بسم الله الرحمن الرحيم
▪️دراسة صادرة عن الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العربي حول أبرز القضايا والتحديات التي
يواجهها شعبنا الموريتاني المجاهد
[اعداد:مكتب الأمانة العامة في القطر الموريتاني]
يا ابناء امتنا العربية المكافحة...
عرف الشعب الموريتاني، تاريخيا، بقدرته على التعامل وبأقصى درجات التحمل والصبر والقناعة؛ وهي مزايا خولته قدرة هائلة على مواجهة مختلف الظروف المناخية الصحراوية القاسية وتطويعها إلى حد القدرة على الإنتاج العلمي والأدبي، إبان عصور الانحطاط في المشرق العربي، حيث البيئة صعبة على غير الموريتانيين للعيش والمحافظة فيها على البقاء..
ولأن كثيرا من الأشقاء العرب، خاصة في أقطار المشرق العربي، لا يعرفون شيئا عن أوضاع هذا القطر العربي والتحديات التي تواجه أشقاءهم هناك وخاصة مع الاوضاع الاعلامية القطرية والاقليمية؛ خصوصا أن أغلبية المهاجرين من الموريتانيين، من عناصر الشباب، يتخذون دول غرب إفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وجهتهم مهجرا بدلا من الاقطار العربية، سواء في المشرق أو المغرب؛ باستثناء الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حيث تتواجد بهما جالية موريتانية.
هكذا، في إطار متابعة المؤتمر الشعبي العربي، بصفته مؤسسة شعبية عربية، للأوضاع في مختلف الأقطار العربية، فقد تابع المؤتمر بصفته مؤسسة شعبية عربية أوضاع الشعب الموريتاني، بغية إطلاع الأشقاء في المؤسسات الجماهيرية والمجتمع المدني في الأقطار الأخرى عليها، توطيدا لأواصر الأخوة وتمتينا للرابطة القومية والإسلامية بين أبناء الأمة في مختلف أقطارها. فقد تميزت أوضاع هذا القطر، منذ استقلاله عن فرنسا، 28/11/1960، بالصعوبة البالغة؛ إن بمواجهة موجات جفاف قاس لسنوات متوالية او بسبب تقلب الأوضاع السياسية والانقلابات العسكرية وما يستتبعها او يترتب عليها من اضطراب سياسي وعدم استقرار، او بسبب نتيجة عدم الاستقرار على حدوده الشمالية والشرقية احياناً اخرى.
إن الشعب الموريتاني المشهود له بالصلابة في انتمائه القومي العربي وتواصله المتين على وجه الخصوص مع أبناء المغرب العربي، منذ كان مجتمعا بدويا متنقلا بلا سلطة مركزية، قبل الاستعمار الفرنسي، والمعروف مع ذلك بسعة انفتاحه الحضاري والثقافي على شعوب إفريقيا السمراء، على حدوده الشرقية والجنوبية، ما مكنه من نشر الإسلام واللغة العربية وعلومها في هذه المجتمعات غير العربية؛ واتاح له تشييد جسور ثقافية وحضارية ودينية عظيمة بين الأمة العربية وشعوب غرب وجنوب القارة الإفريقية؛ الأمر الذي استثمره الرئيس الأسبق للبلاد المرحوم المختار ولد داداه في تحصين الدول الإفريقية، غير العربية، من اخطار التسلل الصهيوني في سبعينيات القرن الماضي، كما ايضاً وبفضل الإرث التاريخي والحضاري الذي خلفه الأجداد الموريتانيون الذين وصلوا مبكراً الى تلك الديار وقد اثمر ذلك أطيب النتائج على سلاسة التواصل والتلاقح الثقافي بين العرب حاملو رسالة الاسلام والأفارقة السود.
