وأما أنا ..
التاريخ : الاثنين 18 يوليو 2022 م
تشرفتُ بأن زارني في المنزل يوم أمس الأحد أخي في الله زين العابدين بن الشيخ سعد بوه بن الشيخ التراد بن العبّاس وهو مؤلف كتاب " الشيخ التراد في أعين الشعراء ". وخلال هذه الزيارة تذاكرنا حول جده الشيخ التراد وعلاقته الحميمة بالعلامة محمدُّو السالمْ ولد الشين ومدى التقدير الكبير الذي يكنه له الشيخ .. ومن ذلك أن المريدين في الحضرة الترادية جرى بينهم مرة نقاش حول معنى كلمة مُبهمة في اللغة العربية وكان ذلك بحضور الشيخ التراد نفسه .. وبينما هم كذلك إذ أبصروا ضيفا قادما ينيخ جمله على مرأى منهم ، فإذا به العلامة محمدُّ السالم ولد الشين !عندئذ تهلل وجه الشيخ التراد وقال لأحد تلاميذه : ألحق بالشيخ محمدُّ السالمْ حيثُ هو و اسأله عن معنى الكلمة موضع النقاش ! ولما عاد المريد بالجواب الحاسم في الموضوع واطمأنت له نفس الشيخ، قال أحد الحاضرين : أما القاموس فيقول كذا .. عندئذ ردّ الشيخ مستغربا :" أقول لك قال الشيخ محمدُّ السالمْ ولد الشين وتقول لي : قال القاموس !
ويُروى أن الشيخين كانا يتذاكران يوما في البيتين الذين ردّ بهما الشيخ سيديّ باب على رسالة الشيخ محمدُّ بن حبيب الرحمان المشهورة وهما :
كلام الآولياءِ لست أفهمُ
لأنني أنا أنا و همْ هـمُ
لاسيما أهلُ المقامات العُلى
قد جُذِبُوا في حضرة المولى عَلاَ
وهنا ارتجل محمدُّ ولد الشين هذا البيت تذييلا للبيتين وملاطفةً لجليسه الشيخ :
لكنما معرفةُ الوليِّ
أصعب من معرفة العليِّ !!
وقيل إن الشيخ التراد ما فتئ يضحك من تلك الملاطفة كلما تذكرها !
وبالمناسبة حدثني ذو ثقة قال :" كنت ذات يوم مع لمرابط بداه بن البوصيري عند أبيظ الماء، فسألتُه عن سبب رد الشيخ سيدي باب بهاذينِ البيتين فقط على رسالة الشيخ محمدو ول حبيب الرحمن.
فما كان منه إلا ان سردها علي و لم أفهم منها شيئًا.ثم قال لي بعد ذلك :" ذيك الرساله امن اكلام أهل الحقيقه ما تنفهم ، حد جاوبها ما يسلك و حد ما جاوبها أطم.ولكن باب عاقل ؤ متكايس فاقتصر على الرد بالبيتين المذكورين "!
قال : و علق لمرابط بدّاه بقوله:
"يلكان باب وگفْ عند البيت لول، إعود ذاك تزويزَ ماه ياللَّ، يغير امنين ج ذاك البيت الثاني عاد ذاك اعتراف و تأصيل لما ورد في الرسالة"!
هذا و في نهاية المجلس الماتع أتحفني زين العابدين برسالة بخطِّ الشيخ التراد بن العبّاس يوجهها إلى خاله وشيخه الشيخ محمدْ المختار بن محمدو بن امبالَّه رحم الله الجميع وهي جوهرة نادرة حقا شكلا ومضمونا !
ويسعدني أن أتقاسم معكم بعض المقاطع المفيدة الواردة في هذه الرسالة المفيدة :
" بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على النبي الكريم
وبعد فالسلام الأسنى والتحية الحسنى من العبد الضعيف الراجي لطف ربه اللطيف التراد بن العباس غفر الله لهما إلى أبينا وقرة أعيننا وخاصتنا شيخنا الشيخ محمد المختار قضى الله لنا وله سائر الأوطار.
