هل يعتبر سر الحرف من السحر الذي هو كفر ؟ وهل يعتبر من يتعاطي أسرار الحروف وخواصها والأوفاق وهندستها كافرا ؟
ما الحكم الشرعي في الرقيا والتداوي بأسرار الحروف والجداول وتقطيع الحروف؟ وماحكم الطلاسم المعجمة التي لا يفهم معناها؟
أسئلة يطرحها البعض في الغالب ويتصدى للإجابة عنها غير المختصين فيأتون بأجوبة ليست في التحقيق من شيء، والحق أنه لا ينبغي أن يسأل عن العلوم الخاصة غير أهلها فالله يقو : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وأهل الذكر هم أهل الإختصاص في كل فن، كما لا يجوز لغير أهل الإختصاص الخوض فيما لا يحسنونه لقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقوله (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)
ذكرني بهذا الموضوع ادعاءُ المسيئ الحسن بن سليما ومن لف لفه أن مشايخنا الكبار مثل شيخنا حماه الله والشيخ ماء العيين وغيرهما كانوا يتعاطون السحر والشعوذة والدجل والعياذ بالله وهم كفار في نظر هؤلاء التكفيريين باعتبار أنهم حسب زعمهم قد ألفوا كتبا في أسرار الحروف والجداول وذلك من السحر الذي هو كفر!
وأنا أود في هذا السياق أن أصحح معلومة مغلوطة ومفهوما خاطئا لدى هؤلاء وليس لكوني أدعي معرفة هذا العلم أو التخصص فيه بل أكتب هذا التوضيح انطلاقا من كوني قرأت عن هذين الشيخين الجليلين ووقفت على بعض الكتب المسنوبة إليهما، وكذلك قرأت الكثيرة من الكتب المؤلفة والفتاوي المحررة في موضوع الأسرار وتبين لي حقيقة الفرق بين علم اسرار الحروف وبين السحر ووقفت أيضا على فتاوي تبين الحكم الشرعي بجواز استعمال أسرار الحروف والجداول للتداوي من السحر والعين ومس الجن وجلب المنافع ودفع المضار.
أما المعلومة المغلوطة التي أود تصحيحها فتتعلق بكتاب "فتح الرحمن فيما يحتاجه كل إنسان"(الصورة) 1 الذي ينسبه التكفيريون لشيخنا القطب الرباني أحمد حماه الله بن محمد بن سيدنا عمر التيشيتي فأقول إن هذا الكتاب ليس من تأليفه بل هو تشابه في الأسماء ونسبته لشيخنا حماه الله تبين ضعف تحقيق هؤلاء التكفيريين وبيان ذلك أن مؤلف هذا الكتاب هو أحمد حماه الله الفاضلي من آل الشريف عبد المؤمن التيشيتي التيجاني (الصورة ) 2
وقد هاجر إلى دولة السودان وعاش بها حتى مات ودفن هناك.
وشيخنا حماه الله معروف بأنه هو أحمد حماه الله بن محمد بن سيدنا عمر من آل محمد بن سيدي اشريف التيشيتي وهو شيخ الطريقة الحموية التيجانية التي أسسها بمدينة انيور، والحق أنه لم يؤلف كتابا باستثناء مجموع صغير ضمنه صيغا مأثورة من الصلاة على رسول الله صلى عليه وسلم كما في كتاب دلائل الخيرات للإمام الجزولي، ومن المعروف عن هذا الشيخ أنه كان منقطعا في عبادة ربه وتزكية نفوس أتباعه ودلالتهم على الله ومنشغلا بشؤون التربية الروحية عن تأليف الكتب في الأسرار، بل كان يرى أن الاشتغال بالأسرار والكشوفات والكرامات من القواطع التي تقطع العبد عن ربه تعالى ولذلك كان يربي اتباعه بذكر الله والصلاة على رسول الله فحسب ويرى أن ما سوى ذلك مضيعة للوقت.
أما المفهوم الخاطئ عن الأسرار لدى اتباع السلفية الوهابية فأقول إن أسرار الحروف والأعداد والجداول والرقيا بهم ليس هو السحر الذي ذكر الله أنه كفر (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) أما أسرار الحروف والأوفاق فهو علم برع فيه أيمة كبار من علماء الأمة وألفوا فيه الكتب مثل الإمام الغزالي المتوفى 505 هجرية.
والبوني والسيوطي إلى هلم جرا حتى عصر الشيخ سيد المختار الكنتي وابنه الشيخ سيدي محمد والشيخ محمد فاضل ولد مامين وابنه الولي المجاهد الشيخ ماء العينين، أما حقيقة هذا العلم فتقوم على معرفة خواص الحروف والأعداد التي أودعها الله فيها وخواص الآيات القرءانية وسمي بالسر لأنه سر من اسرار الله تعالى التي لم يكشفها إلا لخواص عباده أما العوام فلا شأن لهم بمعرفتها.
أيمة هذا العلم من اهل التقى يستعملونه فيما ينفع ولا يضر مثل الرقيا من مس الجن والعين والسحر ودفع الأرواح الشريرة وعلاج الأمراض المعضلة فتشفى بإذن الله تعالى وفي هذه الحالة أباح العلماء تعاطيه.
أما إذا استخدمه بعض المبطلين من أهل الأهواء والأغراض الفاسدة فيما لا يرضي الله للإضرار بالآخرين فلا شك أنه لا يجوز بل يصبح من علوم الشر التي منها السحر.
ولهذا السبب قام أكثر الأيمة الكبار المتخصصين في هذا العلم بطلسمة ما يتعلق منه بالشر في كتبهم أي قاموا بتعميته "كوداوه" وسموه بالسر حتى لا يقع بأيدي غير أهله من أصحاب الأهواء والأغراض فيستعملونه للإضرار بالناس.
أما حكم استخدام الأسرار فهو مباح من حيث أن الأصل في الأشياء هو الإباحة ما لم يرد نص قطعي في النهي عن استعمالها، وعلم اسرار الحروف والجداول هذا يشبه في نظري علم أسرار العلوم الذرة والتركيبات الكيمياوية التي يصنع بها السلاح النووي الفتاك والأدوية التي تنقذ البشرية من الأمراض الفتاكة، فالكل علوم من أسرار الله في خلقه وسخرها لبعض عباده وكشف لهم عن خواصها عن طريق التجارب والممارسة، ولله في خلقه شؤون.