کتبها الأستاذ : محمد الحافظ محم
ترى من أين نبدأ الحديث عن الشيخ إبراهيم نياس
أين برهام وما برهام حتى فنوا في حبه وهاموا
هل نبدأه من حيث قوله:
بكنزية أو كنت قبل تعارف
تحرك من ذا السر ما كان ساكنا
هناك بدا التشتيت من نحو سره
وعلقت من ذاك الزمان إلى هنا
أم نبدأ من قوله:
ولو صوروني في الحقيقة لم يروا
سوى شخص محبوب به نتمتع
أو من خلال قولته:
فصورة إبراهيم تبقى تذكرا
إذا آب للمولى العلي وتفكرا
هل نبدأ الحديث عن الشيخ إبراهيم نياس الفاني في محبة حبيب رب العالمين وسيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم القائل في حقه:
هوى المصطفى المختار خالط مضمري
وكلي وجزئي فهو سري ومظهري
إذا ضاء ضوء البدر ملت لذكره
وأذكره في كل مرآي ومنظر
وأذكره عند الأغاني وإذا حلا
مذاق فهو عمري مذاقي ومسكري
مرادي كون المصطفى عين عينه
وإلا فموتي فيه شوقا لعنصري
أم أننا سنبدأ حديثنا عن الشيخ إبراهيم نياس الفاني في محبة شيخنا الشيخ سيدي احمد التجاني القائل بشأنه:
معاني أبي العباس افني المعانيا
وأفنت معاني شوقه ذا المعانيا
أبى الشوق إلا أن يكون ملازمي
وطنب حتى صرت سكران صاحيا
وقد غصت بحر الغيب في بحر سره
ولم أك وان لا ولا متوانيا
إلى أن رأيت القطب أحمد أحمدا
وقصر وجود الكون شيد بانيا
أم أننا سنتحدث عن الشيخ إبراهيم نياس بما قال عنه صاحبه سيدي محمد المشري:
تحققت أن الشيخ ظل وخاتم
لأحمد ظل المصطفى وسلالته
به ختم الأفراد من كان غالبا
على أمره في حكمه ومشيئته
فصار بذا عبد الإله وسيدا
وحامل سر الختم من قبل نشأته
وكنها وغيبا لا يقدر قدره
تستر في أوصافه وخلافته
أم أننا سنكتفي بالحديث عن الشيخ إبراهيم نياس بما قال له عنه صاحبه سيدي الشيخان بن محمد الطلبه:
ليس ما قد يقال فيه بمغن
والذي لا يقال ليس يقال
إن الحديث عن الشيخ إبراهيم نياس – كما كتب أخي السيد/ محمد بن الشيخ عبد الله في تقديمه لكتاب "من أخبار الشيخ" لمؤلفه سيدي محمد عبد الله بن السيد بن اكتو شن الصادر سنة 2004- كتب أن الحديث عن الشيخ يتطلب "شجاعة متميزة وثقة نادرة وتوفيقا خارقا لأنها كتابة عن رجل لا يعرف علمه البداية ولا عمله النهاية ولا سجاياه الحدود ولا أخلاقه القيود"..
ميلاده ونشأته :
ولد رضي الله عنه يوم الخميس 15 رجب 1318هـ ( وقيل انها سنة 1320ه ) في طيبة، وهي قرية توجد قرب كولخ في السنغال ، من أبيه الشيخ الأجل الحاج عبد الله بن السيد محمد وأمه السيدة الفاضلة عائشة بنت السيد إبراهيم .
أول من قدم من أجداد الشيخ إلى القطر السنغالي هو الأمير الرضى العربي القادم من المغرب العربي الكبير اتفاقا وتزوج ملكة البلد المسماة "جيل" والملقبة ب"انياس". ومما يجدر التنبيه عليه أن هناك في السنغال لقب "انيص" يختلف لفظا ومعنى وعنصرا وحروفا عن "نياس" التي هي لقب أهل الحاج عبد الله نياس..
ونشأ في حجر والده، وقرأ عليه القرآن حتى حفظه حفظاً جيداً برواية ورش عن نافع وقد ظهرت عليه النجابة في صغره، وبعد أن حفظ القرآن شمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم، المنطوق منها والمفهوم، وبلغ فيها المنى والمراد، وتبحر فيها وتفنن بجميع فنونها .
