لقد عُّرِّفت كلمة "القيادة" فى أدبيات السياسة بأنها القدرة على توليد الثقة فى أحقية وصلاح الأهداف التى ينادى بها القائد، وعلى إظهار الشجاعة لتنفيذ تلك الأهداف، وجعل عدد أنصار القائد الملتزمين والمقتنعين برؤيته يزداد و يتسع.. هذا التعريف - رغم كونه محل إجماع - لا يكفي للتمييز بين "القيادة" (leadership) و "الرئاسة" (présidence).
هناك فرق كبير بين "القيادة" و "الرئاسة" قد لا يدركه بعض المحللين؛ ويتعلق أساسًا ب"الامتداد الزمني".. أي أن "القيادة" لها امتداد في التاريخ حيث تتجدد أهدافها و قادتها و أتباعها بلا انقطاع؛ بينما تنتهي "الرئاسة" في مأمورية أو مأمورتين يخيّم بعدها الصمت حول شعاراتها و جهودها و يختفي أتباعها و مناصروها.
و هذا الموضوع مهم بالنسبة لنا نحن الموريتانيين، إذ أنّنا لم نحظ عبر عقود طويلة بقيادات سياسية تمتّد عبر الزّمن و إنّما حظينا في أحسن الأحوال بشخصيات كاريزميّة مارست "الرئاسة" ولكنّها لم تمارس "القيادة". بمعنى أنّ معظم قادتنا كانوا "رؤساء" و لم يكونوا "قادة"؛ ذلك أن "القائد" لا بد وأن يترك من بعد رحيله أنصارًا يؤمنون بفكره ويحملون مسؤولية رسالته ويحاربون ويناضلون من أجلها.. وهذا لم يُر فينا ولا منا.
لقد فشل معظم الرؤساء السابقين فى خرق حاجز الزمن الحاضر إلى الزَّمن الممتد فى أفق المستقبل. لم يستطع أي منهم الامتداد في الزمن رغم قوة سلطانهم واتساع صلاحياتهم وكثرة مؤيديهم و قوة شخصية بعضهم.. و من أسباب فشلهم أنهم نسوا أو جهلوا أن من أهمّ وأعظم مهمّات القائد خلق "المتابعين" (adeptes) وليس فقط إنتاج "الأتباع" (suivistes)، ولهذا السبب ظلت البلاد تراوح المكان.
بعضهم توجسوا خيفة من وجود "صحابة" من حولهم (compagnons) قادرين على مزاحمتهم فى الشهرة و المكانة والنفوذ ... و بعضهم لم يدركوا أنهم يحتاجون إلى فريق بقائد وليس إلى قائد بلا فريق ... و جميعهم لم يفرّقوا بين "الرئاسة" و "القيادة". و كانت النتيجة: كثيرٌ من الرؤساء و قليلٌ من القادة؛ وكثيرٌ من الأتباع و قليلٌ من الاقتناع ! ومن هنا فسدت البلاد والعباد.. ومن هاهنا ينبغي أن يبدأ الإصلاح.
ومناسبة طرح هذا الموضوع ما يراه عدد كبير من المراقبين والمحللين من ضرورة استخلاص الدروس والعبر من إخفاقات الماضي و اغتنام الفرص المتاحة - في ظل التناوب السلمي على السلطة - لتجاوز هذه الأخطاء و النواقص و خلق "صحبة" سياسية حقيقية تؤمن بقيم و مبادئ و أهداف ثابتة لهذا القائد أو ذاك الحزب تجعله قادرا على خرق الحاضر إلى الزمن الممتد .. وكتابة شيء يعتد به في سجل التاريخ.
محمد فال ولد بلال