▪️إن المؤتمر الشعبي العربي، إذ يثمن عاليا ذلك الدور التاريخي في تقوية جسور التواصل والتداخل والتمازج بين الثقافة والحضارة العربية الإسلامية والثقافات العميقة لشعوب إفريقيا، فإنه يتابع بإهتمام كبير التحولات الاجتماعية والتطورات السياسية التي تجري في هذا القطر العربي الواقع في اقصى البوابة الغربية للوطن العربي. وقد كان من أبرز التحولات الاجتماعية وأعظمها أثرا على موريتانيا الحديثة هو قانون إلغاء العبودية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي وتعزيز هذا القانون بقانون تجريم هذه الممارسة المشينة اللاإنسانية وإنشاء محاكم مختصة لمقاضاة المجرمين الذين ربما ما زالوا يمارسونها في بعض مناكب البلاد و أطرافها القصية.
كذلك، فإن انتهاج الدولة لسياسة وضع برامج اقتصادية واجتماعية لصالح الفئات الهشة، وفي مقدمتها، السكان المنحدرون من أرقاء سابقين وشريحة لحراطين عموما التي عانى أغلب أفرادها من التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسبب مخلفات ظروف الاستعباد، تاريخيا.
إن المؤتمر الشعبي العربي الذي يرى في لحراطين مكوناً عربياً عظيماً بقي لقرون ضحية للظلم العظيم؛ وهو ما يوجب على الدولة والمجتمع ونخبه الوطنية والتقدمية إنصافها خاصة بوضع برامج ومشاريع اقتصادية واجتماعية وتربوية في مختلف المناطق التي يتمركز فيها أبناء هذه الشريحة، في آدوابه و أحزمة المدن، بما يسمح لهم إدخال أبنائهم في المدارس؛ ويهيب المؤتمر الشعبي العربي مناشدة الأشقاء العرب أن يساهموا في جهود لدعم هذا المطلب من خلال تمويل وضع هذه البرامج والمشاريع لتلك الغاية مع توفير البنى التحتية الطرقية وخدمات الصحة والتعليم والمياه والاستصلاح الزراعي وبناء وحدات سكنية شعبية لصالح المستويات الأكثر هشاشة من عناصر هذه الشريحة. كما مطلوب من المؤتمر ضرورة إحداث إصلاح عقاري من قبل الدولة الموريتانية تتحول بمقتضاه الملكية العقارية للأراضي الزراعية من الملكية الجماعية إلى الملكية الفردية للمواطنين العاملين في الأرض على مبدأ "الأرض لمن استثمرها".
إن المؤتمر الشعبي العربي يكبر في النخبة الوطنية الموريتانية بكل عناوينها ووعيها السامي وتضحياتها في سبيل القضاء على جيوب العبودية البشعة واجتثاث مخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية. ويهيب المؤتمر بنخبة شريحة لحراطين العرب، خاصة، وحركاتهم الحقوقية أن يقودوا نضالهم النبيل على خط وحراك وطني جامع لكل مكونات الشعب الموريتاني، تندمج فيه الحركة الانعتاقية كلها لمحاربة العبودية ومخلفاتها مع جميع مكونات المجتمع، والتنبيه الشديد لتجنب الوقوع في شراك القوى "الحقوقية المشبوهة " الأجنبية التي تشوه نضالهم وتعزلهم عن القوى الوطنية التي ناضلت وتناضل في سبيل العدل والمساواة والتقدم. كما يشد المؤتمر على يد السلطات الموريتانية التي تنهج نهج العودة للمدرسة الجمهورية التي تحتضن جميع الموريتانيين، جنبا بجنب، وتؤمن لهم جميعا ظروفا دراسية وتعليمية موحدة، تفتح أمامهم فرصا متكافئة موضوعية ومتكافئة ومتساوية للتحصيل العلمي والتميز الفردي والتوظيف على أساس الكفاءة، بعيدا عن المحسوبية والمواقع المحجوزة مسبقاً اعتماداً على قيم اجتماعية وتاريخية بالية على حساب باقي فئات الشعب.
