تتعرض بلادنا من حين لآخر، لموجات من تفجر مشاعر التنافر والعداء، وانتعاش خطاب الكراهية والتحريض والتخويف بين الهويات الثقافية المختلفة، المكونة للحمة الإجتماعية الوطنية.
وتغذي هذه المشاعر المختلطة عوامل متعددة مثل استحكام الجهل وقلة الوعي في أوساط العامة، وانتشار التخلف والفقر، وتقاعس وارتهان النخب بسبب تراكم الإحباط والخيبة السياسية إزاء فشل مشروع الدولة الوطنية في النهوض بمسؤولياتها لتدبير الشأن العام. ولا يعدم كذلك، أن تشارك في تغذية هذه الهواجس أياد خفية، تحركها قوى غادرة أو طامعة في تفكيك أوصال هذا المجتمع، والهيمنة على مقدرات البلاد في سياق لعبة الأمم.. وتجزئة المجزئ.. وتقسيم المقسم.
في هذا الوقت بالذات.. وفي هذه اللحظة المفصلية الفارقة، أعتقد بأن من الواجب أخلاقيا، ووطنيا، وسياسيا على النخب في هذه البلاد، أن تضطلع بدورها التنويري الرائد، بعيدا عن نوازع الإستغلال السياسوي المنفعي للموضوع، من أجل التصدي بجدية وحزم لمخطط تفخيخ الهويات، واستغلال ثغرات التنوع القومي والثراء الثقافي الذي تتمتع به البلاد، لضرب الوحدة الوطنية والإجهاز على ما تبقى من السلم الأهلي.
لذا، ينبغي العمل على إبراز الحقيقة بلا مواربة.. والعمل على بسط سلطان المعرفة، من خلال تعميق النقاش الموضوعي حول حقيقة هذا التنوع القومي عبر التاريخ، وتشخيص واقعه الراهن، من أجل استشراف آفاق العيش المشترك، صونا لتلاحم مجتمعاتنا، وترميما لبنياتها الثقافية المحلية، بما يسهم في تعزيز استقرار البلاد وتماسك شعبها، وسط عالم يمور بالأزمات والفوضى والتشرذم...
أعتقد بأن هذا المبتغى، إنما يتأتى من خلال تنمية وتطوير البحث العلمي الرصين في مجال علم الجينات المتحجرة، الذي هو مزيج بين الأنتربولوجيا وعلم الوراثة، ودراسة أنظمة "الجينوم" الوراثي المقارن لمختلف المجموعات السكانية، والإستثمار في تعزيز آليات التواصل، ودراسة وإبراز المخزون المشترك الحضاري والثقافي والتاريخي والسوسيولوجي بين مجتمعاتنا المحلية، وإعادة قراءته بشكل إيجابي، يعيدنا أولا إلى المشترك المرجعي الرئيسي بين الناس جميعا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ» (سورة الحجرات
الأستاذ. محمد السالك ولد ابراهيم