سيدى ولد احمددي انهى كتابة مذكراته

أنهى وزير المالية ومفتش الدولة الأسبق سيدي ولد أحمد ديه، كتابة مذكراته السياسية والإدارية، وبين دفتي هذه المذكرات التي قد تصل إلى مئات الصفحات، سرد مهم وشيق لمراحل مهمة من حياة الطفل البدوي الذي سيكون مع الزمن أحد أبرز منظري الاقتصاد والسياسة في البلاد.
تقدم المذكرات عرضا مفصلا للتاريخ التأسيسي لمدينة العيون، يغوص في كل تلك التفاصيل عن تأسيس المدينة وانتقالها من طور البادية إلى المدنية الحديثة، متوقفا عند الأشياء البسيطة التي تمثل اليوم جزء من تاريخ عبق ومفعم بالنضارة، كما يحرص الأستاذ سيدي في مذكراته على قرن المعلومة بالتفسير فيقدم كما كبيرا من معطيات التحليل الاجتماعي لحياة وقيم مجتمع ما قبل الدولة الوطنية.
في الشق الإداري من المذكرات يتواصل السرد الشيق والطريف في مسيرة الرجل من مفتش ضرائب يكشف أكبر عملية فساد منتصف السبعينيات، يحال بموجبها مدير الضرائب ووزراء إلى المحاكمة، ويتلقى هو تهنئة من الرئيس المرحوم المختار
ثم وزيرا للمالية والتجارة، ومفاوضا باسم موريتانيا للهيئات الدولية المانحة، ثم مديرا لبنك UPD آخر البنوك المملوكة للدولة، ثم أمينا عاما لمنظمة استثمار نهر السنغال، واشاهدا على غباء النظامين الموريتاني والسنغالي وسوء تعاطيهما مع أحداث 1989، ولاحقا مديرا عاما لشركة صونادير، التي ما إن بدأ فيها مسار الإصلاح والتقويم، حتى تخلص منه بسرعة وزير التنمية الريفية، مخافة أن يكشف بعض الفساد الذي تورط فيه.
وأخيرا مفتشا عاما للدولة، وهي آخر وظيفة تقلدها قبل التقاعد
في الشق السياسي من المذكرات، يقدم سيدي ولد أحمد ديه مسيرته كقيادي فعال في طلاب اليسار الموريتاني، تلقى في سبيل ذلك انواع الاضطهاد والتعسف ثم هو بعد ذلك قيادي متمكن في الحركة الوطنية ..محفتظا لنفسه بمساحة فكرية عصمته من بعض إلحاديات متعصبي الكادحين يومها، وبموقف سياسي جعله يرفض الاندماج مع الكادحين في حزب الشعب... دون أن ينقطع حبل الفكر والود بينه والكادحين
يقدم هذا الشق تاريخا مفصلا جدا للعملية السياسية في البلاد، ويعطي معلومات مفصلة وتفسيرات منطقية لكثير من ممارسات الأنظمة التي عمل معها،وكذا القوى السياسية المعارضة التي كان أحد قادتها منتصف التسعينيات
وفي ختام المذكرات يقدم الإداري سيدي ولد أحمد ديه، سلسلة من الأفكار والنقاط الجوهرية تحليلا لمسيرة البلاد والشعب واستشرافا للمستقبل، ورغم التشاؤم الذي يظهر في سطور الاستشراف، إلا أن سيدي يؤكد على فكرة مركزية وهو أنه لا خيار اليوم ولا بديل عن الدولة.
في الجانبين الاداري والسياسي من المذكرات كم كبير من المواقف والأحداث والقصص وفيهما بشكل خاص ما يفسر كيف كان حكام البلد يفكرون أو على الأقل كيف كانوا "لا يفكرون".
تظهر المذكرات شخصية الإداري سيدي ولد أحمد ديه، الرجل المتدين المناضل،اليساري المحارب للفساد، الصارم في مواقفه.
ولعل هذه الصرامة هي ما جعلت علاقاته مع الأنظمة السياسية تنهار بسرعة جدا، فهو كما وصفه رفيقه محمدو الناجي ولد محمد أحمد في تقديمه للمذكرات" كلما اجتاجوا إليه نظرا لكفاءته، استغنوا عنه بسرعة، لأنه مزعج لهم، وكلما استغنوا عنه أحسوا بالحاجة الماسة إلى كفاءته
وما من شك أن صدور هذه المذكرات سيضع بين يدي القراء والباحثين نصا رصينا يجمع بين التاريخ والتجربة الذاتية والتحليل الموضوعي، ومن الأكيد أيضا أنه سيكشف كثيرا من البقع المعتمة في تاريخ المعتمة في التاريخ السياسي والإداري للبلاد

من صفحة

محمدسالم ولد اعمر