وتولى تعليمه والده العالم المجاهد الحاج عبد الله بن محمد نياس
وازداد من العلوم والتضلع فيها بهمته العالية وانهماكه المستمر في طلب العلم.
ونبغ رحمه الله في سنٍ مبكرة في التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، واللغة وفنونها، والتصوف، حتى أصبح مرجعاً في ذلك كله .
سلوكه الطريقة التجانية :
نشأ الشيخ إبراهيم نياس في محيط تجاني حيث اخذ الطريقة التجانية عن والده العالم الجليل الحاج عبد الله نياس الذي تولى تربيته وتعليمه .
وللشيخ إجازات كثيرة تزيد على الخمسين وممن أجازه إجازة مطلقة سيدي محمد محمود الشنقيطى التيشيتى والشيخ إذ ذاك في العشرين من عمره ( 1340 ه ) . وأعطاه سيدي عبد الله ولد الحاج العلوي الإذن المطلق عام 1345 ه وحصل فى نفس السنة كذلك على الإذن المطلق من سيدي محمد الكبير ولد محم وفى عام 1349 ه اجازه سيدى محمد سعيد بن الشيخ احمدو بن الشيخ محمد الحافظ واجازه بعد ذلك قاضى القضاة سيدى احمد سكيرج وكذلك الشيخ محمد الحافظ المصرى وغيرهم من اعلام الطريقة التجانية .
وللشيخ ثلاث عشرة إجازة كاملة تامة تحتوي على واحد وخمسين خليفة مصرحا باسمه، مشهورا من أكابر أهل الطريقة تتصل بالختم التجاني رضي الله عنه من طرق ثمانية من أكمل خلفائه المباشرين له وهم: الخليفة سيدي علي التماسيي والخليفة سيدي محمد البناني، والخليفة الشيخ محمد الحافظ، والخليفة سيدي موسى بن معزوز، والخليفة سيدي محمد بن أبي النصر، والخليفة الشيخ عبد الوهاب بن الأحمر، والخليفة سيدي محمد الغالي، والخليفة الشيخ الطيب السفياني..
دعوته:
تصدر لإفادة الخلق قبل بلوغ الثلاثين سنة، وأقبل عليه الناس من أقطار شتى، عرباً وعجماً ينهلون من علومه، وجاء العلماء قبل العوام يستقون من حضرته درر العلوم ويتشوقون لعلوم الرجال وتربية النفوس وتزكيتها، فكان لهم بحراً لا ساحل له ومنهلاً عذباً لا يمل ومركز فهوم لا ينضبه العل
اشتغل رضي الله عنه بإرشاد الخلق وتعليمهم وتربيتهم وأصبحت قريته التي أسسها وسماها (مدينة) قرب كولخ، منارة علمٍ وتربية.
ربى الشيخ أصحابه أفضل تربية وظهرت كفاءته للدعوة إلى الله وبرزت خصوصيته من خلال الفيضة التي تفجرت على يديه وامتدت لتعم الأرض.. وقد اتصف الشيخ بما كان يدعو إليه من البر والجد..
كان أول تحرك روحي من الفيضة التي وقعت على يد الشيخ إبراهيم فى سنة 1348هـ (الموافق 1929م) والشيخ إذ ذاك ابن ثلاثين سنة.
أهداف الدعوة عند الشيخ:
عند انتقال الشيخ إلى مدينه سنة 1349هـ ،حدد للحياة في مدينته التي أقامها أربعة أهداف:
- تعلم العلوم الدينية وتطبيقها
- ذكر الله ومراقبته
- حفظ القرآن وتلاوته
- تصفية القلوب لتتلقى عن سرها عن ربه سلسال التوحيد..
وقد حدد الشيخ أهداف دعوته في مقابلةٍ أجرتها معه صحيفة البلاد السعودية:
- دعوة غير المسلمين للدخول في دين الله وترك الوثنية وغيرها من الديانات الباطلة.
-الجد والاجتهاد في توعية المسلمين ونصحهم وإرشادهم ليزداد المؤمنون إيماناً مع إيمانهم.
-تجنيد كل الطاقات الممكنة لنشر لغة القرآن.
-الدعوة إلى تعميق الشعور بالأخوة الإسلامية.
-ربط الدعوة بالحركات والهيئات الإسلامية في العالم.
-التصدي للقوى التي تسعى لفتنة المسلمين من تبشيرية، مسيحية، ومن صهيونية متسترة وغيرها.
