وغاب آخر الأقمار
أحمد ولد ابّا ولد امّين (ابّبَ)
أحمد ولد ابا رجل استثنائي.. فلست أدري كيف أبدأ بوحي..
تنْيخلفْ عادتْ معيظَه :: ؤعادتْ طرحتْهَ لعريظَه
ماتنزلْهَ خيمَه بيظَه :: ؤلا فيها سبّه من لخْلِفْ
ؤذاكْ الْمَ الْياسرْ والرّيظَه :: كان افْتنيخلفْ مانِخلِفْ
وِفَكّرْ ذَ الدهرْ إلِّ عادْ :: ما يِسگِي منّو حدْ اخلِفْ
من تنيخلفْ واتْفكرْ زادْ :: تنيخلفْ ماهِي تِنيخلفْ
ولئن كانت أطلال (تِنْيخلفْ) التي طمرتها الرمال تستوقف الباكي، فإنها يوم كانت عامرة اتسعت لحكمة العالم فكانت تعشو إلى ضوء نارها البوادي، وعند رقراق علمها السلسبيل أنهت الصحراءُ صيامها.
ولئن جف الشذى وتفرق الأهل فإن روح تلك الحاضرة بقيت مُعتَقة في دنان البتراء التي لاتزال محاظرها راسخة القدم في العراقة، عالية الكعب في علمي المنقول والمعقول، ولايزال الرجال يحملون أخلاق أهل إيكيدي ولا تزال النساء تغزلها للنشء.
هناك في بقيع تنيخلف، حيث السماء قريبة من الأرض، وحيث التاريخ يسكن المكان، وتحمل الريح إيقاعات ثقله الموغل في القدم، والمشحون بالعلم وبالبركة..
فوراء الرمل الأسمر يسكن التاريخ، وتحت صمت الرمل ألف حكاية، وإن كانت شواهد القبور تحمل الأسماء، فإن وراء كل اسم حضارة وتاريخ..
ضريح الولي الصالح الكوري ولد سيد الفالي، المعروف بصاحب الخضر، تلوح الصخرة الكبيرة البيضاء الجزء المُتم البركة من صخرة "لعظيميه..
تجول بين الأضرحة وحيث مَررتَ فإنك تنتقل من سيدٍ فاضل إلى سيدٍ فاضل
كأنْ لم يَكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصَّفَا :: أَنِيْسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سامرُ
هناك ثوى اليوم آخر الأقمار وبقية السلف أحمد ولد ابّا ولد امّين..
في رحمة الله في روضاة جنته :: فليثوِ حيثُ ثوَى قومٌ سعيدونا
أحمد ولد ابّا ولد امّينْ ولد محمد ول محمذن ولد محم(عرگابْ العِلمَ) ولد الأمين (ابّوبَا) ولد الماحي (ماهي) ولد سيدي الفالي.
لأمه باته منت سيدي ولد محمد ولد ألمين ولد محم ولد المژضف ولد سيدي الفالي.
كان جده محم ولد ابّوبا يلقب بـ "عرگابْ العِلْمَ" لكونه عرگُب حكما لعلماء منطقته، في نازلة معينة ونقضها بقوله: "الوكيل معزول عن غير النظر" فقطع بذلك "اعراگيب" العلماء" بنقض ما حكموا به، فسمي "عرگابْ العِلْمَ"، كما كان والده الأمين ولد الماحِ قاضي تشمشه في عهده.
وكنْ كَعرگابِ الذينَ نوظِرُوا :: مِمَّا بِهِ عَنْـهُ مُبِيـنًا يُخْــبَرُ
فإنه هناكَ شاعَ الفضلُ لَهْ :: وَشَاعَ نَحْوُ كامِلٍ وَكَمَلَهْ
مضى أحمد ولد ابّا ولد امّينْ حفيد (عرگابِ العلماء)، يقول العلامة المؤرخ المختار بن حامدٌ رحمه الله في تعداد جملة أيادٍ أسداها له أحمد ولد أبّا ولد أمّين ابن عرگابِ:
حتى غدت بـيـدي وتحت تصرفي :: سـيـارةٌ مـوقـوفة بالباب
ألقى إلـيَّ زمـامهـا سـوَّاقهـا :: أبنُ ابنمِ النَّدْب الرضا عرگابِ
ويجـيئنـي سـوَّاقهـا لـيئوب بي :: معه فـيـا طوبى وحسن مآب
واطَّوَّرتْ من بعد أعوام مضت :: للطائرات فصولُ هذا الباب
وأتت مشاكلُ في التذاكر لم يكن :: عنها ابن عرگاب من الغياب
وتحل مشكلة أخيرا في فتى :: ضلت بطاقته من الطلاب
فجزى الإله الجـانـب الغربـي من :: تـنـيـخلف خـيرًا عـن الأحباب
فبلادها العذب المبارك ماؤها :: وعـراؤهـا الحسن الـبَرا مـن عاب
مضى أحمد ولد ابّا
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضةٌ :: غداةً ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
مضى رجل الدنيا والأخرة خدم بلاده ولم تلهه المناصب ولا الرتب عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكان يخاف يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار.
لم تمنعه مشاركته في الحكومة من توجيه النقد لأي قرار يراه مجحفا أو ينزع نحو الشطط، من ذلك انتقاده لقرار إلزام النائب البرلماني بتوقيع استقالة غير مؤرخة، يؤرخها الرئيس المختار حين يرغب في إقالته:
يَدبّيتاتْ أخيرْ إلْكمْ :: ذ الرئيسْ اتمِدّولُ ليْدْ
هو إن يشأ يذهبكم :: وياتِ بخلقٍ جديدْ
كان لايجامل ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويعبر عن رأيه بكل صراحة.
كان أول إداري شاب في الخمسينات، وعمل واليا وحاكما وقائد منطقة وكان رئيسا للمحكمة العليا من 1972 إلى 1979، وتقاعد مديرا عاما للخطوط الجوية الموريتانية في أوج ازدهارها وعطائها.
وفي كل مهامه ووظائفه حمد الناس سيرته وأثنوا على وطنيته ونبله وأخلاقه وكرمه.
وعمّا تبقى من حميد خصاله :: أرى الصمت أولى بي من أتكلما
عزاؤنا لجميع الموريتانيين، فعزاؤنا واحد
كامل الأسى
إكس ولد إكس إگرك