كثيرا ما تتوارد خواطر الشعراء وتتلاقى على معنى معين فيأخذ بعضهم من الآخر معنى، بوعي أو دون وعي، و ''هل غادر الشعراء من متردم'' من قديم الزمان قالها عنترة العبسي، إلى زماننا هذا الذى يحث فيه سيدى محمد ولد الشيخ سيديا معاصريه من البلغاء و سدنة الشعر و الأدب ليدلُّوه على مقصد شعري بِكر لم يُطرق من قبل:
يا مَعْشَرَ الْبُلَغَاءِ هَلْ مِنْ لَوْذَعِي @ يُهْدَي حِجَاهُ لِمَقْصَدٍ لَمْ يُبْدَعِ
إِنِّي هَمَمْتُ بِأَنْ أَقُولَ قَصِيدَةً@ بِكْرًا فَأعْيَانِي وُجُودُ الْمَطْلَعِ
و فى الأخير يخلص ولد الشيخ سيديا إلى أن ''الجلَّ مِن شُعَرَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا @ مَا إِنْ أَرَى فِي ذَا لَهُ مِنْ مَطْمَعِ.
و يُوصف توارد الخواطر هذا فى الشعر من بعض قساة النقاد بالسرقة الشعرية، و يخفف بعضهم الحكم و يُكَيِّفُ التهمة على أنها وقع حافر على حافر.
لكن هذا التوارد و التلاقى فى الخواطر تجاوز شعراء الفصيح فيما يينهم، ليجر طرفه على الشعر الشعبي الحساني المعروف محليا ب''لغن'' فربما ياخذ الشاعر الحساني الفكرة من شاعر فصيح و يصوغها بسلاسة و براعة تنسيك الأصل الفصيح رغم جماله و رِقَّته.
و من أجمل ما رأيت من هذا النمط و أطرفه و أكثره تطابقا ما حصل من التماثل و التشابه البيِّن بين القطعة الشعرية التالية للوأواء الدمشقي و طلعة الشاعر الشعبي الموريتاني المختار ولد أوفى
بقول الوأواء الدمشقي :
باللهِ ربِّكما عُوجَا على سَكنِي ... وعاتبَاهُ لعلَّ العتْبَ يعْطِفُه
وحدِّثاه وقُولاَ في حديثِكُما ... ما بالُ عبدك بالهُجران تُتلفُه
فإنْ تبسَّم قُولاَ في مُلاطفةٍ ... ما ضَرَّ لوْ بِوصالٍ منكَ تُسعِفُه
وإنْ بدَا لكمَا في وجهِه غضَبٌ ... فغالِطاهُ وقُولاَ ليسَ نَعرفُه
و بقول المختار ولد أوفى
لَحَّگْ للريم ألِّ مجعـــــــول ... أعليها ش مانك مرسول
وأنت رانك تعرفْ شِ اتْگُـولْ ... من يم الحالَه وَاصِفْنِ
إيلا فيها شفت القبــول ... حَفَّلن هاك أ زخرفن
و لا نعتت لك يم الطول ... عن ذاك المنوال أصرفنِ
و اجحدن عنه گاع و گول ...الها عنك ما تعرفنِ
و قد بذل الشيخ محمد ولد بتار ولد الطلبة جهدا كبيرا فى جمع و دراسة هذا النوع من المطابقات فى كتابه الشعر الموريتاني الملحون "لغن" خطوة نحو الإكتشاف ، دراسة مقارنة بين الشعر العربي الفصيح و الشعر الشعبي الموريتاني ( لغن)
كتاب اقتنيته منذ عدة سنوات، أعيد قراءته للمرة المائة ربما، أرجع إليه من حين إلى حين لأكتشف فيه ما لم أكتشفه فى القراءة السابقة، أنصح المولعين بهذا النوع من المقارنات الأدبية بقراءته فقد يجدون