ومن اجل الدعوة إلى الله جاب الشيخ أفريقيا وكل الأقطار الإسلامية، وكثيراً من الأقطار الأخرى ينشر دين الله ويدعو إلى الإسلام بالكلمة الطيبة، ويبث علمه بين الناس ويناظر العلماء للإفادة والاستفادة..
صحب الشيخ :
قدر عدد أتباع الشيخ في مختلف مناطق إفريقيا وخارجها بحوالي ثلاثين مليون.
وقد تتلمذ عليه عدد كبير من أبناء شنقيط من أسرٍ ذات عراقةٍ في العلم والصلاح، وكذا
من كثير من الأقطار الإفريقية و خارجها.
من توجيهاته :
ومن توجيهاته :
بالقيل والقال فلا تشتغلوا
وبصلاة الفاتح القلب اشغلوا
ومنها:
الله قل وذر الوجود وما حوى
إن كنت مرتادا بلوغ كمال
فالغير دون الله إن حققته
عدم على التفصيل والإجمال
وكان يقول لأصحابه ضمن توجيهاته لهم: "نحن السادة الملامتيه شأننا ستر المقامات وترك الكرامات، لا ندعي الدعوى ولا مزية ولا خصوصية، ولا نهتم بخرق العوائد والإخبار بالكشوفات، لأن ذلك حيض الرجال، وإنما المعتبر عندنا الكشف النوراني لا الظلماني، وآياتنا في قلوبنا لأننا ورثة محمديون والوارث المحمدي آياته في قلبه، وهي أن يكون في كل نفس يزداد علما وحالا وذوقا"..
وهو القائل:
والأمة قصدي فيهم ان أسوقهم
الى حضرة البر الرحيم الهنا
وتعلم هل في الخلق أحنى عليهم
مدى الدهر مني والبعيد كما دنا
محبته للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
بلغت دواوين الشيخ وقصائده فى مدح الحبيب المصطفى عليه افضل صلاة وازكى تسليم ما يقارب ستة آلاف (6000) بيت، تضاف إلى ذلك الأنظام والخطب والتوجيهات والرسائل والفتاوى التي ترتكز كلها على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمسك بشريعته والاهتداء بهديه..
يقول الشيخ في إحدى مديحياته للرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام:
تمسك بأذيال النبي متابعا
مذاهبه والمحدثات فلا لا
فتغنيك عن دستور "كرز" وخالد
وتغنيك عن "جون" يروم محالا
فما نبليون أو لينين ومركس
بموحى إليهم خل عنك خبالا
كتاب من الله الجليل جلاله
قديم وباق لا يخاف زوالا
وقد ألف في نصرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام كتابه "نجوم الهدى في كون نبينا أفضل من دعا إلى الله وهدى". أما إذا تعلق الأمر بالمس من مكانة سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه وطريقته فذلك ما يشمر له عن ساعد الجد ويفرغ فيه الجعب ويغضب فيه لله تبارك وتعالى.
ومن قوله:
إنا اعتصمنا بالاله ودينه الــ
ــإسلام والإيمان والإحسان
ونحب أهل الله صفوة خلقه
وما ضرنا هذيان ذي هذيان
اهتمامه بالقرءان الكريم :
للشيخ إبراهيم نياس اهتمامات فائقة بالقرآن الكريم تجسدت في حرصه على تحفيظ القرءان لأبنائه وبناته وكل من ارتبط به، وتشجيع الحفاظ والمقرئين والطلبة على حفظ القرءان.. وكذلك في تلاوة القرءان آناء الليل وأطراف النهار.. يقول في ذلك:
نور بنور الذكر والفرقان
بطنان ذا العبد مع الظهران
فلتجعلن حفظ كتابك الكريم
كرامتي إلى لقائك العظيم
شوقي وحبي فيك لا يشفيه
سوى حلول وارتحالي فيه
ومن ذلك استغاثاته وتوسلاته وفق حروف آيات من القرءان الكريم.
وقام الشيخ بتفسير القرءان الكريم كاملا عدة مرات باللغة العربية وباللغات المحلية.
حجه لبيت الله الحرام :
حج الشيخ سبع عشرة حجة، واعتمر وزار مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك وكانت حجته الأولى عام 1355هـ، وآخر حجة له في عام 1391هـ.
