يقول الكاتب التونسي محمود المسعدي في رواية؛ "السد": (نحن نتصوف في القول ) يعني العرب (وهم يتصوفون في الفعل ) يعني الغرب.
وما ينطبق على العرب ينطبق على موريتانيا؛ لكن الموريتانيين زادو على العرب ب"فضيلة" أخرى؛ أنهم " يتصوفون في قول ما لا يفعلون ويتصوفون في فعل ما لا يقولون"؛ وهذا ينطبق على كل مفردات تعاطيهم مع الشأن العام وبالذات مع موضوع القبيلة كبنية نقيض لدولة المواطنة؛ المكرسة لدولة الحق والقانون.
وإن كان الرئيس الراحل المرحوم المختار ولد داداه قطع اشواطا عملية في القضاء على القبيلة في الفضاء العام؛ فإن الأنظمة العسكرية المتعاقبة على السلطة في موريتانيا منذ عام 1978؛ عملت على تقوية حضور القبيلة في الحياة العامة؛ بداية بنظام معاوية ولد الطايع؛ الذي حكم لأطول فترة في تاريخ الدولة الوطنية ما بين 1984- 2005؛
والمفارقة في سياسية ولد الطايع؛ أنه أعلن في خطاب له مشهور في النعمة 1986؛ أنه عازم على محاربة القبيلة بكل الوسائل؛ باعتبارها عائقا أمام بناء الدولة الوطنية؛ واصفا أياها بالتنقيص؛ "لقبيلات"؛ الذي كررها مرات.
والرئيس معاوية نفسه الذي أعلن الحرب على القبيلة؛ فتح قصره في صيف 1991؛ لاستقبال الزعامات القبيلة؛ بمناسبة إعلانه عن انطلاق مسلسل الممارسة الديمقراطية؛ التي تحولت مع الوقت؛ إلى ديمقراطية صورية تكرس حكم الفرد وتنشر الفساد.
ولإعادة تكريس دور القبيلة في الحياة العامة؛ قام ولد الطايع بمنح الزعامات القبيلة الكثير من الامتيازات؛ بالإغداق عليهم من أموال الدولة وتعيين أبنائهم في المناصب السامية وجعلهم وسطاء بين الدولة والمجتمع.
بعد 35 سنة من ممارسة دولة القبائل؛ يأتي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ ليعلن من مدينة وادان التاريخية؛ خطر حضور القبيلة في الحياة العامة على الدولة؛ في حين أن آخر زيارة له لمدينة روصو؛ شاهد الجميع الحضور الطاغي للقبائل في المهرجانات الكرنفالية؛ التي أقيمت لاستقباله؛ بل والأكثر من ذلك،؛ حضور أعضاء في الحكومة لاجتماعات قبلية غطتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ والاخطر من كل ذلك؛ تواتر الحديث؛ عن مشاركة قادة المؤسسة العسكرية في الاجتماعات القبلية وكذلك المشاركة في النشاط السياسي؛ الذي تحركه دوافع قبلية.
وهنا يحق للمتابع للشأن العام في موريتانيا طرح عدة أسئلة:
هل سيختلف خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في مدينة وادان ضد القبيلة؛ عن خطاب معاوية ولد الطايع في النعمة؛ رغم اختلاف السياقات الزمانية والمكانية ؟
هل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ مقتنع الآن بأن القبيلة نقيض لدولة المواطنة المكرسة لدولة الحق والقانون؟
هل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ قادر بالطواقم المحيطة به حاليا - التي في اغلبيتها من سدنة الأنظمة السابقة - على مواجهة الملفات الساخنة؛ التي خرجت فعليا عن السيطرة؛ وهي :
1- ملف الفساد .
2- ملف الجريمة المنظمة.
3- ملف الخطاب الشرائحي التحريضي. ؟
في الخلاصة؛ على النخبة الموريتانية؛ أن تحسم خياراتها، هل هي مع بناء دولة وطنية تكون للجميع؛ عبر ترسيخ قيم دولة المواطنة،؛ أم تختار أن تبقى في مجتمع قبلي تحكمه قيم ومنطق السيبة ؟
وعلى تلك النخبة أن تعي أن الملفات الساخنة أعلاه؛ لم تعد قابلة للتأجيل ؟
ديدى ولد السالك