منذ بدء الجائحة، جرى استخدام أدوية عديدة موجودة بالفعل ضمن بروتوكولات علاجية مختلفة، لإظهارها فعالية في تحسين نتائج علاج مرضى كوفيد-19. مؤخرًا، وبعد قرابة عامين على بدء الجائحة، أعلنت شركات مختلفة تطويرَ أدوية تظهر فعالية في علاج مرضى كوفيد، قد يكون بوسعها تغيير المعادلة، إذ إن الخيارات السابقة من العلاجات كان لابد من إعطائها داخل المستشفيات، أمّا العلاجات الجديدة فيمكن تناولها في المنزل. كما كانت الخيارات السابقة باهظة الثمن فيما تعِد الشركات المصنعة لهذه الأدوية الجديدة بتوفيرها بأسعار تضمن وصولها إلى كل مكان في العالم.
في البداية أعلنت شركة ميرك عن عقارها «مولنوبيرافير»، تبعتها بذلك شركة فايزر بالإعلان عن عقار «باكسلوفيد»، ثم أعلنت شركة أسترازينيكا عن عقار «إيفوشيلد». فماذا نعرف حتى الآن عن هذه الأدوية الجديدة؟
ما الذي تقدمه أدوية كوفيد-19 الجديدة؟
تنتظر حاليًا شركتا ميرك وفايزر حصول الدوائين الجديدين على تصريح للاستخدام الطارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، بينما حصل دواء ميرك بالفعل على إجازة استخدامه في المملكة المتحدة.
تهدف هذه الأدوية بشكل رئيسي إلى منع تطور كوفيد-19 إلى مستوى أكثر خطورة يتطلب دخول المستشفى والعناية الحثيثة، عند إعطائها للمرضى بعد وقت قصير من الإصابة بالعدوى أو ظهور الأعراض. ومع أن هناك علاجات متوفرة بالفعل يمكنها فعل ذلك، مثل العلاج بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة، إلا أنه يتطلب تجهيزات معينة لإعطائه، وفي معظم الحالات يأتي على شكل حقنة في الوريد، وهو ما يجعل العلاجات الفموية الجديدة أكثر ملاءمة للمرضى. في المقابل فإن الحاجة إلى التشخيص المبكر نسبيًا للإصابة بكوفيد-19 بهدف الحصول على هذه الأدوية مبكرًا للاستفادة من فعاليتها، قد تؤثر أيضًا على سهولة استخدام هذه العلاجات.
وبحسب تقرير نشرته مجلة نيتشر فإن التجارب السريرية التي أجريت على هذين العقارين لم تضم عددًا كافيًا من المشاركين، بما يسمح باستخلاص استنتاجات قاطعة حول قدرة هذه الأدوية على منع الوفيات، لكن لم تحدث أي وفيات في المشاركين الذين تلقوا العلاج في هذه التجارب. ويقول خبراء إنه لا ينبغي اعتبار هذه الأدوية بديلًا عن الحصول على اللقاح.
عقار «مولنوبيرافير» من شركة ميرك (Merck)
بالتعاون مع «ريدجباك بيوثيرابيوتيكس» (Ridgeback Biotherapeutics) عملت شركة ميرك على تطوير عقارها المضاد لفيروس كورونا، والذي حمل اسم مولنوبيرافير (Molnupiravir).
بحسب النتائج السريرية التي أعلنتها الشركة، فإن هذا العقار يعمل على تخفيض معدلات إدخالات المستشفيات والوفيات المرتبطة بكوفيد-19 بحوالي 50%.
وكانت الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة (MHRA) أعلنت أن عقار مولنوبيرافير آمن وفعال في الحد من الوفيات ومن الحاجة لدخول المستشفيات للمصابين بكوفيد-19، ممن إصابتهم خفيفة إلى متوسطة، ولكنّهم معرّضون لأن تتطوّر حالتهم لتصبح حادة وشديدة، وذلك لكونهم من ذوي الاختطار العالي، كأن يكونوا قد تجاوزا الستين عامًا، أو يعانون من أمراض القلب أو السكري، أو السمنة. وأشارت الوكالة إلى أن هذا الدواء ليس بحال من الأحوال بديلًا عن اللقاح.