مؤلفاته :
زادت مؤلفات الشيخ على الثلاثين في مجالات التصوف والفقه والنحو والتوجيه لكن اغلبها كان في مدح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومنها :
- كاشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس
- مسرة المجامع في مسائل الجامع
- الخمر الحلال في مدح سيد الرجال
- تيسير الوصول إلى حضرة الرسول
- طيب الأنفاس في مدائح الختم ابي العباس
- روض المحبين في مدح سيد العارفين
- النور الرباني في مدح السيد أحمد التجاني
- روح الأدب لما حواه من حكم وأدب
- نور البصر في مدح سيد البشر
- السر الأكبر والكبريت الأحمر
- تحفة الأطفال في حقائق الأفعال
- الفيض الأحمدي في المولد المحمدي
- تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام
- روح الحب في مدح القطب
- رفع الملام عمن رفع وقبض اقتداء بسيد الأنام
- نجوم الهدى في كون نبينا أفضل من دعا إلى الله وهدى
- تنبيه الأذكياء في كون أحمد التجاني خاتم الأولياء
- وجه التحقيق في كون جامع مدينه هو العتيق
- تحفة أهل الحاضرة بما ينفع الحاج سيما في الطائرة
- الحجة البالغة في كون إذاعة القرءان سائغة
- إرشاد السارين في عدم زكاة هارين
- جواهر الرسائل
- البيان والتبيين عن التجانية والتجانيين
- الجواب الموسع عن نازلة السلم
- كشف الغمة في رفع مراء علماء الأمة في توحيد الرؤية
- رسالة التوبة
- رسالة انيامي
- سبيل السلام في إبقاء المقام
- الصارم الأحمدي في قطع تلبيسات ابن احمذي
- شرح المرهفات القطع.
وقد صدر هذا العام كتاب يحتوي فتاوي الشيخ تحت عنوان "إتحاف السامع والراوي ببعض أجوبة الشيخ والفتاوي" جمعه ونشره الإمام الشيخ التجاني سيس..
مكانته العلمية في العالم الإسلامي:
كانت للشيخ رحمه الله مكانة علمية بارزة في العالم الإسلامي، فقد كان محل التكريم والعناية في جميع الدول الإسلامية، وقد زارها كلها تقريباً، كما زار المجتمعات الإسلامية في الدول الأخرى، وقابل علماء عصره وأفادهم واستفاد منهم....
ومن أكثر البلدان التي زارها المملكة العربية السعودية وزار الشيخ رضي الله عنه مختلف المراكز العلمية والإسلامية في بلاد شنقيط والمغرب وتونس ومصر والحجاز، وباكستان والهند و الصين.
وانخرط في الدعوة في هيئاتها الرسمية،فقد كان:
× نائبا للرئيس ثم رئيسا للمؤتمر الإسلامي بكراتشي.
× عضواً مؤسساً في رابطة العالم الإسلامي.
× رئيسا مؤسسا لمنظمة الإتحاد الإفريقي لدعاة الإسلام
× عضواً مؤسساً في جمعية الجامعات الإسلامية بالرباط.
× عضوا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.
× عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
× عضو في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر.
وغيرها من الهيئات الدعوية الإسلامية.
كما زار القاهرة عشر مرات.
وكانت له صلات قوية بمشايخ الأزهر أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ الدكتور عبد الحليم محمود، وهما رئيسان سابقان للأزهر وقد أكرمه علماء الأزهر بأن لقبوه "شيخ الإسلام" (يقال بأن الشيخ شلتوت هو الذي لقبه بهذه الصفة).
وقد أكرمه مشايخ الأزهر مرة أخرى عندما طلبوا منه أن يؤم صلاة الجمعة في الأزهر، وكان ذلك فى صفر من عام 1381هـ (21/7/1961م)، وبعد صلاة الجمعة علق الشيخ محمد الغزالي على خطبة الشيخ بقوله: " إننا مطمئنون على مستقبل العالم الإسلامي ما دام في المسلمين أمثال ضيفنا العظيم شيخ الإسلام إبراهيم نياس".
والشيخ هو أول إفريقي ينال شرف إمامة المسلمين في الأزهر الشريف.
