مقتطف من مقدمة المواق..
التاريخ : الاثنين 20 يونيو 2022م
وصلتني من أخي في الله محيي الدين بن أحمد سالك بن ابُّوه نسخة من كتاب المواق : التاجُ والإكليلُ شرح مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي ..
تأليف الشيخ محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي المالكي المتوفّى في سنة 897 هجرية.
راجع الحديث الشيخ اليدالي بن الحاج أحمد اليعقوبي الشنقيطي وكتب المقدمة الدكتور محمد ببّاه بن محمد ناصر .
الناشر : دار الرضوان لصاحبها أحمد سالك بن محمد الأمين بن ابُّوه . انواكشوط - موريتانيا . الطبعة الأولى - 1443 هجرية / 2022 ميلادية..
وقد استوقفتني في مقدمة هذا الكتاب الفقرة التالية :
" وقد حلّت بهذا المذهب ( يعني المذهب المالكي ) محنٌ كبيرة في القرن الرابع الهجري فقُتِل وعُذِّب كثير من العلماء الذين حرصوا على التمسّك به ، وذلك من لدن بعض الحكام في تونس ومصر . ولم تسلم كتب المالكيين ولا المالكييون أنفسُهم من طغيان بعض أصحاب السلطة في القرون اللاحقة . ففي القرن السادس أُحرِقت بعض أمهات كتب المذهب المالكي من جديد ، كمدونة سحنون والواضحة لابن حبيب ونوادر ابن أبي زيْدْ القيرواني ومختصره والتهذيب لأبي سعيد البرادعي ، والجامع لابن يونس ( ت 451هجرية ) ... حصل ذلك في عهد الموحدين وادعوا أنهم بذلك يحملون الناس على العودة إلى الكتاب والسنة ويصرفونهم عن كتب الفروع وهم في الحقيقة كانوا يرمون إلى نشر المذهب الظاهري والالتزام به ! ".
قلت : انتشرت في الثمانينات من القرن المنصرم بين الشباب دعوة مماثلة جامحة سميَ أصحابها آنذاك بالأصوليين أي الداعين إلى التمسك بالأصول ونبذ الفروع ، فقلت أمازح بعض الزملاء من هؤلاء:
ما لقومٍ أصوليين بزعمٍ
عارضَ الفرعَ تالداً وحديثا
مع جهل الكتاب جهلاً تراهمْ
{لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثَا} !
وبالمناسبة أروي النكتة التالية : عندما ألف الإمام بدّاه بن البوصيري كتابه المشهور "أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك " أهدى نسخة منه لمحمد سيديا بن اپَّا الأبهمي رحمه الله (وهو والد فتية من علية القوم منهم شيخ مقاطعة المذرذرة سابقا محمد سالم بن محمد سيديا الملقب ميمَّاهْ والمهندس محمدن الملقب أدِّ الاطار المعروف في البنك الاسلامي للتنمية في جده حفظهما الله ) وكان قد تعرف عليه من قبل في انيفرار - ولما قرأ ذلك الكتاب بإمعان أفضى إلى الشيخ بدّاه بقولته المشهورة بالحسانية قال محمد سيديا :" آن مانِ عالم ؤلانِ فقيه يغيرْ بعد رفَّاگْ .. مشَّايْ فالرَّفگَ .. ؤ نعرفْ عن آمكاتيرْ في الرفگ عندهم مرحلتينْ ما يِنتژگُ فيهمْ: بداية المرحلْ ونهايتُ .. بدايتْ المرحل بيهم الِّ الدبشْ ما فاتْ اسكنْ أعليهم ؤلا يسكنْ ما فاتُ إلينْ عرگُ وارظعْ أعليهمْ .. ؤُحد انژگهمْ ذاك الوقت واتمرمرُ لاه إطيح الدبشْ بيه ألّ ما فاتْ اتعادلْ فوگهمْ، ونهايتْ المرحلْ بيهم الِّ آمكاتيرْ افتارَ عادُ ذاك الوقتْ يغير طبُّ أتوفْ اعلَ سيْر معيَّن عادُ ماشيينْ أعليهْ وابلا قوّ اتلاوْ الْ شِ فوگُ ؤ عند امنينْ ينژگهمْ الرفَّاگْ إدور منهم مشِ ماهُ ذَ الِّ فاتُ طبُّ اعليهْ إجُ باركينْ ؤ لاَ اتلاوْ إگدُّ إگومُ !!
