بهدوء وثبات دبلوماسي، مسنود بالشرعية الدولية الداعمة للسيادة المغربية على أراضيه الصحراوية، أعاد ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وضع النقط على الحروف وتحديد “ثوابت المملكة” وسقف تنازلاتها في الوصول إلى تسوية سلمية لقضية الصحراء المغربية، تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة.
رسائل بوريطة لتسيفان دي ميستور، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، كانت واضحة وحازمة، وتتطابق مع الشرعية الدولية وروح التعاون التي يبديها المغرب مع هيأة الأمم المتحدة من أجل تصفية هذا النزع المفتعل من طرف الجزائر.
إشارة بلاغ وزارة الخارجية لأسس الموقف المغربي، كما ورد في خطابي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ45 والـ46 للمسيرة الخضراء، كانت دقيقة وذات مدلول دبلوماسي عميق. وأول هذه الأسس هي التزام المغرب باستئناف العملية السياسية، وهي إشارة قوية على أن المغرب لا يبالي إلى كل “الشطحات” التي تقوم بها الجزائر والبوليساريو من خلف الجدار في إطار ما يسمى بـ”الأقصاف المركزة”، والتي تتجاوز حدود نشاط الجماعة المتطرفة لـ”البوليساريو” فوق التراب الجزائري.
التزام المغرب بالعملية السياسية هو تعبير صريح عن التزامه بالشرعية الدولية، في مقابل الجزائر التي تحتضن جماعة مسلحة تهدد أمن وسلامة دولة عضو في الأمم المتحدة، وهو ما يجعله في واقع الأمر في وضعية اعتداء..غير أن المغرب، بقوة موقفه ودور قائده وإجماع شعبه بمختلف أطيافه، لم يسقط يوم في الفخ الذي لطالما سعى العسكر إلى نصبه.
الأساس الثاني الذي أشار إليه بلاغ وزارة الخارجية، استنادا إلى الخطابين الملكيين بمناسبة الذكرى 45 و46 للمسيرة الخضراء، هو أن استئناف العملية السياسية يجب أن يتم “تحت الرعاية الحصرية لهيئة الأمم المتحدة”، وهي إشارة قوية لكل الأطراف التي تسعى إلى إدخال بعض الهيئات الإقليمية أو القارية في هذا النزاع المفتعل. والحديث هنا بشكل أساسي عن الجزائر التي تسعى إلى إقحام الاتحاد الإفريقي في الملف، وأيضا إشارة إلى بعض الأطراف داخل الاتحاد الأوروبي التي تحاول بين الفينة والأخرى أن تتبنى مواقف سياسية في هذا الملف، رغم أنها بعيدة كل البعد عنه.
أما الأساس الثالث فهو أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي أساس الحل السياسي. وهنا لابد من التأكيد على أن المغرب استطاع أن يفرض مشروع الحل الذي تقدم به، وذلك بالنظر إلى كونه المشروع الواقعي الوحيد الذي تم تقديمه باعتراف الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الذي تعتبر جديا وذا مصداقية.
كما أن هذا الأساس ينسجم مع التوجه الأممي القاضي بإيجاد حل سياسي متفاوض بشأنه وقبول لدى الأطراف المعنية، على خلاف بعض الأطروحات البادية والمتجاوزة من طرف قرارات مجلس الأمن، لاسيما تلك المتعلقة بتقرير المصير من خلال الاستفتاء، والتي أصبح تنفيذها مستحيلا ويتناقض مع روح الوساطة والرعاية الأممية.
أما الرسالة الرابعة فهي الموائد المستديرة بحضور الأطراف الأربعة، وفي ذلك انسجام مع التوجه الأممي في وقت تعارض الجزائر هذا النهج الذي لا يخدمها. ذلك أن الأخيرة تمارس مختلف أنواع التمويل والتسليح وعرقلة الوصول إلى حل لنزاع الصحراء، لكنها تعتبر نفسها في الآن ذاتها بأنها ليست طرفا في هذا النزاع المفتعل..في تناقض صارخ بين الواقع والوهم.