واقع النخب في العالم العربي

تشكل دراسة النخب، ضمن علم الإجتماع السياسي ومن خلال الدراسات السياسية والإقتصادية أهمية كبيره لما لها من تأثير على صنع الواقع السياسي والإقتصادي والثقافي في تتتت.

نشأة هذا المفهوم، ضارب منذ القدم مرورا بأفلاطون وقدامى المصريين بحيث أخذ أشكالا متباينة في نوعه ودوره حسب السياق الزماني والمكاني.
استخدم المصطلح منذ القرن السابع عشر لوصف السلع المميزةومن ثم وصف الجماعات العليا كبعض المراتب العسكرية العليا.
رفض المصطلح من قبل الفكر الماركسي بحيث استبدل بمصطلحات أخرى مثل الطليعة في التراث اللينيني والمثقف العضوي عند غرامشي.
كما استخدم مصطلح المثقف في المجتمعات الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية المسيحية، والدعاة في الفكر الاسلامي.
النخبة كمصطلح هي دلالة لفظية تشير لمدلول اجتماعي، يقوم على معيار إمتلاك قوة التأثير والنفوذ أو القدرة على التأثير.
اكتسب مفهوم النخبة أهميته كونه لعب أدوارا مختلفه عبر الحقب التاريخية في دوره في التغيير الاجتماعي والسياسي وفي بناء الوعي بالقضايا المختلفة، مع الأخذ بعين الإعتبار ان النخب لا تعبر عن البناء الإجتماعي وإنما عن المنسلخين عن هذا البناء بمعنى الارتباط بالدور النقدي وليس بمشروع السلطة.
شكلت العلاقة بينها وبين امتلاك امكانية اتخاذ القرار اساسا لهذا المفهوم بحيث تحتل النخبة الموقع الأهم في دائرة اتخاذ القرارات في المؤسسات العسكرية والسياسية والشركات الكبرى التي تسيطر على مسار المجتمع.
مجموعة من العوامل تلعب دورا في تشكيل النخب وتمنحها القدرة على السيطرة على فئات عريضة من المجتمع بالرغم من كونها أقلية وقادرة على التأثير على الآخرين مستخدمة الإقناع والإغراء والتهديد، من هذه العوامل مجموعة من الإعتبارات الذاتية كالذكاء والإبداع والإجتهاد والطموح والإمكانات الإقتصادية والعلمية والوظيفية.
كما تختلف اهمية و قوة النخبة من مجتمع الى آخر ومن مرحلة الى أخرى في المجتمع الواحد.
تعريفا للنخبة هي مجموعة من الأفراد تمتلك ميزات معينة تجعلها قادرة على لعب دور اساسي في تغيير المجتمع وصنع القرار فيه.
صفات النخب
المكانة الاجتماعية المرموقة
السيطرة على مصادر القوة السياسية
دور فاعل في صناعة السياسة وتنفيذ برامجها
القدرة على صنع القرارات
التأثير على المواطنين للإيمان بالقيم الاجتماعية التي تواكب قناعاتها
تعمل على تولي عناصرها للمناصب الهامة في المجتمع
السيطره على الانتاج في سبيل التحكم بالنشاط الاقتصادي
التأثير على العقيدة كما في الدعاة او النخبة الدينية
ترويج افكار معينة تخدمها وتؤمن الشرعية لسلطتها
تتميز النخب السياسية عن غيرها بسبب موقعها في النظام السياسي للدولة ومساهمتها في صنع القرارات
كما انها تتمتع بمجموعة من الصلاحيات تجعلها المقررة الأولى للمجتمع بحيث تختار له وجهته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأخلاقية مما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها لا محدود
بينما تمارس النخب الأخرى سلطتها داخل مجالاتها فقط دون التأثير على التوجهات السياسية
تتعلق وظيفة النخب بمدى قدرتها على التأثير في المجتمع بإستقلالية دون ان تفقد معنى وجودها
النخبة السياسية هي خلاصة التفاعل بين النخب لان اصولها وتدرجاتها تعود الى كافة القطاعات الاجتماعية.
من هنا فان النخبة السياسية هي قطاع واسع لا يقتصر عل بيروقراطية الدولة ورجال السلطة في المركز والاقاليم في سياق مأسسة الديمقراطية في مجالس بلدية وقروية ومجالس نيابية ومستشارين وحزببيين وافراد مجتمع مدني العاملين في الشأن العام.
