الزمان 20 مارس 1983، المكان مقاطعة كرمسين بولاية الترارزة، والتي كان واليها حينئذ الرشيد ولد صالح رحمه الله، وقائد المنطقة العسكرية فيها اعلي ولد محمد فال رحمه الله. المناسبة زيارة تفقد واطلاع يقوم بها الرئيس محمد خونا ولد هيدالة للولاية. الوفد المرافق للرئيس يضم عدداً من أعضاء اللجنة العسكرية وموظفين مدنيين في الرئاسة وإعلاميين.
كان الرئيس هيدالة بعد فشل محاولة 16 مارس 1981 متمكناً ومهاباً وقراراته لا مراجعة فيها.
ولئن كان زاهداً في المظهر ولا يظهِر أية أبهة فإنه كان يمسك الدولة إمساك قائد الثكنة العسكرية بثكنته؛ فالكل يحس برقابة السلطان ويخشي أن تبدر منه مخالفة إن لم تدخله السجن فقد تخرجه من الوظيفة او تذهب به إلي المنفى.
بدأ الرئيس زيارته بمقاطعة المذرذرة ثم أتبعها مقاطعة كرمسين، وهي مقاطعة جميلة ووادعة، وكانت تتميز بجمال الطبيعة والتضاريس واعتدال الهواء، وأهلها أكارم طيبون. وقد أمضيت فيها حاكما زهاء سنتين لا أتذكر تظلماً رُفع إلي ولا بواسطتي إلى الوالي.
وفي مستهل زيارة كرمسين استقبلنا الوفدَ بعد صلاة العصر في قرية الخوارة التي هي أقرب نقطة من المقاطعة إلي مركز تكند الإداري التابع للمذرذرة. ومع أن أغلب المجموعات علي طول الطريق، من الخوارة حتي لبيرد، ليست راضيةً عن النظام بعد تنفيذه حكم الإعدام بقادة محاولة 16 مارس، إلا أن غلبة الدولة بما في ذلك تأثير وسائل الإعلام والخوف على المصالح، كل ذلك جعل الجميع ينظّمون استقبالات ويصطفون علي الشارع مرحِّبين ورافعين اللافتات المعبّرة عن التمسك بالنظام وتوجهاته وإنجازاته وبهياكل تهذيب الجماهير التي كانت بديلا عن الأحزاب وعن الديمقراطية وعن الأغلبية والمعارضة والمجتمع المدني والبلديات والجهويات.
لم يصل كرمسين (عاصمة المقاطعة) إلا بعد صلاة العشاء، وكانت الطبول والزغاريد وأناشيد تلامذة المدارس علي أشدها، مع أن الظلام كان يلف جمال المظهر بشكل كثيف، إذ الإنارة العامة غير موجودة.
وفي الصباح (حدود 10) بدأ المهرجان الخطابي للرئيس وتدخل الأطر والوجهاء، فهمست في أذن الوالي رحمه الله برأيي في تنظيم المتدخلين، فقال لي نحن الإدارة نفسح المجال للأطر للحديث، فأعطيت الميكرفون لامحمد ولد سيدي بابا ولد أحمد يوره، وكان هو مسؤول الإنعاش في لجنة المقاطعة، فرحب بالرئيس ووفده باسم سكان المقاطعة وأبدي موقف المساندة والتعلق بتوجهات القيادة، ثم عرض الاحتياجات الملحة للسكان. ومن بعده تكلم منسق المنطقة المحلية ومسؤول الشباب حمن ولد الصبار رحمه الله. ثم أعطيت الكلام بعده للأستاذ عابدين ولد التقي، ومن جملة ما قاله: أنا إسمي عابدين ولد التقي، وهو اسم لا يختلط باسم أي أحد من سكان المقاطعة. ثم استرسل بكلام في منتهي الشجاعة وكأنما يتنبأ بأنه سوف يصير محامياً، مع أنه آنئذ أستاذ لغة عربية بثانوية روصو. وقال: السيد الرئيس يجب عليكم أن لا تغتروا بمن يصفق لكم ويزغرد، فيوم ينقلب عليكم أو تخرجوا من السلطة حينذاك سوف لا يذكركم ذاكر ولا يزوركم زائر، بل على العكس من ذلك فستقام ضدكم الحملات، لذلك اعدلوا بين الناس وساووهم في المناصب والوظائف وحققوا إنجازات يذكرها لكم التاريخ.
وكان الرئيس أثناء المداخلة يتبادل النظرات مع بعض أعضاء الوفد، وكنت أخشي علي عابدين من الجرأة غير المتوقعة أمام الرئيس، كما كنت أخشي علي نفسي من غائلة الموقف المعارض. لكن الحمد لله لم يلحق بالأستاذ عابدين أي ضرر ولا ملاحقة، وأنا كذلك لم أُسأل عن خلفيات التدخل، ولا لماذا هذه الجرأة.
من سجل الذكريات
للإداري يحي ولد سيد المصطفى
من صفحة محمد المنى