وتوصي الوكالة باستخدامه في أقرب وقت ممكن بعد خروج نتيجة إيجابية، وفي غضون خمسة أيام من ظهور الأعراض.
استندت نتائج الدراسة التي أجريت على عقار مولنوبيرافير إلى بيانات 775 مشاركًا من الولايات المتحدة ودول أخرى. جرى اختيارهم بعد تشخيص إصابتهم بحالات خفيفة إلى معتدلة، على أن يكونوا قد بدأوا يعانون أعراض المرض قبل أكثر من خمسة أيام على تسجيلهم في الدراسة، مع وجود عامل خطر واحد على الأقل لديهم لتطور إصابتهم إلى شديدة. وتناول حوالي نصف المشاركين في الدراسة عقار مولنوبيرافير عن طريق الفم وفق بروتوكول أربع كبسولات مرتين في اليوم، ولمدة خمسة أيام. في حين تناول النصف الآخر من المشاركين دواءً وهميًا. ولم يتم إدخال أي من المشاركين إلى المستشفى وقت دخولهم الدراسة.
خلال فترة الدراسة التي استمرت 29 يومًا، جرى نقل ما نسبته 7.3% من المشاركين الذين تناولوا عقار مولنوبيرافير إلى المستشفى، ولم يمت منهم أحد. في حين نُقِل ما نسبته 14.1% من المجموعة التي حصلت على الدواء الوهمي إلى المستشفى، وتم تسجيل ثماني وفيات في هذه المجموعة. كما أثبت الدواء فعاليته ضد العديد من متحورات فيروس كورونا، بما فيها متحور دلتا، ومتحور بيتا.
يعمل دواء مولنوبيرافير عن طريق التدخل في تكرار فيروس كورونا، ما يمنعه من التكاثر، وهو ما يحافظ على مستويات الفيروس منخفضة في الجسم، وبالتالي يقلل من شدة المرض.[1]
يعمل عقار مولنوبيرافير عن طريق إحداث طفرات في جينوم فيروس كورونا، وهو ما يجده بعض الخبراء مثيرًأ للقلق، لأننا لا نعرف إن كان هذا سيؤدي لاحقًا إلى إحداث طفرات خطيرة في الفيروس، وهو الأمر الممكن من الناحية النظرية. إلّا أن خبراء آخرين يقلّلون من احتمالية حصول هذه الطفرات.
عقار «باكسلوفيد» من شركة فايزر
بعد يوم من موافقة المملكة المتحدة على عقار مولنوبيرافير، أعلنت شركة فايزر أن عقارها المضاد للفيروسات «باكسلوفيد» (Paxlovid) قد قلل من دخول مرضى كوفيد-19 المستشفى بنسبة 89%.
عقار باكسلوفيد هو مزيج من عقارين مختلفين، هما عقار ريتونافير المستخدم في علاج فيروس نقص المناعة البشرية، ويأتي على شكل كبسولات، وعقار تجريبي آخر اسمه (PF-07321332)، ويأتي على شكل أقراص.
في الدراسة التي أجريت على عقار باكسلوفيد، وتضمنت 1219 مصابًا بكوفيد-19 يمتلكون جميعًا حالة مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بكوفيد-19 الشديد، ومثل دراسة ميرك، لم يجر إدخال أي منهم إلى المستشفى، خلال فترة تناول الدواء.
تلقت مجموعة من هؤلاء المرضى علاج باكسلوفيد مرتين يوميًا لمدة خمسة أيام، بينما تلقت المجموعة الأخرى العلاج الوهمي. وخلصت الدراسة التي استمرّت 28 يومًا، إلى أن اولئك الذين تلقوا العقار خلال ثلاثة أيّام من تاريخ ظهور أعراض كوفيد-19 عليهم، كانوا أقلّ عرضة للوفاة أو للدخول للمستشفى بنسبة 89%، مقارنة بأولئك الذين تناولوا دواءً وهميًا. وفي حين لم يتم الإبلاغ عن وفيات في مجموعة باكسلوفيد حتى اليوم 28 من تلقي العلاج، سُجلت في المقابل عشر وفيات في مجموعة الدواء الوهمي. كما سجلت الدراسة آثارًا جانبية خفيفة بشكل عام ومتشابهة لكل من باكسلوفيد والعلاج الوهمي. وبحسب الشركة فإن لجنة مستقلة أوصت بالتشاور مع إدارة الغذاء والدواء بإيقاف الدراسة مبكرًا بسبب الفائدة الواضحة للعلاج.