تتميز هذه النخبة بتراتبيتها وتدرجها وهرميتها ارتباطا بهرمية جهاز الدولة خاضعة لقانون المنافسة الشرسة والناعمة التي تحكم الحقل السياسي عامة والفضاء الإجتماعي برمته فهي ليست متجانسة في مشاربها السياسية ولا في موقعها الإجتماعي.
تسعى النخبة السياسية لان تكون رائدة النخب الأخرى والتي بدورها ترتئي اليها ويعود ذلك بشكل اساسي الى تمحور الصراع حول حيازة السلطة وما في ذلك من التحكم بالقرارات مما يدفعها للاستعلاء على النخب الأخرى .
مفهوم النخبة ومفهوم الصفوة
الصفوات اجتماعية او حاكمة او متخصصة
الإجتماعية تستمد قوتها من خلال محاكاة الناس لقادتها
اما الحاكمة فمن خلال وضع قادتها القانوني واحتكار إتخاذ القرارات
اما المتخصصة فتضم القطاعات العليا من ذوي المهن الفنية العليا كالاطباء والمهندسين والمحامين.
تتبع طبيعة الصفوات نمط التطور الإجتماعي والإقتصادي للمجتمع كما انها تتأثر بالمرحلة الزمنية في المجتمع الواحد.
كما ان مكانة الصفوة لا تعتمد فقط على مواهب الأفراد وخصائصهم السيكولوجية وانما يتحددان في ضوء البناء الإجتماعي لمجتمع معين.
كما ينظر الى الصفوة من خلال المؤسسات المهمة او الإستراتيجية.
في سياق التفريق بين النخبة والطبقة يجدر العودة الى تعريف الطبقة حسب ماركس: مجموعة من الاشخاص تقدم العمل نفسه في اطار عملية الإنتاج، مع العلم ان توفر الوعي الذاتي اساس لدخول الطبقة في اي نضال سياسي او إقتصادي ناجح.
ان هذا التدرج الإجتماعي يشكل مظهرا أساسيا من مظاهر المجتمع الحديث كما ان التفاوت الطبقي وسيلة تؤكد أن أكثر الأوضاع الإجتماعية أهمية هي تلك التي يشكلها أكثر الأشخاص كفاءة.
من هنا فان مفهوم الطبقة يختلف عن مفهوم النخبة وقد لا يكون هناك للطبقة نخبة لها دور مجتمعي مؤثر.
النخب العربية
في الجاهلية اقتصرت النخب على المسيطرين على طرق التجارة مع الشام واليمن
اما مع فجر الإسلام فكانت النخبة مرتبطه بالصحابه ووجهاء الأنصار مستندة على العلاقة المميزة مع الرسول
اما في العصر الأموي والعباسي فاستندت الى رعاية النص الديني والأسبقية في الإسلام.

أزمة النخب العربية
وعلاقتها بتخلف المجتمعات العربية الثقافي والتنموي وارتباطها بالإزمة الحضارية التي تعيشها مجتمعاتنا والفجوة العميقة بين الرصيد الثقافي الحضاري الذي نملكه وبين امكانية الإضافة إليه من انتاج يدفع بإتجاه الإبداع بدل الإجترار في عصر شهد انجازات عظيمة من خلال استخدام الشعوب لرصيدها المعرفي.

يمكن إجمال الحقبات التي مرت بها النخب العربية بالتالية:

الحقبة الاولى / النخبة الإصلاحية
مرحلة بداية الوعي وبروز مفهوم الإصلاح
مثّل هذه الحقبة رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وجميعهم من مصر التي شكلت المنبع الرئيسي للنخب السياسية.
ومن تونس خير الدين التونسي واحمد بن ابي الضياف.
بحيث حمل اولئك مشروعا اصلاحيا إعتمد على إيفادهم الى فرنسا زمن محمد علي باشا بحيث عملوا على خلق تقارب حضاري بين الشرق و الغرب.
انتهت هذه الحقبة بالإحتلال الفرنسي والبريطاني لتبدأ حقبة جديدة هي الحقبة الثورية.
الحقبة الثانية/ الحقبة الثورية
ممتدة زمنيا من الحرب العالمية الأولى لغاية رحيل الزعيم جمال عبد الناصر
شملت اندلاع ثورة ١٩ يونيو في مصر وثورة رشيد الكيلاني في العراق وغيرهما في الشام وبقية الدول العربية وجميعها في وجه الإستعمار.
