إلى أعضاء المجلس الدستوري

لا أخفيكم بأني ترددت كثيرا في الكتابة إليكم كما ترددتُ من قبل ذلك في الكتابة إلى حكماء لجنة الانتخابات، ولا أخفيكم بأن الكثيرين من حولي كانوا يقولون لي دائما بأنه لا فائدة ترجى من الكتابة إليكم، فأنتم ـ وحالكم في ذلك كحال الحكماء السبعة ـ لن تترددوا في تنفيذ أوامر السلطة الحاكمة، ولن تتأخروا في تقديم شهادة زور إذا ما طلب منكم تقديمها.
لقد صدق أولئك الذين نصحوني بعدم تضييع وقتي في الكتابة إلى حكماء لجنة الانتخابات، فقد تأكد لي الآن بأنه لم تكن هناك أي فائدة ترجى من الكتابة إليهم، وأرجو أن لا يتكرر الأمر معكم، وأرجو أن لا يصدق في هذه المرة كل أولئك الذين قالوا لي بأن الكتابة إليكم لن تختلف عن الكتابة لحكماء لجنة الانتخابات، فهي ستبقى مجرد تضييع للوقت وللجهد.
مؤسف جدا أن يصل بنا اليأس والإحباط إلى هذه الدرجة.. ومؤسف جدا أن لا تجد في موريتانيا كلها من يحسن الظن بأعضاء أعلى هيئة دستورية في البلاد.
والمؤسف أكثر هو أننا بلغنا الحضيض على مستوى انهيار القيم والأخلاق لدرجة لم يعد فيها من الممكن لأي واحد منا أن يتوقع من أعلى هيئة دستورية في البلاد أن تتقدم بشهادة صدق في قضية بالغة الخطورة، تتعلق باستفتاء غير دستوري، وغير توافقي، وشهد عمليات تزوير غير مسبوقة، وهو يمكن إن يؤدي ـ إن تم تمرير نتائجه المزورة ـ إلى تفكيك البلاد لا قدر الله، وذلك بعد أن يصبح لأهل هذه البلاد أكثر من علم، وأكثر من دستور، وأكثر من نظام تشريعي.
تقول المادة 85 من الدستور الموريتاني : "يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء ويعلن نتائجها." فهل ستسهرون ـ يا أعضاء المجلس الموقر ـ على صحة استفتاء الخامس من أغسطس الذي يشهد الجميع بأنه عرف الكثير من عمليات التزوير، أم أنكم ستغمضون عيونكم وتجيزون هذا الاستفتاء، فستسجلون بذلك شهادة زور ستظل تلاحقكم في دنياكم وفي أخراكم؟
يا أعضاء المجلس الدستوري أمامكم الآن فرصة ثمينة فلا تضيعوها كما ضيع حكماء لجنة الانتخابات الفرصة التي أتيحت لهم، وعليكم أن تعلموا إن أنتم قررتم تضييع هذا الفرصة بأنه سيشهر بكم كما شهر بحكماء لجنة الانتخابات، وستمنحون أوسمة خيانة أمانة، كما منحوا هم أوسمة خيانة أمانة.
ولن يتوقف الأمر على ذلك، فعليكم أن تعلموا بأن هناك طلبات تتسع يوما بعد يوم تطالب بأن يجعل من الخامس من أغسطس من كل عام يوما وطنيا لمحاربة التزوير، على أن يتم التذكير في هذا اليوم من كل عام بكل أولئك الذي خانوا الأمانة، وشاركوا في واحدة من أوسع وأخطر عمليات التزوير التي شهدتها البلاد في كل تاريخها.
فهل تريدون أن تخلد أسماؤكم في سجلات التزوير، وأن يشهر بكم عاما بعد عام، وأن يتذكركم الموريتانيون ـ جيلا بعد جيل ـ على أنكم كنتم من الذين خلدوا أسماءهم في سجلات التزوير ؟
يبقى الخيار لكم في أن تستغلوا الفرصة المتاحة الآن أمامكم أو أن تخلدوا أسماءكم في سجلات التزوير...لكم الخيار، وعليكم أن تختاروا.
حفظ الله موريتانيا..