مع التطور الهائل والأكثر فاعلية في الوسائل والأشكال الجديدة والإمكانيات التي سيتيحها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، فإن كثيرًا من الأنظمة المعروفة اليومَ آيِلٌ لا محالةَ إلى زوال سريع، وفي المقدمة منها تلك الأنظمةُ الأكثرُ مقاومةً للنماذج المرتبطة بالحوسبة؛ كالديمقراطية والحزب والمدرسة والإذاعة والتليفزيون والصحيفة والكتاب والألعاب الميدانية والشعر والرواية والمسرحية ومهن المحاماة والترجمة والرسم والإخراج السينمائي والتليفزيوني وخدمات الفوترة والتحصيل والتسويق وربما الاستشفاء غير الجراحي والإدارة الصحية... حيث توشك أن تغدو كلُّ هذه الأنظمة وغيرُها مجردَ ثقافة جماهيرية مدعَّمة بمهارات بسيطة في مجال استخدام التطبيقات الذكية، وتبدأ في التبدل والتغير علاقاتُنا وأساليبُنا في الحياة، وكيفيةُ إدارتنا لأعمالنا، وتتعطل طريقتُنا في التواصل، وتصبح الأولويةُ لبناءِ مجتمعاتٍ ذكية، والعيشِ في مبانٍ ذكية، والسيرِ في طرقٍ ذكية، واستخدامِ أدواتٍ ذكية بدءًا من المنبه والهاتف والثلاجة والسيارة إلى ما لا نهاية.
ثمةَ موجةُ تحولٍ ضخمةٌ قادمةٌ بوضوح، وقد بدأت تؤثر في علاقاتنا وفي نمط الحياة بالنسبة للأجيال الصاعدة خصوصا منذ سنوات قليلة. نحن على أبواب عصر “إنترنت الأشياء” (IoT).
فهل تصبح ثقافة "الما بعد" بديلا حتميًّا عن ثقافة المواكبة والمسايرة والنمو المتسارع بالنسبة للأمم التي أرادت (ولم تقرر فقط) أن تعيش لحظةَ التطور واختزالَ مراحل التنمية التي لا تنتهي؟
وهل نتوقف عن هدر الموارد في تشييد مشاريع نمطية وإصلاح أنظمة تقليدية لن تكون ذاتَ جدوًى بعد حين، وقد نضطر لإزالتها لاحقًا؟
وهل نحن جاهزون لهذا التحول الكبير، أم أننا قد رضينا بالاكتفاء بتقليب صفحات السياسة دون أن نفكر (حتى) في إنجاز أي شيء؟