بحيث اكتست افكار نخبة هذه الحقبة بالثورية في سبيل تحقيق التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية التي كانت غالبا اشتراكية ارتباطا بدعم المعسكر الإشتراكي لهذه الثورات بالمال والسلاح.
تميزت هذه الحقبة بإلتفاف النخبة حول منظومة الحكم ودوائر صنع القرار، مرحلة مدّ ثوري تبنته ثورة يوليو بقيادة عبد الناصر تبنت فيها سياسة اقتصادية قائمة على التنمية بالنموذج الإشتراكي وتحقيق الديمقراطية وبناء قوة عسكرية وطنية لها دور فاعل في المنطقة و حماية المنجزات.
الحقبة الثالثة هي حقبة فساد النخب
شكلت هزيمة يونيو ١٩٦٧ النكسة الأولى للنخب الحالمه بالاشتراكية والتحرر لحقها فترة من النقد الذاتي والمراجعة الذاتية نتجت عنها حرب الإستنزاف بين مصر واسرائيل بين ١٩٦٧ و ١٩٧٠، وقمة الخرطوم بلاءاتها الثلاث ( لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات) انتهت هذه الحقبه بنصر اكتوبر ١٩٧٣ والذي اعطى آمالا للنخب السياسية، الا ان تحولات دراماتيكية في نظام الحكم في مصر نسفت كل الآمال والتي نتج عنها توقيع إتفاقية كامب ديفيد على يد السادات وسياسة الإنفتاح العشوائي الواسع محدثا تحولا هائلا في النخب السياسية المصرية منتقلا فيما بعد الى بقية البلاد العربية.
رافق ذلك ظهور النخب الاسلامية والتي عملت سرا منذ حقبة الإستعمار وحكم الملك الى ان سنحت لها الفرصة للظهور زمن السادات واستخدامه لها لضرب القوى اليسارية والناصرية تمثلت بحركة الإخوان المسلمين.
الا انها اصبحت لاحقا معادية للتيار الليبرالي المنحاز الى المشروع الصهيو -امريكي والذي يدير بدوره المنطقة من خلال انظمة حكم استبدادية فاقدة لشرعيتها بسبب فشلها في تحقيق طموحات شعوبها وفاقدة لشرعيتها القانونية بسبب ما تمارسه من تزوير في الإنتخابات الرئاسية و التشريعية.
تأرجح مسار الفكر العربي خلال القرن العشرين بين المبادئ القومية والإشتراكيه والليبرالية تباعا.
وقد واجهت بالمجمل فشلا ذريعا الى حد ما مع بعض النجاحات النسبية مخلفة وراءها ميراثا من المبادئ والأفكار بقيت بعيدة عن الجماهير وغير مؤثرة في مواقفها.
وذلك بسبب انحصارهاً في فكر النخب المعزولة أصلا عن جماهيرها.
شكلت الحضارة الغربية تحديا للنخب العربية ثابرت على مواجهته ضمن إطار الفكرة القائمه على كون منجزات هذه الحضارة في المجالات المختلفة العلمية و السياسية والاجتماعية والثقافية والإقتصادية تعود إلى الحضارة العربية الإسلامية.
غفلت النخب العربية عن حقيقة عجز القيم الغربية التي تم محاولة غرزها وتفعيلها في المجتمعات العربية عن إنتاج تغيير إجتماعي إقتصادي ثقافي إيجابي النتائج، بسبب التناقض بينها وبين السياق المجتمعي خاصة في ظل انظمة حكم متسلطة ذات طابع عشائري وعائلي وقبلي وطائفي.
في نفس السياق حدثت انتكاسة كبيرة للأفكار الإشتراكية والماركسية بالرغم من غنى تراثها الفكري والنظري، يعود ذلك بسبب فشلها في تحقيق اهدافها لتأسيس بدايات حقيقية للتغيير المجتمعي وتحقيق العدالة الإجتماعية فقد اصطدمت بعوائق عدة منها الانظمة الديكتاتورية التابعة في معظمها للنفوذ الإستعماري الغربي وبدعم من حلفائها من أصحاب المصالح من تجار ورجال أعمال وزعماء قبائل كذلك بسبب الإقطاع الزراعي والبيروقراطية الفاسدة، فانتهت بمفكريها وقياداتها الإشتراكيين في السجون والمعتقلات والتهميش والتشريد والمطاردة الأمنية.