هذا وليكن بكريم علمكم أني لست بوهابيٍّ ولا داعٍ إلى مذهب الوهابية ولا مقلد لهم في عقيدة ولا عمل ولا أصل ولا فرع ولا نازلة ما".
————-
"وأما الوهابية أصلحهم الله، فإن غايةَ أمري فيهم أنهم عندي في جملة المسلمين ، يصيبون ويخطئون متأولين، لا أني أقتدي بهم غربوا أم شرقوا. ولهم مخالفون منتقدون، ولهم موافقون معتقدون، والكل في غاية الكثرة. وقد نُشِرَتْ الأقوالُ المتضاربةُ في حقهم في هذا الوقت ، واللهُ أعلم بأحوالهم وحقائقهم. إن أحسنوا فلهم، وإن أساؤوا فعليهم، وما ربك بظلام للعبيد.
وأما أنا فما عليَّ منهم، إن كانوا على الحق فإني غنيٌّ بحقي عن حقهم ، وإن كانوا على الباطل فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا.
———
"أما التتلمذ فإن الله تبارك وتعالى جعلني في قسمة عمي وشيخي شيخنا الشيخ سعد بوه، بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه.بايعته في الله، وصحبته على اسم التتلمذ، ولازمته سنين حتى خلَّفتي على طريقته، وشهد لي ولله الحمد بما شهد لي به ، وصرت في حالة أقامني الله فيها لا أصلح معها لصحبة أحد على رسم التتلمذ ، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
وأما صحبةُ التبرك والموالاة والاستفادة، فإني بهذا المعنى في صحبة كل وليٍّ وعالم ومؤمن بالله تعالى".
—————
"وأما الاعتراضُ، فإني ولله الحمد لم أعترض على الأولياء الذين اشتبهتْ أحوالُهمْ على الناس ، وتباينت المذاهب فيهم ،كالحلاج وابن عربي وابن الفارض وأضرابهم. فإني أواليهم وأحسن بهم الظن، وأميل إلى أحسن قول فيهم. وهذا مذهب آبائي ومشايخي ، لا سيما الشيخ سيد أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه ومثواه. فإني ممن أحبَّهُ غايةً ووالاه، ويعجبني قول ابن محمدي رحمه الله:
شيخ تميزه مزايا كلما
ذُكِرَتْ يطأطئ رأسَهُ من أنصفا !
—————
وأما الحديث الذي أرسلتم لنا جزاكم الله عنا خيرا، فنحن موقنون مؤمنون به وبكل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا نردُّ من ذلك شيئا إن شاء الله ولا نصادمه بما في المنظومة:
ولا تغال فيهم................
إلخ البيتين
لأن معنى ذلك نهيُ العامة عن الحكم على أحدٍ بعينه بهذا الوصف. فإنا نعتقد أن لِلَّهِ عباداً يغبطهم الملائكة والأنبياء والشهداء ولا نعلم أعيانَهمْ. وهكذا في كل من لم يرد النصُّ في تعيينه كما مرَّ، إلا إذا كان من يقول ذلك راجعا إلى كشف صحيح من الآحاد الذين حفظهم الله في كشفهم من الغلط والتلبيس فقد يُسلَّمُ له ذلك".
"اللهمَّ سلِّمْ سلِّمْ".
——————
واعلموا أنا ما كتبنا هذا إلا مساعدةً لكم واستئناسا بمخاطبتكم:
ولست أبالي من زماني بريبةٍ
إذا كنتُ عند الله غيرَ مُرِيبِ !
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
ولا تنسونا من صالح دعائكم ومسامحتكم فإنا على العهد القديم والبنوة والتتلمذ إن شاء الله تبارك وتعالى".
—————-
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ
رحم الله السلف وبارك في الخلَف
صفحة محمدن سيدى بدن