من المعلوم ان مكانة أي دولة ما ومدى تأثيرها في السياسية الخارجية عادة ما يقاس بقوة و تضافر مقدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية ، ومن البديهي ان تكون الدول التي تتوفر علي هذه المقدرات في طليعة الدول الحاضرة خارجيا وهذه المكانة بالنسبة لهذه الدول تعد طبيعية لأنها نتاج حتمي لتلك المقدرات ، وبالتالى فانجازاتها على المستوى الدولى و تأثيرها السلبي او الايجابي علي مجرى ديناميكية العلاقات الدولية سيبقى مهما كانت قيمته عملا اعتياديا ليس إلا.
وعلى خلاف هذا المنظور فمن الملفت للانتباه اذا كانت الدول التي تؤثر في مجرى حركية العلاقات الدولية هي دول ذات مقدرات محدودة ، وهذه الحالة تستدعي منا البحث عن سر الخروج عن المألوف في هذا الإطار ولتحيين هذه الفكرة سنستدل بما تم انجازه من عمل ايجابي من لدن مكونة من مكونات العمل الدولي تشترك معه وتشاطره معالجة المشاكل الكبرى ألا وهي موريتانيا التي دخلت حلبات السياسية الخارجية وفقا لرؤيتها الخاصة المبنية على مبدأ السيادة المتبادل بين دول المنظومة الدولية جاعلة من المقدرات الاصلية للسياسية الخارجية جزء ثانويا من عناصر محرك السياسية الخارجية .
ان موريتانيا بنهجها الفريد المتبع منذ 2009 تبنت مقترب الدولة المنفتحة على محيطها الخارجي بعدما كانت في الماضي القريب متقوقعة علي نفسها وموصدة منافذ الانفتاح على محيطها الخارجي، و اذا ما قارنا مقدراتها المحدودة والمتواضعة مقارنة بحضورها القوي و المتزايد على الصعيد الاقليمي والقاري و الدولى فانه لنا ان نتساءل عن سر هذه القفزة النوعية في مستوى الحضور الدبلوماسي الظاهر للعيان..
من خلال الاسهام في بناء صرح الاتحاد الافريقي مع رئاسة الاتحاد الافريقي في العام 2014 حيث كان لموريتانيا الدور الكبير في رئاسة عدة قمم جمعت القارة الافريقية بشركائها في الخارج ، كما كان لها الدور الفعال في انشاء مجموعة الدول الخمس في الساحل لمكافحة الارهاب و احتضانها العديد من القمم الدولية و المؤتمرات، ، هذا اضافة الي رعايتها الكثير من المصالحات و الاتفاقات التي ساهمت بشكل كبير بل وكانت السبب المباشر في حقن دماء الالاف من الابرياء الذين طالت بلدانهم الحروب و النزاعات المسلحة (ساحل العاج، ليبيا، مالي، غامبيا، وبوروندي....الخ) ، ومكافئة لدور دبلوماسيتها الخارجية اصبحت المنظمات الدولية تستعين بكفاءات وطنية على مستوى هيئاتها المتخصصة ، و انتدابهم للإشراف على وساطات دولية تقتضي ادارة ملفات حساسة كما هو الحال في اليمن الشقيق وجمهورية وسط افريقيا...
ان الرؤية الثاقبة و اتساع الافق و الاصرار على المضي قدما على السير في ركب الانفتاح ومد جسور التواصل مع المحيط الخارجي ، كل هذه وتلك، كانت القواعد الاساسية التي تم اخذها بعين الاعتبار من لدن منظري السياسة الخارجية لموريتانيا ، الشيء الذي اثمر نجاحات دبلوماسية كبيرة و متتالية في ظرف زمني وجيز.
امربيه رب ولد امن