▪️وعودة الى الأوضاع التي خلفتها أحداث 1989 المأساوية بين موريتانيا والسينغال (1990،1991) وما استتبع ذلك من تجاوزات وانتهاكات بحق عسكريين خارج القانون، فإن المؤتمر الشعبي العربي - إذ يثمن الاجراءات التي قامت بها الحكومات الموريتانية المتعاقبة في مجال محاولات جبر الأضرار المادية والمعنوية التي طالت مواطنين مدنيين أبرياء وعسكريين من مكون الفلان الموريتانيين الأعزاء خصوصا - فإنه يشارك ذوي أولئك الضحايا آلامهم ومعاناتهم ويدعم مطلبهم استرجاع حقوقهم ضمن رؤية وطنية سليمة وروح إسلامية متسامحة تضمن الحق وتحافظ على وحدة الشعب وسكينته واستقراره وتصون استقلال وطنهم موريتانيا وسيادتها. ويهيب المؤتمر بالحكومة الموريتانية العمل الجاد لاستكمال النواقص او التقصير في تلك الجهود. ويؤكد المؤتمر على معالجة آلام ذوي آلاف المورريتانيين الذي تعرضوا لأبشع جرائم القتل والسلب والنهب في السينغال خلال تلك الأحداث، ويدعو إلى توحيد الموريتانيين، عربا وفلانا وزنوجا، وراء استعادة حقوق مواطنيهم الثابتة والتي لا تسقط بالتقادم، ولا يؤثر في جريمتها أنها ارتكبت خارج موريتانيا. ويدعو المؤتمر الأشقاء العرب للمساعدة في وضع نهاية عادلة لهذا الملف الشائك الذي لا يزال قائماً بين دولتين مسلمتين وجارتين.
▪️وفي موضوع الهجرة غير الشرعية، فإن المؤتمر الشعبي العربي يتابع الأنباء عن استمرار تدفق آلاف المهاجرين السريين من إفريقيا، عابرين نحو أوروبا، بعضهم يتجاوز وبعضهم يستوطن موريتانيا؛ وهو ما يشكل خطرا بالغا ودائما وما يترتب عليه التأثير في البنية الديموغرافية للبلد ويهدد على وجه الخصوص منظومة القيم العربية الإسلامية التي ظل الشعب الموريتاني يتمسك بها برغم ما مر به من ظروف. ونحن وفي موضوع تحديات الإرهاب والجريمة المنظمة، فإن المؤتمر يرصد بحزن ما تتعرض له دولة مالي، الواقعة على الحدود الشرقية و الجنوبية لموريتانيا، من تفسخ وفشل؛ الأمر الذي ينذر بمزيد من عدم الاستقرار في هذا البلد الإفريقي وفي البلدان المجاورة .
▪️إن الوضع في دولة مالي التي، ابتليت بتوطن مجموعات إرهابية وتنظيمات جريمة منظمة عابرة للحدود المشتركة مع موريتانيا، يهدد هذا في امنها واستقرارها بصورة خاصة وكذلك سائر بلدان المغرب العربي، التي يطلب منها مؤازرة موريتانيا وحكومتها في جهودها الأمنية والاقتصادية لدعم صمودها في مواجهة تلك التحديات الخطيرة على الجميع.
▪️وفي موضوع الصحراء الغربية، فإن المؤتمر يحيي موقف الحياد الإيجابي للحكومة الموريتانية حيال هذا النزاع الدموي بين أشقائها؛ ويدعو إلى إنهائه ضمن استيراتيجية تقوم من جهة على تخيير شعب الصحراء الغربية للفيدرالية مع أحد الأقطار الثلاثة، ومن جهة ثانية، ضمن وحدة سوق اقتصادية ونقدية وجمركية، ودفاع مشترك بين أقطار المغرب العربي .
▪️وفي موضوع الديموقراطية والحكامة، فإن المؤتمر يفخر بالمكتسبات الديموقراطية التي حققها الشعب الموريتاني بالمراكمة في إطار السلم والحفاظ على دولته عبر نضال طويل مع انقلابات وأنظمة استبدادية. ويغتنم المؤتمر هذه الفرصة ليثمن المناخ السياسي غير العاصف الذي يسود هذه الأيام في موريتانيا ويحيي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على انفتاحه السياسي المتحضر على قوى المعارضة الوطنية وقوى المجتمع المدني الموريتاني، بما أسس لبيئة سياسية طبيعية بين شتى الفرقاء. ويهيب المؤتمر بالرئيس إلى متابعة وتعزيز هذا الاتجاه الوطني البناء المفضي إلى الاستقرار وبالتالي إلى التنمية والرفاه. وفي ذات السياق، فإن المؤتمر، يعلن وقوفه المبدئي الحازم مع الشعب الموريتاني وجماهيره وقواه الحية في محاربة الفساد والقطيعة مع المفسدين وإحداث تغيير جدي يلبي طموحات الشعب المشروعة في التغيير ويعيد له ثرواته وأمواله المنهوبة من ثلة الفساد، ويحث الحكومة على تفعيل آليات المتابعة والرقابة والمحاسبة في هذا المجال، الذي بات يشكل أكبر خطر يهدد استقرار الشعوب ووجود الدول.