كما حافظت النخب المسيطرة على سيطرتها على الثروات العربية وعلى خيوط السلطة السياسية والثقافية بما في ذلك القوانين والقضاء والتعليم وتحويل الجيوش العربية وأجهزتها الأمنية إلى اذرع للسلطة الحاكمة.
رافق ذلك تراجع كبير في مستوى المعيشه تمثل في إرتفاع نسبة الفقراء والمهمشين.
فقد المفكرون والإشتراكيون العرب قدرتهم على تصحيح المسار بسبب عجزهم عن إدراك الخطأ الفادح الذي وقعوا به بالرغم من صرق أهدافهم ومقاصدهم وضخامة تضحياتهم من أجل مبادئهم.
تجلى خطأ هذه النخب في اقتصارها على الأطر الفكرية والمبادئ العامة للفكر الماركسي والإشتراكي وعجزها عن الإستفادة والإستلهام من التجارب المماثلة كالصين مثلا والتي انغمست في تحليل واقع شعوبها وتاريخها.
غلب الغموض والإلتباس على المفهوم القومي العربي في سياق الإختلافات و التناقضات التي إعتبرها القوميون طارئة ومصطنعه وخاضعة للوحدة العربية بالرغم من العوامل الموحدة من لغة ودين وثقافه وتاريخ وطني مشترك ضد النفوذ الغربي، بحيث لم يتم الإتفاق على مفهوم موحد للقومية العربية ولا تصور واضح لمقوماتها وآليات تفعيلها خاصة بعد الإنهيار الذي لحق النكسة.
بقيت الأكثريات الشعبية بمعزل عن الفكر الليبرالي والذي انحصر في النخب العربية بالذات مع تركيزه على الحريات السياسية وإهماله للعدالة الإجتماعية والتي بقيت غائبة عن الأكثرية الشعبية والتي ما زالت تعيش على الموروث الثقافي التقليدي المرتكز على القيم الطائفية والقبلية والمذهبية في وقت تعاني به من الإفقار والتهميش من قبل انظمة الحكم ومن يشترك معها بمصالحه.
أما فيما يتعلق بتطور الفكر الديني فجدير بالذكر ان الموروث الديني ينبع من تلقي كل جيل للنصوص الدينية في سياقها التاريخي و من ثم تفسيرها في إطار السياق المجتمعي السائد.
الا ان الحقبة العثمانية تميزت بالركود الفكري أدى إلى إغلاق باب الإجتهاد الفقهي وخلط الدين بالسياسة مما انتج حركات الدين السياسي و الجماعات السلفية مستخدمة النصوص الدينية لتبرير مشاريعها السياسية،
انعكس ذلك على المؤسسات الدينية بحيث سيطر عليها الجمود الفكري وأجيال من الأئمه الموالين لأنظمة الحكم.
ساهم اولئك في سياق المحافظة على مصالحهم المرتبطه بالسلطة الحاكمه في ابقاء الفئات المهمشة في حالة تخلف فكري بسبب درجة الفقر والجهل والخضوع للطبقة الحاكمه المهيمنة.
ضمن سياق هذه الخلفية المأزومة بدأت إشكالية الديمقراطية بالظهور في الخطاب السياسي العربي كمشكله مركزية تناولتها العديد من الأبحاث والندوات والمؤتمرات بعنوان أزمة الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان العربي.
شغلت القضايا السياسية اهتمام المثقفين والإعلاميين على حساب قضايا التنمية الاقتصادية والإجتماعية والثقافية للجماهير بما يعرف بالحقوق المجتمعية.
تشكل هذه القضية جوهر ازمة النخب العربية أدت بدورها إلى التردي الإجتماعي العربي ظهرت تجلياته بشكل واضح عقب ما سمي بثورات الربيع العربي ابتداءا من كانون الثاني ٢٠١١ حاملة معها الوعود والآمال الا انها انتجت فقط الدمار والإحباط شكل مرحلة جديدة من التساؤلات حول مصير الجماهير العربية وحقوقها المشروعة في العدالة والتنمية وقدرتها على مواجهة الفساد وانظمة القمع الحاكمة والتصدي لمصالح الرأسماليين وسطوة الفقهاء التقليديين، مواكبا ذلك انهيار النخب الليبرالية بالغرب وتبعيتهم وإغتراب اليساريين وعزلتهم عن الواقع المعاش للجماهير العربية.

