مجانين لكصر

من صفحة المتميز سيد محمد

لئن كان الأخ المتمير زايد محمد كتب عن مجانين مقاطعة تيارت "بريمييل" القدماء كأحمد هدي وامجيدرها ومحمذن فال .. كتابات لا تخلو من إسقاطات سياسية، فإن لمقاطعة لكصر مجانين ألفوها وألفتهم فكانو جزءا من ساكنتها تماما كما هو حال باعتها المتجولين وطلاب مدارسها ومحاظرها، ووگافة اباتيگ السقط ومحلات بيع قطع الغيار والخردوات ومواد البناء، ومنيفرات ورجال الأعمال والدراويش وعمال وميكانيكيي الگراجات وعمال الصبغ والسمكرة والمنجرات، والمطاعم والمقاهي وگردايت سينما.

يتوزع مجانين لكصر بن المجذوب الصرف المصروف عن ظاهره، ومن ولّى عليه الورد، ومجنون الغرام والغيرة من الجنسين، ومن سرمينَ جراء الباكالوريا، ومن ركبه أهل شاتو وأهل بلحمر ومن تخلط مع سحر مبلول گبلت لبحر ولايرتجى برؤه ..

منهم المقيم الدائم لا يبرح المدينة، ومنهم جوّاب الآفاق، ومنهم الراطن الراطل ومنهم الساكت الذي يقلب طرفه ساهما دون كلام، ومنهم الهادئ ومنهم البطاش ومنهم من تخافه النساء ومنهم من يخافه الأطفال ومنهم من يخافه الجميع.

من جوابة الآفاق ذوي البطش المرحوم بكّاه وكانوا يشبهونه بالقطار كان يصفع من في طريقه بيده المرفوعة وله مقص ربما أخذ من رأس أو لحية من يصادفه، فترى طفلا منتوفا فيقال لك "ذاك متخلط امع بكاه" وربما رگعه بيده حتى يعظ من التراب.

من قدماء مجانين لكصر "إيّيْ حيدره" كان أنيقا في ملبسه ببدلته وربطة عنقه وشعره الممشط الأشيب وجريدته التي يحمل، وكان يحلل ويتكلم في السياسة.

ومنهم "ولد بتيش" بشعره المنفوش الأشيب كالثغامة، لاينفك يتحدث عن مؤامرة دنيئة اغتيل جراءها الأمير محمد فال ولد عمير في دكار، وربما أدخل في الحديث كلمات من الفرنسية خاصة كلمة (Obligatoire)، ثم يعمد إلى عمود الإنارة فيقرعه بحديدة عنده ما شاء الله له أن يقرع وكأنه يجري عملية اتصال عبر ماكان يعرف بالسلك ثم ينصرف.

ومنهم "سيكوتَ" وكان أستاذا زائرا، مثل "منت بوجداره" التي تفد إلى لكصر من كبة الخنازير وتمكث مدة في المرصة، وهي رامية بارعة بالحجارة وكانت الناس تتفاداها خوفا من صواريخ أرض أرض التي تستعملها كالطوب والمحار وشظايا ابريك.

ومن الزائرين "اشريف لدخن" الذي وقف ذات صباح عند مدخل مسجد بداه العتيق، وطفق يجلد الخارجين، وكلما أطعم أحدهم سوطا يقول له "تلك صدقة سر".

ومنهم أحمد هدّي وهو من المهاجرين الأوائل من لكصر إلى مقاطعة تيارت، وكان رجلا يحب الفخر فكل ما هم بالبطش زغدت له النساء وصدحت بتمجيدته "هدي" أو "كنته يلخلَ" فيهدأ ثم ينصرف مختالا وكان أغلب أوقاته يرسف في سلسلة من الحديد مقيد بها.

ومنهم "السّاهْ" و "زاوُو" الذي يتقمص شخصية رجل مرور ينظم السير ويوزع المخالفات.

ومنهم مجنون سنغالي يأتي بانتظام كل صباح أنيق الملبس ويحمل كتابا في يده، يأتي من أقصى شمال المقاطعة متجها نحو الجنوب يتجاوز ملعب لكصر نحو سوكوجيم ثم يبتلعه السراب، كان يقف في محطات متقاربة ليكيل الشتائم بالفرنسية لشعب "الولوف" واصفا إياهم بأقذع وأبشع النعوت، ثم يختم بالقول: بئس القوم الوولوف!

ومنهم مجنون سينغالي يدعى "كونَى" يتجول في المدينة كما ولدته أمه بشعره المضفور مثل بوب مارلى (رستمان) ويدخن (يامبا) ويكثر من كمليا أوردينير.

