يعتبر الحوار هو الأسلوب الأمثل والمتحضر لحل كل الخلافات والأزمات، وقد عاشت بلادنا خلال الفترات الماضية عدة تجارب مختلفة من أنواع الحوار، إلا أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب من التفاهم والتوافق في الرأي والتوجهات بين مختلف أطراف الحوار، بل في كل مرة كنا نرى إخفاقات وتجاوزات سواء على مستوى التعاطي مع مواضيع الحوار أو على مستوى تطبيق بنود الحوار، حتى وصلت الأطراف السياسية في بلادنا إلى أزمة ثقة فيما بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة، واستفحلت هذه الأزمة وتفاقمت في ظل النظام الحالي ، حيث أصبح الرئيس يدعوا للحوار في كل مناسبة ويبدي استعداده واستعداد أغلبيته الداعمة له للحوار، إلا أن تلك الدعوة وذلك الاستعداد لم يجسد على ارض الواقع بل ظل دعوة للحوار فقط، كما أن المعارضة هي الأخرى ظلت متمسكة بالحوار وتسعى إليه في كل المناسبات السياسية وتدعوا إليه وتعتبر نفسها على كامل الاستعداد له، ومازالت هذه الثنائية أي ثنائية الدعوة والاستعداد للحوار حاضرة من طرف كل من الأغلبية والمعارضة ،فإلى متى ستتنازل الأطراف السياسية في بلادنا عن مصالحها الضيقة وتجلس على طاولة الحوار الجدي والبناء من اجل مصلحة الوطن؟
يجب أن تكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار،وعلى الجميع أن يجعل هذه المصلحة نصب أعينه وان يتجاوز كل الخلافات من اجل الوطن ، فبدون الوطن لا يمكن تصور دولة ولا حكومة ولا معارضة بل سيصبح الجميع في مهب الريح ونكون أمام وضع لا تحمد عقباه ،سنكون عرضة للأطماع الأجنبية و مسرحا للتدخل الأجنبي ويسري علينا مثل غيرنا للأسف من الدول العربية، ويحصل لنا ما حصل فيها من شتات وتفرقة وويلات وحرب ودمار،فالوطن له منة كبيرة على كل واحد من أبنائه، فما من واحد منا إلا حصل على مصالح كبيرة وامتيازات بفضل هذا الوطن، كا الأمن والتعليم والصحة والتشغيل وغيرها من المصالح التي يقدمها الوطن لأفراده، بغض النظر عن الأنظمة الحاكمة وتفاوتها في تسيير الدولة ومواردها تسييرا صحيحا ومدى استفادتنا من هذه الخدمات، فحسب كل نظام وبرامجه السياسية واهتمامه بالمواطنين ، لكن الجميع على مدى التاريخ استفاد وسيستفيد دوما من مزايا الوطن قل وكثر، وبالتالي يجب على الجميع المحافظة على الوطن والاهتمام به، والسعي دوما لما يقدمه، ونبذ الخلافات والفرقة، وما من شأنه أن يمس بوحدة الوطن.
فنحن ندرك جميعا أن الأزمة السياسية الحالية حادة ومتفاقمة ويعاني منها الجميع سواء أغلبية أو معارضة، كما يعاني منها المواطنين جميعا، فهي انعكست على الوضع لاقتصادي للدولة ،وكذلك الوضع الاجتماعي والأمني، فأصبحنا أمام تداعيات ومخلفات كبيرة لهذه الأزمة، وذلك يتجلى من خلال،المظاهرات اليومية أمام القصر الرئاسي وأمام الأماكن العامة، للمطالبة برفع الظلم أو خفض الأسعار أو للمطالبة بالتشغيل وغيرها من المواضيع التي تطاولها المطالب وهي كثيرة لا يمكن حصرها ا للأسف، كما أن الأوضاع العامة للمواطن تسوء يوما بعد يوم بفعل هذه الأزمة، حيث أصبحت الطبقة الحاكمة مشغولة بالسياسة وتجاذباتها،ولم تعد تهتم للمواطن ومشاكله ومعاناته، كما أصبح البعض من المعارضة يستغل بعض القضايا ويوظفها لصالحه،وبالتالي أصبح المواطن هو الضحية ، حيث يعتبر كل طرف سياسي أنه يهتم به ويدافع عن مصالحه، وأنه أولى أولوياته، لكن الحقيقة عكس ذلك ، فالجميع انشغل بالأزمة السياسية، وأصبحت حديث الساعة لدى الجميع.