شكلت النخب العربية حالة خاصة تميزت بضعف بنيويتها وسهولة اندثارها وذلك لغياب الاراده لقيادة المجتمع على امتدادها التاريخي وانما عملت على تأمين انسياقه لها بما يخدم مصالحها مستغلة علاقتها العضوية بالسلطة بعيدا عن إحداث اي تغيير وإنما ضمان أسباب بقائها.
من هنا حافظت هذه النخب على البقاء بعيدة عن الجماهير ومنكفئة على ذاتها تعيش اغترابا عن وسطها الإجتماعي الطبيعي وعداءا له محافظة على التواجد في وسط المسافة بين السلطة الحاكمة الغير آبهة بها وبين الجماهير التي تحمل لها العداء لتسببها بترديها السياسي والإجتماعي والإقتصادي.
أدى إشتراك المجموعات المختلفه المشكلة للنخب بنفس الاهداف والميزات الى التحالف ضمنيا بما لا يضمن مصالح الجماهير بالرغم من الفوارق بينها.
طبيعة النخب السياسية هذه جعلتها لا أخلاقية بنظر العوام ممّا ابقاها في عزلتها التي اتصفت بها منذ بدايات الإسلام بعد وفاة الرسول.
في مقارنة بين النخب العربية والغربية فنجد اختلافا كبيرا في مناهج الفكر واساليب مزاولة العمل وفي ولاءاتها وانتماءاتها بالرغم من التقائهما في الدلالة على الفئة او الطبقة.
مع العلم ان النخب العربية تحاول استعارة توظيف مثيلتها الغربية الا انها تصطدم بالحقيقة الكامنه في عزلتها عن الجماهير التي تعمل بدورها على تنحيتها واقصائها نتيجة القناعات المحلية المعبرة عن الهوية والإنتماء الحضاري.
تواجه النخب فشلها بالإصرار على مواقفها وتبريرها وتضع اللائمة على تقليدية الوعي الشعبي وتخلفه مما يخلق فجوة هائلة بين مهام النخبه وهموم المجتمع وبالتالي تنفصل عن واجبها الحقيقي المتمثل في الالتحام بالجمهور والأخذ على عاتقها بتوعيته ونشر القيم الثقافية الإيجابية فيه ليأخذ دوره في عملية البناء والتغيير ومواجهة ثقافة الإستهلاك والإنحلال لتحقيق ذاته وإستقلاله.
تشترك النخب العربية بخصائص مشتركة تبدو جلية في نقص الخبرة في آليات العمل السياسي ويعود ذلك لاسباب عدة اهمها ما تعرضت له من قمع واستبداد والمراوحة بين المنافع والمضار مما ادى إلى عزلتها عن الجماهير طوعا او جبرا، فاقم ذلك ما ارتدته السلطات الحاكمه من قدسية بالرغم من ما تمارسه من اقصاء وإستعباد للآخر.
أما النخب التي وصلت للسلطة فقد انجزت ذلك من خلال الانقلابات العسكرية أو بإرتباطها بقوى أجنبية أو بالمزاوجة مع النخب الإقتصادية وليس من خلال ارتباطها بالجماهير والتعبير عن مصالحها.
فيما يتعلق بتركيبة النخب السياسية فهي قد تشمل رجال اعمال اقتصاديين اثرياء او رجال علم وحملة شهادات عليا او رجال دين وقد تكون مزيجا من كل أولئك.
اما في حال احتلت النخب السياسية المناصب الحكومية الهامه والمؤثرة فانها تعمل على الحفاظ عليها من خلال إقحام أفراد من العامة بمواصفات محدده ضمن مناصب هامشية من خلال الترغيب والابتزاز المادي وغيره بحيث يخدم وجوده والابقاء على مصالح هذه النخب وحمايتها وضمان أمنها وإستقرارها مع العلم انها تنتهي منهم فيما بعد بانتهاء مهمتهم وهو ما يخدمها لتحقيق تفكيك القوى الشعبية وخلخلة تنظيمها.
فساد النخب العربية في سياق الوضع الراهن
تشكل المواجهة ضد العنف السمة الأساسية للوضع العربي الراهن في مرحلة ترتدي هاجس الحريات والحقوق، فالمنطقة العربية اضحت ترضخ تحت موجة شديدة من العنف في الوقت الذي يبدو فيه دعاة الإصلاح في الأنظمة وخارجها محاصرون وتنقصهم الإرادة السياسية والقوة المجتمعية.