ويتطلب علاج باكسلوفيد الحصول على 30 قرصًا على مدار خمسة أيام، وهو ما قد يمثل صعوبة خاصة لمرضى كوفيد-19 الذين يعانون من الغثيان أو القيء.
باكسلوفيد هو دواء مضاد للفيروسات، يعمل عن طريق تثبيط إنزيم ضروري لمعالجة بعض البروتينات الفيروسية في شكلها النهائي الوظيفي. والدواء عبارة عن مزيج من دوائين أحدهما مضاد للفيروسات واسمه PF-07321332، والآخر هو عقار فيروس نقص المناعة البشرية ريتونافير. والهدف من وجود عقار ريتونافير هو أن يعمل على حماية عقار PF-07321332 عند دخوله الجسم، لضمان وصول ما يكفي منه إلى الفيروس سليمًا، من خلال تحطيم ريتونافير بواسطة الجسم أولًا، والعمل على إبطاء انهيار PF-0732332 بحيث يظل نشطًا لفترة أطول وبكميات أعلى.
وعقار PF-07321332 هو مثبط بروتياز، يمنع عمل إنزيم البروتياز ويمنع فيروس سارس-كوف-2 من صنع نسخ منه، جرى تطويره بواسطة شركة فايزر بحيث يتعارض مع قدرة الفيروس التاجي على التكاثر.
يمكن أن يؤثر عقار ريتونافير، وهو أحد مكونات باكسلوفيد على كيفية استقلاب الجسم لبعض الأدوية الأخرى. بالتالي هناك مجموعة واسعة من الأدوية، بما في ذلك بعض الأدوية التي تستخدم عادة لعلاج أمراض القلب وجهاز المناعة ومسكنات الألم، التي لا يمكن تناولها أثناء تناول هذا العلاج. لكن من ناحية أخرى فإن هذا العلاج يستمر لبضعة أيام فقط، وقد يستطيع الأطباء التغلب على بعض هذه التفاعلات الدوائية خلال فترة العلاج.
عقار «إيفوشيلد» من أسترازينيكا
منحت هيئة تنظيم الأدوية الأسترالية «إدارة السلع العلاجية» (TGA) شركة أسترازينيكا «موافقةً مؤقتة» على عقارها إيفوشيلد، كخطوة أولى على طريق الموافقة على الدواء، في انتظار المزيد من البيانات التي على الشركة تقديمها. وأظهرت التجارب التي أجريت على العقار أنه يقلل أعراض كوفيد-19 بشكل ملحوظ عند استخدامه قبل التعرض للمرض. ورغم أن هذا يعني احتمالية استخدامه للوقاية من كوفيد-19، إلا أنه لن يكون بديلًا عن اللقاحات، بل يُتوقع منه أن يمنح حمايةً إضافية للمرضى الذين قد تكون لديهم استجابة غير كافية للقاح أو المرضى الذين لا يمكن تلقيحهم.
أجريت دراسة عقار إيفوشيلد على 5197 مشارك من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا، لم يكونوا مصابين بكوفيد-19، لكن ما نسبته 75% منهم كانت لديهم أمراض مصاحبة، بما في ذلك حالات تتضمن تلقيحًا ضعيفًا[2] أو غير فعال ضدّ كوفيد-19، نتيجة وجود وضع صحيّ تسبب ذلك. وبينما حصل ثلثا المشاركين على عقار إيفوشيلد، حصل الثلث المتبقي على الدواء الوهمي.
خرجت نتائج الدراسة بأن العقار قد قلل من خطر الإصابة بأعراض كوفيد-19 بنسبة 77% مقارنةً بالدواء الوهمي، كما لم تكن هناك حالات شديدة من المرض أو وفيات في المجموعة التي تلقت دواء إيفوشيلد، فيما كانت هناك ثلاث حالات شديدة من المرض، نتج عنها حالتا وفاة، في مجموعة العلاج الوهمي.
