كتاب الديمين من خلال كلام وطبع وعادات أولاد ديمان/ الحسين بن محنض الصادر مؤخرا..

 

مقتطفات من المقدمة

(ما يزال المجتمع البيضاني يشكل أرضية خصبة في مجال البحث، رغم الدراسات والبحوث الكثيرة التي أنجزت حوله حتى الآن. كما أنه ما يزال يعاني من عدم التكافؤ في موضوعاته، فقد اتجهت أغلب البحوث والدراسات المهتمة بالمجتمع البيضاني إلى الجوانب التاريخية والأدبية والدينية فيه، فيما أغفلت الجوانب الاجتماعية والأنتروبولوجية.

ولعل هذا البحث الذي لم يرد له أن يكون دراسة اجتماعية أو أنتروبولوجية صرفة -حيث إنه لم يغفل الجوانب التاريخية والأدبية- يكون إسهاما في ترسيخ الوعي بضرورة الاهتمام بهذا النوع من البحوث والدراسات، فهو يهدف إلى دراسة المجتمع الديماني الذي هو أحد المجتمعات القبلية التي تسكن في منطقة إيگيدي الموجودة بعمق الجنوب الغربي لبلاد الگبله.
وتتميز هذه القبيلة عن القبائل الموريتانية الأخرى بما هو معروف لدى المجتمع البيضاني عموما بالديمين(=استدمين)، الذي هو نسق اجتماعي وثقافي وأخلاقي تميزت به هذه القبيلة وباتت معروفة به، حتى إن الفرد أصبح يكفي أن يكون من قبيلة أولاد دیمان لكي يعتبره الناس "متديمنا"، ويبحثوا في كل ما يصدر عنه، ولو كان بريئا، عن أي أثار محتملة للديمین.

ولقد دفعتني هذه الملاحظة إلى الاهتمام بهذه الظاهرة، ومحاولة معرفة كيف وجدت؟ وكيف تطورت؟ والوقوف على الخصوصيات التي أسهمت في تميزها عن إطارها العام الذي هو البيئة الاجتماعية لمختلف قبائل تشمشه الأخرى، والخروج بها على أساس أنها نسق اجتماعي مستقل، استطاع، لا أن يحتفظ بخصوصياته التي اتخذ لنفسه فحسب، بل وكذلك أن يدخل في منافسة الأنساق الاجتماعية الأخرى التي يجمعها معه نفس الوسط، ومزاحمتها. (...)

لكنني لم أمايز أبدا بين ما تشارك فيه المجتمعات القبائلية الأخرى قبيلة أولاد دیمان من أنساق وعادات وتقاليد، ولم أهتم بممايزتها إلا من حيث تكون الإشارة إلى مواقع الخصوصية الديمانية فيها ضرورية، فنحن أحيانا نرى الخاص في العام، وإذا ما لاحظنا وجود نسق معين أو عادات أو تقاليد في قبيلة أولاد دیمان فلا يمنع ذلك وجودها في غيرها من قبائل تشمشة، أو في قبائل الزوايا أو قبائل العرب، أو حتى في عموم قبائل البيضان.

إن اهتمامي بالديمين يأتي من ملاحظة أن هذا الكلام لا بد أن يكون وليد قرون عديدة من الممارسة والتقمص، حيث لا يمكن أن يكون المستوى الرفيع الذي هو عليه الآن، إلا نتيجة تراكمات كثيرة احتواها زمن طويل من الممارسة الديمانية، كما أن الحكايات والشواهد التي بين أيدينا منه لا بد أن تكون حصيلة اصطفاء قام به الجمهور، بحيث تكون الشواهد التي حفظها لنا التاريخ هي وحدها التي استطاعت أن تقاوم تحدي الزمن (...).

وقد وجدت في المصادر والمراجع التاريخية والاجتماعية والانتروبولوجية العامة ما مكنني من تأطير هذا البحث، مستندا في ذلك إلى مراجع أهمها في مجال التعريفات الاجتماعية والأنتروبولوجية: "مقدمة في الأنتربولوجيا الاجتماعية" للوسي مير (ترجمة وشرح شاكر مصطفى سليم)، وفي مجال علمي الاجتماع والأنتروبولوجيا عموما: "مقدمة ابن خلدون"والدراسات التي تناولت مفهوم العصبية لديه، و"البداوة والإسلام والسلطة السياسية في مجتمع البيضان قبل الاستعمار" لعبد الودود بن الشيخ، لاسيما ما تعلق منها بدراسته النقدية للمجتمعات الانقسامية، محاولا تقديم إطار نظري يمكن من استيعاب أكثر للموضوع.

كما استفدت من المصادر والمراجع التاريخية للبلاد في تقديم صورة عن الظروف التاريخية التي سبقت أو اكتنفت ظهور أولاد ديمان، وتاريخهم مع الديمين، وفي مقدمة هذه المصادر والمراجع: "شيم الزوايا" و"أمر الولي ناصر الدين" كلاهما لمحمد اليدالي، وكتاب "الأعداد" لأحمدو بن احبيب، و"تاريخ إمارة الترارزة" لأحمد سالم بن باگا، و"حياة موريتانيا" للمختار بن حامدن، رغم القصور الواضح الذي تعاني منه المصادر التاريخية فيما يتعلق بما بين دولة المرابطين ومقدم بني حسان، هذا القصور الذي حاولت تلافيه من خلال ما استطعت تجميعه من مصادر مختلفة خلال بحثي التاريخي.

أما الديمين، وإن كانت دراسته في مظاهره المختلفة (الكلام، الطبع، العادات) تقتضي اللجوء إلى أدوات ومناهج البحث الحديثة، فقد استفدت فضلا عن ذلك في دراسته من مجموعة من المصادر والمراجع التي ألفها أولاد ديمان عن بنيتهم وأنسابهم ومناقبهم وطبعهم وعاداتهم، وهي عديدة من أبرزها: "أنساب أئمة العشائر"، المشهور باسم "كتاب الأنساب" أو "نبذة في أنساب الصحراء القصوى" لوالد بن خالنا الديماني، و"اللؤلؤ والمرجان في مآثر بني ديمان" لمحمذن بن حبلل الديماني، و"نظم طبع أولاد ديمان" لبابه بن محمودن بن محنض بابه الديماني، و"ذات ألواح ودسر" في الرد عن بني ديمان وذكر بعض مناقبهم لسيدي أحمد بن أسمه الديماني، و"عقود الجمان في أنساب بعض بني ديمان" لعبد الله بن امين الديماني. كما استفدت من بعض ما كتبه عنهم سواهم كـ:"نظم نوادر هزل أولاد ديمان" للشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا الأبييري، و"مجمع البحرين في نظم طبع أولاد ديمان" للمختار بن جنگي اليدالي.)... يتبع