع الزمن. لذلك، حذاري من الجمود والتعصب، عليك بمراجعة نفسك والتشكيك في مواقفك من حين لآخر، حتى ولو كنت مقتنعًا بأنها كانت "صحيحة" في وقت معين.
- قراءة الصحافة ومتابعة الأخبار وسماع الآراء المتعارضة والمتناقضة هي أيضا طريقة جيدة لصياغة رأيك؛ فهي تسمح لك بتطوير حجتك والخروج من طوق "الموافقة" و"الامتثال" الذي تحيطك به البيئة الاجتماعية، ويحجب عنك الرأي المعاكس.
- وأخيرًا، أنصحك بالتزام التأني والتروي والكياسة. ليس بالضروري أن يكون لك رأيك في كل مسألة. وإذا كان لك رأيك فليس بالضرورة أن تبديه. وإذا أردت إبداءه فليس بالضرورة أن تبديه لكل أحد، وعلى كل المنابر، وفي كل المناسبات. لا شيء يفرض عليك أن تتكلم في كل شيء، وأن تملك رأيا في كل شيء، بل من المستحيل أن تملك رأيا في كل شيء. غالبًا ما يكون الأشخاص الذين يتكلمون في كل شيء ولديهم رأي في كل شيء … أشخاصا لا رأي لهم في شيء.