ومحمد سيديا هنا يترجمُ بأسلوبه الخاص وحكمته المعهودة ما رُوِيَ عن أبي عبد الله محمد بن خلفة بن عمر التونسي الوشتاني الأبّي المالكي المتوفَّى حوالي 827 هجرية ومعناهُ أنَّ ما عليه عامة المسلمين مما وافقَ الشرع بوجه لا يغيَّرُ بمشهور ولا بغيره !
هذا ومعلوم أن الإمام الأكبر بدّاه بن البوصيري رحمه الله قد أقام فترة من الزمن يَدرُسُ و يدرِّسُ في حاضرة انيفرار . ورويت مباشرة من بعض الثقاة أنه سمعه سنة 1982 يتحدث عن تلك الفترة الجميلة من مساره التعليمي فيقول : :" في أيام دراستي المحظرية علمتُ أن في حاضرة انيفرار في منطقة إگيدي من يتقن بعض الفنون المحظرية التي أحتاجها بمستوى معين (المتماتْ) فارتحلنا إليهم ونزلنا معهم في الحيّ ونصبنا خيمتنا بجوار الخيام .. وكنت أتصور أن أجد محظرةً بالمفهوم الذي اعتدته ولكنني فوجئتُ بأن القوم يتبعون في تدريسهم منهجا مغايرا مبنيا على العفوية والبساطة في التعليم .. ولاحظتُ أن العلم يجري منهم مجرى الأنفاس وأنهم يبثونه كيفما اتفق في كل مكان وزمان .. في المسجد و في حلقات الشاي و حول مباريات ظامتْ (اصرندْ )فمكثت معهم ما شاء الله وتحققتْ أهدافي لديهم كاملةً .. قال محدثي : كان بدّاه آنذاك بارعا في القرآن فانتصب للناس مدرساً له وكان قدومه قد صادف شهر رمضان فأم الناس في صلاة التراويح ..وروى لي بعض الانتاج الأدبي الموثق لتلك المرحلة الحاسمة من مسار الشيخ بداه الدراسي .. منها هذه المساجلة بين القاضي أحمد سالم بن سيدي محمد (ديدي علما) و أحمدو بن الولاية وكان الأخير من طلاب الامام بدّاه آنذاك :
قال القاضي أحمد سالم بن سيدي محمد :
ول الولايَ فيك أخير
تم أسمعلِ واللوح أگراهْ
مانك تلمـــــيديَ يغير
اعليك اموصـــــين بداه!
فأجابه أحمدو ولد الولايه بقوله:
نختيرك بوصايت تعمل
بداه إليْن اج بداه
ؤ نسمع كنت اگبللْ يستگبلْ
بداه أنسمـع زاد أراه!
وكان الامام الأكبر بدّاه ينتمي آنذاك إلى " عصر " الوسط المشتهرينَ في المنطقة بالنباهة و العلم و الأدب .
وقد أخبرني العبد الصالح المهندس صالح بن القاضي أحمد سالم بن سيدي محمد (ديدي) أن والده طلب منه مرة بإلحاح شديد أن يرافقه إلى منزل الامام الأكبر بداه بن البوصيري في انواكشوط ففعل و قال إن الامام احتفى بالقاضي أيما احتفاء و عند فراقهما أخلص كل واحد منهما الصفح للآخر وكان ذلك قبل وفاة القاضي بفترة وجيزة !
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ
رحم الله السلف وبارك في الخلَف ..