أقوال أهل العلم عنه:
قيل فى مدح الشيخ ما لو جمع لصار عدة دواوين من ذلك هذه الأبيات من قصيدة للشاعر موناك التندغي :
قطب التجانية الشهير وتاجها
وإمامها وجدوده تيجانها
ذو الرتبة العليا التي تنحط عنها
العارفون ولو سما عرفانها
وبه الشريعة قد تمكن صيتها
وبه الحقيقة قد سما بنيانها
ومن قصيدة للقاضي محمد عبد الله بن المصطفى العلوي الملقب أبوه يمدح فيها الشيخ:
عليه من آيات الخلافة آية
من الله لا تخفى على من تأملا
على وجهه نور من الله ساطع
أبى الله إلا أن يتم ويكملا
تضلع من "عبدين" لله دره
ودرهما الله نهلا ومنهلا
قال الداعية الكبير محمد الغزالي:
" إننا مطمئنون على مستقبل الإسلام مادام في المسلمين أمثال ضيفنا العظيم شيخ الإسلام إبراهيم نياس".
قال العلامة الشيخ محمد محمود الصواف:
" والشيخ إبراهيم نياس هو كبير مشايخ هذا الإقليم، بل هو الرجل القوي الذي يقف بصلابة أمام جميع التيارات المعاكسة للإسلام، وله مقام كبير ونفوذ واسع لدى الشعب السنغالي وبعض الشعوب الإسلامية الأخرى، وقد أسلم على يديه خلق كثير.. ".
قال الشيخ محمد الحافظ المصري بعد أن ذكر عدة أوصاف للشيخ:
" ... وباختصار هو نور هذا العصر".
وقالوا في مدحه كذلك :
قال العالم الرباني الشيخان بن محمد الطلبة الشنقيطي في قصيدة يمدحه بها:
أشمس بدت بالليل طالعها سعد** وما كان شأن الشمس بالليل أن تبدو
ويقول ,أستاذ الجيل, العلامة محمد فال (أباه) بن عبد الله:
رعيت أبا إسحاق والبيت والمسعى ** رياضاً من العرفان طيبة المرعـى
إلى أن يقول:
له ورع قد صير الندب واجبـا ** كما سير المكروه من ورعٍ منعـا
وموعظة لو باشرت جلمدا غدا ** لصولتها الجلمود يستهـل الدمعـا
أيا قارئ القـرآن متقـن فنـه ** وقارئـه عشـراً وقارئـه سبعـا
إلى أن يقول:
وجددت علم الشرع من بعدما عفا ** وكاد ظلام الجهل أن يكسف الشرعا
.قوته في الحق:
كانت للشيخ صلات مع الرئيس جمال عبد الناصر وقد قابله عدة مراتٍ، ، ولما وقعت هزيمة يونيو 1967م وجه الشيخ رسالة إلى عبد الناصر أوضح له فيها المنهج والمخرج الصحيح، وطريق النصر، يقول في الرسالة :
وعلينا أن نسير مع خط النصر (إن تنصروا الله ينصركم)، ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)... فاتق الله يا أخي.. واتبع سبيل قائدك الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول: ( أدبني ربي فأحسن تأديبي) وكان خلقه القرآن...( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)
(فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).... فسر على هذا الخط الذي يسير عليه النصر... ولا بد من الوقوف بباب الله بالتضرع والدعاء ".
الشيخ واللغة العربية:
كان الشيخ كثير الاعتناء باللغة العربية، ومن أهم مظاهر ذلك رفضه إدخال أبنائه إلى المدرسة الفرنسية إبان فترة الاستعمار الفرنسي رغم الضغوط التي مورست عليه من قبل الفرنسيين؛ وأرسل أبناءه إلى الأزهر الشريف، حيث تخرجوا دعاةً وأساتذة .
وقد أسس الشيخ معهداً للغة العربية والعلوم الشرعية في مدينته بكولخ في السنغال، واستقدم له بعثات تعليمية من الأزهر الشريف .
واستمر هذا المعهد في العطاء ونشر اللغة العربية، وتخرجت فيه أجيال بعد أجيال، ويشرف الآن عليه أبناء الشيخ وأحفاده وتوجد في المعهد بعثة تعليمية من موريتانيا مكونة من عدة أساتذة يدرسون في مختلف المراحل والتخصصات .
الشيخ وقانون الأحوال الشخصية في السنغال:
اختار مشايخ السنغال الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه على أساس مكانته العلمية، لكتابة تقرير إلى الحكومة السنغالية يتضمن الرأي في مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي أعدته الحكومة وطلبت من الشيوخ إبداء رأيهم فيه.
