إننا نطالب بالتمكين للغة العربية، بإعادة الاعتبار إليها، وجعل المواطن العربيّ يشعر بأهميتها وبحاجته إليها، وبأنها توفر له لقمة العيش من خلال العمل بها واستخدامها في حياته اليومية، واتخاذ قرار سياسي حاسم وملزم بأن تكون العربية لغة التعليم (بجميع أنواعه ومستوياته)، ولغة الإدارة وسائر المرافق الحيوية للدولة. مع وضع خُطة مدروسة لتعريب التعليم الجامعيّ.
ولعل من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها المسؤولون عن التعليم، توقف عملية التدريس باللغة العربية عند مستوى الثانوية العامة (البكالوريا)، الأمر الذي ترتّبَ عليه أنّ الطلاب يعيشون محنة حقيقية تتمثل في أنهم يتلقوْن دروسهم باللغة العربية –وهو أمر طبيعيّ- إلى أن يحصلوا على شهادة الثانوية العامة، وعندما يصلون إلى التعليم الجامعيّ يصطدمون بأن المواد العلمية غيرُ معرّبة فيجدون أنفسهم بين خيارين أحلاهما مُرّ: التوجه إلى التخصصات الأدبية المعرّبة والتضحية بطموحهم العلميّ، أو محاولة الدراسة في التخصصات العلمية التي تُدرَّس بلغة أجنبية زادُهم منها قليل، في أغلب الأحوال، مما يترتب عليه إخفاقهم في دراستهم أو تعثُّرهم فيها على الأقل. أما التفوق - المُفضي إلى الإبداع - فلا أمل فيه بسبب الحاجز اللغويّ.
يكمن حل هذه المشكلة، بكل بساطة، في تعريب التعليم الجامعيّ بكيفية تدريجية، مع الاهتمام بالترجمة، وتدريس اللغة الأجنبية التي يقع عليها اختيارهم بصفتها لغة أجنبية لا بصفتها لغة تدريس أو لغة إدارة، والفرق شاسع بين الأمريْن.
إنّ مشكلتنا الرئيسة في الوطن العربيّ-وموريتانيا جزء منه-أننا ظننا أننا يمكن أن ننهض ونتقدم باستعمال لغات الآخرين، مع أنّ الدول التي درست العلوم و المعارف بلغاتها تقدمت وازدهرت، والدول التي تمسكت بلغة المستعمر السابق، ما زالت تئِنّ تحت وطأة الجهل والفقر والمرض.
والخطير في الأمر أنّ أصحاب القرار عندنا غير مقتنعين بهذه الحقيقة المجرَّبة والمؤكدة علميا!
إننا بحاجة إلى إصدار قوانين لحماية لغتنا العربية. لقد استطاعت دولة بمفردها، وهي فرنسا-على سبيل المثال- أن تُصدِر قوانين تحمي لغتها، فكيف تعجز اثنتان وعشرون(22) دولة عربية عن إصدار قوانين تحمي لغتها الرسمية، بنص دساتيرها ؟!
في خِضمّ التحديات الهائلة التي تواجهها لغة الضاد في زمن العَوْلَمَةِ، يتحتم على الدول العربية أن تسارع-دون تأخير- إلى إصدار قوانين صارمة (يُعاقَب المخالفُون لمقتضياتها).
تتضمن هذه القوانين- على سبيل المثال- ما يأتي:
1-اعتماد العربية لغة للإدارة في جميع المرافق الحكومية والدوائر الرسمية، ولغة للتعليم، في جميع مراحله وأنواعه، وفي وثائق ومداولات القطاعيْن العام والخاص، والعمل على سلامتها نحوًا وصرفًا وإملاءً وأسلوبًا... ، وإنشاء أجهزة في الوزارات والدوائر الحكومية لهذا الغرض (العناية بسلامة اللغة العربية).
2-التزام وسائل الإعلام والنشر بسلامتها واستعمال الفصيح منها، وعدم استعمال العامية لغير ضرورة (والضرورة تقدَّر بقدرها)، وتقريب العامية من الفصحى، في هذه الحالة (ما يُعرَف بدارجة المثقفين).
3-كتابة البيانات التجارية واللافتات ونحو ذلك بلغة عربية فصيحة.
4- الفصْل التامّ بين التدريس باللغة الأجنبية وبين تعلُّمها، فالأول مرفوض لأنه يلغي اللغة الرسمية ويهمّشها ويمنع المتعلمين بها من الاندماج في سوق العمل، والثاني مطلوب ومرغوب فيه لأنه يساعد على التفاهم بيُسْر والتواصل المباشر مع المتحدثين بهذه اللغة الأجنبية والاطلاع على الكتب والبحوث المنشورة بها. والله وليّ التوفيق.
الأستاذ اسلمو ولد سيدى أحمد