ومنهم مجنون يعتمر غفارة من السعف ويمضي جل وقته على سطح (طب الحاج).

ومن المجانين الزائرين رجل أعجوبة، كان يضع كأس الشاي في فمه ويقفل فمه على الكأس، ثم ينظر في وجوه الناس ليختار الضحية ليرسل الكأس من فمه كالمنجنيق إلى الهدف المختار، ونظرا لامتلاكه سلاح الدمار الشامل هذا فقد اجتمع أهل الحل والعقد ونفوه من الأرض.

تمام الحج أن تقف المطايا :: على خرقاء واضعة اللثام
محمد سالم ولد سيدي امبارك، كان وديعا وشرسا في آن معا، كان كالبحر فكنا نتحلق حوله حين يكون ساكنا، فيتحفنا بقصص بلا بداية ولا نهاية ويغني بعض الأغاني الهندية وكان نديّ الصوت، وكنا نحذره كل الحذر حين يكون مزبدا.
كان يسمي نفسه "خمسايتي" وكنا نناديه بها دون أن نعرف قصة تلك الخمساية، ذات مرة كان يقص علينا بعض قصصه فجاء ولد بتيش وشرع في قرع عمود الإنارة فقال لنا: صوعو عنا ذ المجنون اصمكنا!
فضحكنا وتندرنا كثيرا بتلك الكلمة رحم الله محمد سالم وبكاه و ول بتيش ...
وربما أوى محمد سالم و ولد بتيش رحمهما الله إلى فور امبارك الشلحي فجاد عليهما خطاري بحنيذ اللحم.

ويروى على سبيل الدعابة أن أحد مجانين الهول صلى خلف الإمام بداه ولد البصيري رحمه الله، وقرأ بداه سورة الضحى بقراءة حفص وكان المجنون يعهده يقرؤها برواية ورش فصاح به حين أثناء الصلاة حين افتقد الإمالة:
هح هي (والضحى) عدّلهانَ (والضحىٰ)
ولا يخفي مافي الكلمة من إسقاط على شريط الغرام لسدوم وديمي(هي بني عدّلهانَ بنا).

لكصر القديم
أهي مجنونة بشوقي إليها :: هذه الشام أم أنا المجنون؟!

لكصر القديم لم يعد تلك البلدة الوادعة المشرعة الأبواب العامرة بالطيببن..
كان لي عليه مرة ممر .. وكان لسان حالي:
ما وقوفي على الدياروقلبي :: كجبيني قد طرزته الغضون
لا ظباء الحمى رددن سلامي :: والخلاخيل ما لهن رنين

وكنت أتساءل:
ألا تزال بخير دار فاطمة :: فالنهد مستنفر والكحل صداح
هذا مكان "أبي المعتز" منتظر:: ووجه "فائزة" حلو و لماح
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي :: فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟

كنت كأني بالربع القديم بعسعسا!
أجدك هذه هي بلدتي أين اليساط والندماء؟ شطت الدار بالأهل.
فَقف المطيّ وَلَو كلمحة ناظر:: بربا المحصب أَو مني يا حادي
وأعد حَديثك عَن أباطح مكة :: وَعن الفَريق أَرائح أَم غادي
وَمسرة للناظرين بدت لَنا :: ما بين سوق سويقة وَجياد

أحاطت بالمدرسة رقم 1 دكاكين بيع قطع الغيار من كل مكان، ذهب "إبّلَّ إفّوتَ" مع الريح، واختفت مقاهي "چلوات"، لله در "چلو" كان مقهاه شمال المدرسة يا ما أحيلى كؤوس "Café au lait" كان يقدمها لنا مع قطعة من الخبز تنز بالزبدة "بير".
كنت كلما قرأت عن نظرية الاستجابة الشرطية عند عالم وظائف الأعضاء الروسي "إيفان بافلوف" تذكرت قرع ملعقة چلو لقعر الكأس وهو يمزج النسكافيه مع حليب نستله الكثيف ليعد كأسا لذيذة من القهوة فيسل لعاب الزبون جراء ذلك القرع.

اختفت سينما لجواد والصحراء، وسكت نباح كلب أهل "تَريافْ" ياله من كلب عقور.

حين كنا نتعلم التدخين كنا نعشو إلى ضوء دكان على ناصية الشارع بطرف الحي، لم يتغير لكنه بدا لي صغيرا وكان حينها منارا شاهقا وبيتا للسامرين، أقفر الربع وأوحشت الدار..

قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً:: وتهونُ الأرضُ إلا موضعا