ومن هذا المنطلق نرى أن على الأطراف السياسية سواء معارضة أو أغلبية إن يتجهوا للحوار الجدي والبناء وفي أسرع وقت ممكن،لأنه حان الأوان للجلوس على طاولة الحوار وتدارك الوضع قبل فوات الأوان ، فبعد سنة ونصف من الدعوة للحوار يجب أن يتنازل الرئيس وأغلبيته عن سقف الدعوة والمطالبة فقط، إلى مستوى المفاوضات والموافقة على كل الشروط والنقاط التي تقدمت بها المعارضة مبدئيا، ووضعها بعد ذلك للنقاش على طاولة الحوار، وذلك من أجل تجاوز الأزمة والوصول إلى حلول ترضي الجميع، فالشروط والممهدات التي وضعتها المعارضة يمكن أن يؤسس عليها لبناء الثقة، وذلك بالموافقة عليها ،كما يمكن الاعتماد على البعض منها كمطالب أساسية لدى جميع المواطنين ة، كما أن على المعارضة أن تتنازل هي الأخرى عن المصالح الضيقة الموجودة لدى البعض منها وان تتجاوز خلافاتها فيما بينها وخلافاتها مع النظام وان تستخدم أسلوب المرونة وتبتعد عن أسلوب الممانعة ،فالحوار والمصالحة لا سبيل إليهما إلا بالتنازل وإعادة النظر في المواضيع وترتيب أولوياتها وطرح أكثرها إلحاحا، وتجاوز ما هو معقد وجانبي وهامشي.
فموريتانيا بحاجة إلى أن يتوحد أبنائها وان يقفوا في وجه كل من يريد إفسادها وتفرقة شعبها والمساس بقوة الدولة وهيبتها، فالدول لا تبنى إلى بسواعد أبنائها ولا تنموا إلا بعقول مفكريها ومثقفيها، ونحن بحاجة إلى من يرحم هذا الوطن وأهله ويجنبهم ذلك المستقبل المجهول والمظلم، فالخلاف يجب إن يكون من اجل مصلحة الوطن وليس من أجل مصالح شخصية، كالطمع في السلطة، وتمديد المأموريات وتعديل الدستور،وإستغلال موارد وثروات هذا الشعب لأهداف وغايات شخصية لا تخدم الوطن ولا المواطن، فموريتانيا عانت منذ استقلالها وحتى اليوم من أصحاب الأطماع والمصالح الشخصية، والبطانة السيئة التي تواكب الأنظمة الحاكمة وتفسد على الحاكم كل إصلاح أراده، كما عانت من بائعي الضمائر الذين يعارضون من اجل مصالح ضيقة وشخصية وليس من اجل الوطن.
والآن يجب أن يفكر الجميع في موريتانيا ومستقبلها وتقدمها وازدهارها،وبذلك سيستفيد الجميع ويحصل على ما يريده، وينعم الجميع بالرفاه والعيش الكريم ، بدل الفقر والتسول والمعاناة ، ووطن يريد أهله أن يخربوه بأيديهم بدل إصلاحه، فعلى الجميع مولاة ومعارضة ،وأقول هنا كلمة الجميع وأؤكدها، لأن الكل معني بالحوار،ولامعنا للحوار بدون جميع الطيف السياسي، لذلك يجب أن يشارك جميع الأحزاب السياسية وبدون استثناء في الحوار، وإلا فإن الحوار لن يأتي بنتيجة على الوطن والمواطن، فكل الأحزاب تمثل إرادات وقناعات وطموحات وتطلعات الشعب الموريتاني، وبالتالي يجب أن تمثل هذه الأحزاب في الحوار وتكون حاضرة، بمختلف مشاربها واتجاهاتها، لكي يكون الحوار جدي وبناء ويحسم الخلاف ويقضي على الأزمة، وتكون نتائجه إيجابية على الوطن والمواطن.
دامت موريتانيا للجميع
د: مريم بنت حدمين باحثة في مجال القانون