هذه موريتانا إن كنتَ جاهلَها

هذا بعض ما ورد في كتاب “موريتانيا الحديثة” لمؤلفه اللبناني محمد يوسف مقلد، وقد كان مقلد في البداية تاجرا كمعظم اللبنانيين الذين هاجروا الى افريقيا، لكن الأدب والشعر في بلاد الأدب والشعر، جذباه وأغرياه، فهجر التجارة وغاص في التاريخ والحروف والقوافي، وكان سبّاقا في نقل الكثير مما نجهله عن تلك البلاد التي ما تركت قضية عربية مُحقّة الاّ ووقفت الى جانبها، والتي حافظت على الاسلام الصحيح، وعلى كرامة المسلم والعربي، وحفظت عيون الشعر وتراثا هائلا من المخطوطات الاسلامية.

هذه النسخة النادرة من كتاب محمد يوسف مقلد وجدتها في إحدى المكتبات العتيقة، ويعود تاريخ نشرها الى العام 1960، وفيها معلومات كبيرة الأهمية عن موريتانيا وعن تلك المرحلة الهامة من تاريخنا العربي والاسلامي من الاندلس حتى افريقيا.

 

—————————————————————————————————————————————–

 أفلَ نجمُ العرب في الأندلس، وأضاء في أفريقيا، وما يزال

تلك حقيقة مشهورة ولكن من جانب واحد: عنيتُ الأقطار العربية الثلاثة في أفريقيا الشمالية: فالمشهور عندنا في المشرق، والقائم في أذهاب الخاصة والعامة عندما نقول ” عرب افريقيا” هو إنما نعني مراكش وتونس والجزائر، وانتهى الأمر .

ولكن الأمر لم ينته.. فالجانب الآخر المغمور من الحقيقة، هو موريتانا، القطر العربي العريق المناضل الصابر النائي..!

والموريتانيون هم- في الحقيقة- أحفاد المرابطين والموحدين الأول الذين بسطوا سلطان العرب على أرض الاندلس، وساهموا في نشر الدعوة الإسلامية واللغة العربية في أصقاع واسعة من الافريقيتين، السوداء والبيضاء.

إن الذين يعرفون موريتانيا أرضا وشعبا-مثلي-يعرفون كم هي شديدة ومتينة ومحفوظة روابط التاريخ بين الأجداد الماضيين، والأحفاد الحاضرين!

ولا كالبيضان شعبٌ في الدنيا أحرص على الروابط القومية والتقاليد العريقة والدينية، وأشد تمسكا بالشخصية التاريخية منهم.

من صفحة سامى اكليب

 الأصول :

يرجع الموريتانيون في أعراقهم الى عرقين: صنهاجة والعرب، وهو ما اتفق عليه المؤرخون البيضان أنفسهم، ومنهم المختار الحامد البوتيليميتي المؤرخ المعاصر المعروف .

 الموريتانيون عرب، أكثر مني ومنك في لبنان والعراق والسعودية والجمهورية المتحدة.

ليس عند القوم ما عندنا من مشاكل عنصرية، ففي لبنان-مثلا-يوجد من يقول نحن فينيقيون، وفي العراق يوجد من يقول نحن أكراد، وفي سوريا يوجد من يقول نحن شركس أو أتراك، وفي مصر يوجد من يقول- وان لم يشهرها-نحن فراعنة، وفي تونس والجزائر ومراكش يوجد من يقول ، نحن بربر ألخ…

أما هنا في موريتانيا، القطر العربي المجهول ، فلا يوجد من يقول :” لسنا عرباً”، مع العلم أنهم ككل القوميات البشرية في التاريخ، منحدرون من أرومات شتّى بعضها ليس عربيا.

موريتانيا اسم، لم اختره أنا، ولا اختاره أهلها، وانما اختارته القوة الاستعمارية الأوروبية حين استعمرت الأقطار الأفريقية، ومنها ” شنقيط” الأسم العربي الأصيل، الإسلامي الروح.. ولو خُيّرت، أو لو خُيّر أهل هذا البلد العريق، لما استحلينا على الاسم القديم جديدا، ولا ارتضينا به بديلا، لكن الاستعمار هو الاستعمار، لا يكتفي باحتلال الأرض واستعباد السكان، بل يعمل على استبدال الشخصية التاريخية كلها للبلاد المحتلة بأسماء من عنده وأوضاع من صنعه

تبارك الاسم (شنقيط) الذي كان عَلما على قرية صغيرة، فصار علما على بلاد كبيرة، تباركت القرية التي طمرتها رمال الصحراء الكبرى مرات ومرات، ثم عادت ونفضت عنها تراب الاندثار وقامت تتلو القرآن آيات فآيات!! القرية الطلل الذي كان ” عيونا تشرب منه الخيل” ويردّد أهله ” بسم الله الرحمن الرحيم” أطراف النهار وآناء الليل.. القرية الهدى، الذي تغلغل في أحشاء الصحراء أنسا وسرورا، وفي طلمات الغابات ووحشتها سراجا منيرا!! القرية التي كان ركبها (ركب شنقيط) خليطا أخويا- من البيض والسود- يأتي كل عام مشيا على الاقدام، حاجا الى البيت العتيق، مشتاقا الى رؤية ” الحشر” على الجبل، واذكاء النحر وتقبيل ” الحجر الأسود” والصلاة ما وسعه الوقت في فناء الحرم أو داخل الكعبة، ثم يعود بعد عام شديد المشقّة حاملا الى بلاده تراب ” الأرض المقدّسة” وماء زمزم وأخبار بلاد العرب.

ذلك الركب، ركب شنقيط، الذي كان له من الشهرة ما كان، والذي كان له في حمل الدعوة الإسلامية شأن أي شأن، والذي بثّ روحانية المشرق في المغرب، ووصل عواطف الأسيويين بقلوب الأفريقيين.