وأعد الشيخ تقريراً عن القانون أوجز فيه بعض الملاحظات من أهمها أن القانون تضمن أبواباً ومواد تتعلق بالنكاح والطلاق ومدة الحمل والميراث وثبوت النسب وهي قضايا وأحكام قد فصلت في الشريعة الإسلامية تفصيلاً لا مزيد عليه ولا داعي لتطويره، ولا يجوز لمسلم الخروج فيها عن دائرة الشريعة الإسلامية في مصادرها الأربعة المعروفة وهي ( الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس).
كما طالب التقرير الحكومة السنغالية بترجمة القانون كاملاً إلى اللغة العربية ليطلع عليه المشايخ ويدرسونه.
الشيخ في الصحافة العربية:
اهتمت الصحف العربية بنشاط الشيخ ودعوته وأجرت معه الصحف مقابلات عديدة، وأعدت وسائل الإعلام التقارير والمقالات عنه وعن مدرسته وتصوفه ومكانته بين المسلمين في غرب أفريقيا وخارجها.
ومن الصحف المصرية التي نشرت موضوعات عن نشاط الشيخ وحياته ودعوته،مجلة الأزهر ومجلة المصور، وصحيفة الأهرام، وصحيفة المساء، وصحيفة آخر ساعة، وصحيفة الأخبار، ومجلة روز اليوسف وصحيفة الأنباء المغربية، والبلاد السعودية، والشعب الموريتانية، وغيرها من الصحف والمجلات العربية.
وكانت صحيفة الأهرام المصرية قد نشرت فى عددها الصادر يوم 27/12/1999م مقالا
عن الشيخ، وهو الزعيم الديني الإفريقي الوحيد الذي يوجد له ملف خاص في مؤسسة الأهرام.
كما اهتمت الإذاعات العربية بنشاط الشيخ الدعوي حيث أجرت معه عدة مقابلات، منها مقابلة أجرتها معه الإذاعة المصرية بتاريخ 16 مارس 1961م.
شمائله:
كان الشيخ عابدا زاهدا عالي الهمة لا ينام إلا قليلا، متصوفا متمسكا بالكتاب و السنة ، وكان إذا شكوا إليه مخالفات بعض المنتسبين للتصوف يكرر الكلمة المشهورة عن شيخه مؤسس الطريقة التجانية الشيخ سيدي أحمد التجاني: إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به و إن خالف فاتركوه.
وتميز الشيخ بالكرم والسخاء والجود والحياء والصبر والوقار وحسن الخلق مع كل مخلوق واعطاء كل ذى حق حقه والتخلق بالأخلاق النبوية واتباع سنة خير البرية .. وقد بلغ الغاية في التضرع إلى الله والإعراض عما سواه وتقوى الله في السر والجهر وحسن الظن بالله وتفويض الأمر إليه ، وتخصص الشيخ في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفاته:
توفي رضي الله عنه في لندن حيث كان يعالج في شهر يوليو 1975م, واهتزت السنغال وافريقيا بل والعالم لوفاته و دفن في مدينته العامرة مدينة الواقعة شمال قرب كولخ, جنوب شرق السنغال في جنازة مهيبة حضرها خلق لا يحصى.
وقد قضى رضي الله عنه،عمره في الدعوة و نشر الإسلام و بث العلم و إرشاد الخلق و نصرة قضايا المسلمين و خاصة قضية فلسطين فكان مناهضا قويا للاختراق الاسرائيلي في افريقيا.
وقد خلف الشيخ بعده مدرسة دعوية تشع بنور الإسلام في جميع أنحاء العالم .
وخلاصة القول في الشيخ إبراهيم – كما يقول سيدي محمد عبد الله بن السيد – أنه "آية من آيات الله العظام، ونفحه مثالية من نفحات رب العالمين الجسام، وباب واسع لكل خير ظاهر وباطن مفتوح على الدوام، ونعمة كبرى تجلى بها الرحمن الرحيم على كافة الأنام، وسعادة أبدية تفتخر بطرفها الليالي والأيام والشهور والأعوام، واقليد للرحمة الربانية فتح به العظيم المتعالي في هذا العالم آفاق العجائب، وفجر بوجوده بحار الرغائب، وساق بمحبته والاقتداء به جميع المطالب، وملأ بمحامده مسامع الحاضر والغائب"..
محمد الحافظ بن محم
من صفحة قرية بوبكر على الفيس بوك