▪️وفي مجال تحدي الغزو الثقافي واللغوي، فإن المؤتمر ينحني إجلالا أمام الجهود التي بذلها الموريتانيون تاريخيا، بكل مكونات الشعب، وفي ظروف غياب الدولة والسلطة، للحفاظ على ثقافتهم ودينهم ولغتهم العربية التي وحدتهم؛ حيث شكلت وعاء مشتركا لخصوصيات ثقافية مختلفة شكلت في النهاية لوحة جميلة ومسرح حياة مشترك لبى رغبة شعب في العيش معا. إن المؤتمر الشعبي العربي يرى أن ما ترمز إليه مكونات الشعب الموريتاني من دور حضاري عظيم يوجب عليها وطنيا وتاريخيا الحفاظ عليه والارتقاء به إلى مستوى الرسالة الإنسانية لبقية شعوب المنطقة. إن اللغة العربية قد شكلت ذلك الوعاء وكانت أداة لاستيعاب وتدوين الميراث العلمي لعلماء الفلان والسونيكى والولف والعرب؛ ما مكنهم، جنبا إلى جنب من صد الغزو اللغوي الفرنسي، يتوجب رد الجميل لها من أحفاد أولئك الآباء والأجداد كافة، برا بالتاريخ وتواصلا مع موروث الحضارة العربية الإسلامية الرائدة، وتطلعا بثقة، كما كانوا، إلى مستقبل حضاري وثقافي واحد ومتنوع، أكثر إشراقا وتقدما.
▪️إن ذلك واجبا تاريخيا وحاجة يقتضيها العيش المشترك والمستقبل المنشود برؤية واحدة، وأعين متعددة تقتضي تكتيل الجهود وتثميرها صوب معركة التقدم ومواجهة التحديات التي لا تستثني مكونا من مكون. إن اعتماد اللغة العربية لغة موحدة لمكونات الشعب الموريتاني، بدلا من محاولات دس لغة الشعوب الفرنسية، ليس أمرا نشازا في التاريخ، وهو ما يبعد عن الاخوة، من غير العرب، في موريتانيا ، شبح الاغتراب والظلم أكثر مما تعرضهم له اللغة الفرنسية بكل تأكيد. ذلك إن العربي الموريتاني الذي يستشعر البنوة لذلك الإتصال والتواصل الحضاري والديني بين العرب والفلان والسوننكى والولف لن يكون إلا ممتنا وفخورا بالتميز القومي والتنوع الثقافي والحضاري لهذه المكونات التي تأطرت بإطار الحضارة العربية الإسلامية العريقة؛ فكان نتاجها شعب عربي إفريقي واحد متداخل ثقافيا ويشد بعضه إلى بعض وثاق الأرحام ووشائج المصاهرة، بعيدا عن محاولات الانغلاق والتعصب وميول العزلة او الانعزال التي تحاولها تيارات عديدة وبمسميات مختلفة ظاهرها العسل وباطنها السم الزعاف.
الرفاق الاعزاء في المؤتمر الشعبي العربي...
إن الامانة العامة للمؤتمر اذ تشكر مكتبها في موريتانيا على مجهوداته فإنه يسعدها ان تضع بين ايديكم هذه الدراسة لعلها تلقي مزيداً من الضياء والمعرفة عن اوضاع وقضايا ومعاناة الاشقاء على مختلف المستويات في قطرنا العزيز موريتانيا.
- النصر والمجد لشعبنا الموريتاني المناضل
الأمين العام للمؤتمر الشعبي العربي
المحامي احمد عبد الهادي النجداوي
في 13 أغسطس 2021