بتكون العقار من نوعين من الأجسام المضادة أحادية النسيلة، الاول هو tixagevimab، والثاني cilgavimab، ويرتبط هذان النوعان ببروتين الفيروس، مما يمنعه من الدخول إلى خلايا الجسم والتسبب بالعدوى. ويُعطى هذا العقار على شكل حقنة يمكن الحصول عليها في المستشفى، أو للمرضى خارج المستشفى لمنع تفاقم العدوى في حال حصولها.
ونظرًا لأن الأجسام المضادة المختلفة التي يتكون منها عقار إيفوشيلد ترتبط بأجزاء مختلفة من بروتين الفيروس، فإن استخدامها معًا قد يكون أكثر فعالية من استخدام كلّ منهما بمفرده، كما قد يساعد هذا الاختلاف بين الأجسام المضادة في توفير حماية ضدّ متحورات الفيروس التي سيتعين عليها التحور للهرب من جسمين مضادين عوضًا عن واحد.
هل يمكن أن يصبح فيروس كورونا مقاومًا للأدوية المضادة للفيروسات؟
تعتبر مقاومة الأدوية مشكلة شائعة، تحديدًا في الأدوية المضادة للفيروسات، لذلك يجري علاج بعض أنواع العدوى الفيروسية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الوبائي سي، باستخدام تركيبات أو توليفات من مضادات الفيروسات، أي علاجات مركبة تتضمن أكثر من مضاد فيروسي معًا.
حتى الآن لم يجر اختبار عقارات مولنوبيرافير وباكسلوفيد إلا كعلاجات فردية. ولاحقًا سيكون من المهم تحليل حالات المرضى الذين لا يستجيبون لأدوية مولنوبيرافير أو باكسلوفيد، لمعرفة ما إذا كانت المقاومة الفيروسية عاملًا في ذلك. كما لا بد من مراقبة المرضى الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة أثناء حصولهم على هذه العلاجات، لأن العدوى قد تستمر لفترة أطول لديهم، ما قد يشكل فرصة أكبر لظهور مقاومة الأدوية.
من سيحصل على أدوية كوفيد-19 الجديدة؟
وقعت شركة ميرك اتفاقية مع مجموعة براءات اختراع الأدوية لتوفير تراخيص الملكية الفكرية اللازمة لإنتاج مولنوبيرافير في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وبدأت بالفعل العديد من شركات الأدوية في تصنيع الدواء. كما التزمت الشركتان بتسعيرة متدرجة تسمح للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط بدفع ثمن أقل لقاء الأدوية مما تدفعه الدول الأكثر ثراءً.
وكما حدث عندما نجحت أولى لقاحات كورونا بالخروج إلى الأسواق، تعمل الدول الغنية على شراء كميات كبيرة من هذه الأدوية لإمداد مخزوناتها، ما يثير مخاوف من تأثيرها على الإمدادات والحدّ من وصولها إلى الأجزاء الأخرى من العالم.
يجري الحديث أيضًا عن مصدر قلق آخر قد تسببه أدوية كوفيد-19 الجديدة، وهو الحاجة المتزايدة إلى إمدادات كبيرة من فحوصات الكشف عن فيروس كورونا. إذ لا بدّ للبدء بهذا العلاج من تشخيص الإصابة بالفيروس في وقت مبكر من مسار العدوى، لتجنب وصفه لأي مريض يمتلك أعراضًا شبيهةً بكوفيد-19.
هل هناك أدوية أخرى قيد البحث؟
توقعت الصين الموافقة على أول دواء لكوفيد-19 بحلول نهاية العام، وتظهر التجارب عليه حتى الآن فعالية تصل إلى 78% في تقليل الاستشفاء ومعدل الوفيات عند المرضى ذوي حالات الخطورة العالية.
وبعد اجتياز العقار التجارب على الحيوانات، يجري إجراء تجارب سريرية عليه في الصين، وأخرى ستجرى في أوزباكستان.