أعمر بن اعلي شنظورة:
بعد وفاة الأمير التروزي أعلي شنظورة سنة: 1727م، تولى بعده ابنه أعمر، وقد وصف بالعدالة والرياسة وحب الزوايا والإحسان إليهم، وهي أمور ظهرت بوادرها عند والده.
وقد اختلف مؤرخو الترارزة في إمارة أعمر، هل كانت بعد عمه الشرغي بن هدي، أم بعد والده أعلي شنظورة؟ فذهب محمد فال بن بابا العلوي إلى أن الشرغي تولى ثلاث سنين بعد وفاة أخيه، وذهب المختار بن حامد إلى أن أعمر هو من تولى بعد وفاة أبيه، ونظرا لقول محمد فال بن بابا العلوي فيمكن أن يقال إن فترة الشرغي أشبه ما تكون بالفترة الانتقالية، لقصرها من ناحية، ولعدم حصول (معاهدات أو حروب) عكس الذين سبقوه من أمراء الترارزة، بينما في عهد الأمير اعمر حصلت أيام ومواجهات؛ بل وظهر لاعب جديد هو التجار الإنگليز، وعليه فإن القول بتولية أعمر بعد أبيه هو الأقرب للصواب.
ومهما يكن من أمر فإن أعمر سار سيرة والده وزاد على ذلك بعقد صلته بالإنگليز، وعزز من وجودهم على شواطئ الترارزة؛ الأمر الذي أثار حفيظة شركة الهند الشرقية (الفرنسية)، والتي سبق وأن خاضت عدة حروب مع الهولنديين على الشواطئ الموريتانية، بل وقامت بخطف مجموعات من خفر السواحل البيظان، وتم رميهم في المحيط نتيجة لغضب هذه الشركة.
طبعا من الأهمية بمكان الإشارة إلى والدة الأمير اعمر (عائشة بنت التونسي ولد عتام ولد دمان)، والتي سيكون لها دور محوري في مستقبل الإمارة، الذي بدأت بوادر الغموض تلوح في مستقبله مع بدايات حكم أعمر، نتيجة لرياح التغيير والانقسامات داخل جميع السلطنات والإمارات البيظانية. هذا بالإضافة إلى زوجة الأمير اعمر (فاطمة اطفيلة بنت الشرغي ولد هدي)، وأخيها سيدي المختار ولد الشرغي، والنزاع بين أولاد عتام (أخوال الأمير اعمر)، مع أولاد دامان (أبناء أعمام الأمير)، أمور وأخرى يضيق المقام عنها.
في سنة: 1730م، تكاثرت السفن الانگليزية على شواطئ الترارزة، وبدأت في عقد صلتها بالأمير أعمر، إضافة إلى ممتهني بيع (العلك)، الأمر الذي أزعج الفرنسيين، وفي المقابل كانت الممالك الزنجية تعيش هي الأخرى صراعاتها من أجل كسب ود التجار الأوروبيين، فقام ملك (فوته) بالانقضاض على ملك (كايرو)، في الضفة الثانية من النهر، فاستغل الفرنسيون الأمر، وأصبحوا يعبرون الأراضي السنغالية نحو العمق الموريتاني دون المرور بالأمير أعمر في الترارزة.
وفي سنة: 1731م اشتدّ الصراع بين الفرنسيين والانگليز على الشواطئ الموريتانية، وعزّز الإنگليز وجودهم بسفن حربية كبيرة، فاستوالوا على ميناء بورتانديك (ميناء هدي/ 42 كلم جنوب نواكشوط)، وحرموا الفرنسيين من أيّ تبادل تجاري عليه بعد توقيع معاهدة مع الأمير أعمر بهذا الخصوص.
وقد وصل الخلاف إلى خلاف بين ملك فرنسا وملك انگليترا، وعندها أرسل الفرنسيون سنة: 1737م قوة حربية كبيرة إلى الشواطئ الموريتانية، وعلى الشاطئ كان الأمير اعمر يضع رجلا على أخرى، وينظر إلى أين سينتهي هذا الخلاف.
في سنة: 1738م أرسل ملك انگليترا رسالة إلى الترارزة يحذّر فيها من نية ملك فرنسا منع التبادلات التجارية معه، وعلى الفور بعث بسفن حربية جديدة، وأصبحت الشواطئ الموريتانية مسرحا لعرض العضلات بين فرنسا وانگليترا، أمور وأخرى جعلت الفرنسيين يخرجون عن طورهم، فبدأوا في قنص التجار البيظان من داخل البحر، وقتلوا بعضهم. مما زاد من حنَق الإنگليز؛ الذين قالوا إنه ليس من حق الفرنسيين مهاجمة البيظان على أساس أنهم اختاروا شريكا تجاريا جديدا.
وسعيا للخروج من هذه الأزمات أقام الفرنسيون علاقات تجارية مع البراكنة، وأسّسوا سنة: 1743م مرسى جديدا في نهر السنغال، مما أغضب الأمير أعمر، بحكم الصراع التقليدي بينه وبين أبناء عمومته من البراكنة. وعندها هاجم بعض أنصار الأمير أعمر المرسى الجديد، لكن الفرنسيين حافظوا على هدوئهم، بل وأكثر من ذلك لم يستمعوا إلى كلام الأمير المختار بن آغريشي (البركني)، الذي طالب بمهاجمة أنصار الأمير أعمر.
في هذه الأثناء استطاع أولاد (غيلان) مهاجمة الترارزة سنة: 1752م، وبدأ الأمير اعمر في الضعف، وكان نفوذ المختار بن الشرغي (أحد إخوة فاطمة طفيلة) في تزايد، وعند وفاة الأمير أعمر سنة: 1757م، استطاع المختار المحافظة على السروال الأبيض، ومنحه بعد ذلك لأحد أبناء أخته، (كما قال محمد فال بن بابا) بعد أن قالت له فاطمة اطفيلة احفظ الإمارة لابني، وهو سميه (المختار ولد اعمر ولد اعلي شنظورة)، وكان المختار هذا هو أول من ألبس سروال الإمارة، وخصص لنفسه طبلا من النحاس، وسمي هذا العام لدى البيظان بعام (چَفچَف)، لشدّة ما حصل فيه. وفي موت الأمير اعمر قال والد بن المصطفى بن خالنا الديماني:
موت أمير المؤمنين اعمرِ
سليل شنظورة رئيس مغفرِ
ليلة ست من جُمادي الآخرة
ليلة سبت نال خير الآخرة
بعد عام (عشق) يا له من عام
فكم قضى فيه من الأعلام
فكم أمير وسديد وشديد
وكم شرير وشهير وشهيد
كالشيخ اعمر إمام المغرب
جميعه من عجــــم وعرب
قـــاهر عربٍ، وخديم الطلَبه
من أجل ذاك نال اعلى مرتبه
وهو أمير الأمرا بلا مرا
وهو كفيل الضعفاء والفقرا
وللمساكين ولليتامى
وللأرامل وللأيــــامى
مأوى الزوايا كهف كلّ مسلم
قــــاسط كلّ قاسط ومجرم
وحامل اللواء حامي الكُلِّ
وحامل الأوا جميل الكلِّ
رحم الله السلف وبارك في الخلف.
من صفحة المهدى محي الدين