في الوقت نفسه يتكاثر دعاة العنف في الأنظمة و خارجها ويزدادون قناعة بأن المستقبل يقوم على العنف.
يسود المجتمع العربي قناعة عميقة بفساد النخب وقناعة اعمق بفساد وفشل البرامج السياسية والاقتصادية المعمول بها مما يؤسس لغياب المخرج من آلة العنف النشطة.
يبدو ان الحرب على الإرهاب في مرحلة تحول الى جولات تم قطع اجزاء منها ببروز القاعدة ومن ثم داعش خاصة بما انجزته الاخيرة على خطى بناء كيان سياسي.
في هذا السياق يبدو واضحا انه حتى بفشل داعش فأن المنطقه دخلت مرحلة تسعى فيها قوى سياسية مسلحة لتأسيس كيانات جديدة على أنقاض الكيانات السابقة مما يؤكد أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع يتطلب الإصلاح.
تمثل تدهور المشهد العربي في إنهيار أسعار النفط الى مستوى غير ممكن ان تعود منه الى سابق عهدها مما سيضطر الدول الغنية الى إستنزاف الأموال للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات و القدرات الدفاعية.
كما أن غياب الشراكة مع مواطن يتمتع بحقوق الحرية و المساواة سيؤدي حتما إلى فشل سياسات التوطين و التنمية و الصحة و التعليم و الإنتاج.
أدى الوضع الراهن الى ان اصبحت ظاهرة الهجرة غير مقتصرة فقط على الدول الفقيرة و إنما ايضا على الدول الغنية بسبب حالة الأحباط من إمكانية نمو قيم المواطنة والعدالة والمساواة في الوضع العربي الراهن و المستقبلي منا يعني مزيدا من التحديات في ظل وضع اقليمي مستجد بسوده تصاعد لدول جديده مثل ايران وتركيا وتفكك لدول عربية رئيسية .
إن إنهيار الدول و المزيد من التدخل الأجنبي هو نتيجة حتمية لغياب الإصلاح الإقتصادي و السياسي.

آليات سيطرة النخب على الجماهير
اولا السيطره الاقتصادية على وسائل الإنتاج
ثانيا السيطرة على الاعلام والثقافة والتعليم لترويج مبادئها وإضفاء الشرعية عليها
ثالثا الإستجابه مؤقتا ومرحليا لبعض متطلبات الجماهير ضمن آلية تحافظ على سلطتها ومصالحها ومنع اي مواجهة محتملة مع الجماهير.
في نقد النخب العربية السياسية و الثقافية و الدينية
النخب السياسية
في سياق نقد النخب السياسية العربية تجدر الإشارة الى أهمية نقاش قضية التحولات الفكرية للنخب المعارضة.
وهذا له علاقة بشكل مباشر بدرجة الإستبداد والإنغلاق التي تسيطر على بيئة النظام السياسي لدرجة فرض الصمت إزاء سلوكياتها ومواقفها مما يزيد قابلية النخب السياسية المعارضة لإجراء المراجعات النقدية والإتجاه نحو التحول السياسي.
يشترط لحدوث التحول من من نموذج معرفي لنموذج آخر أن يكون النموذج الجديد أكثر إقناعا من تفسيرات النموذج السائد للمعضلات العالقه وغير المحلولة.
نشوء القومية العربية في احضان انهيار الخلافة الإسلامية وازادت عنفوانا مع الإحتلال الصهيوني لفلسطين، تلاشت مع هذا الصعود فكرة الخلافة مستعيضة عنها بفكرة الدولة العربية الكبرى.
كان صعود فكرة القومية وما ارتبط بها من تنظيمات وتيارات سياسية وفكرية يعود الى العلاقة القائمة بين الأداء السياسي وطبيعة ومزاج الفرد العربي.
فكلما كانت التنظيمات السياسية قادرة على إبتكار وتجريب مفاهيم جديدة كلما التفت من حولها الجماهير وهذا ما يفسر إنهيار وإنتكاسة التيارات الجماهيرية عندما تقف على المفاهيم الأولى وتعجز عن تجريب مفاهيم جديدة.
كان الإلتفاف الشعبي حول حركة القوميين العرب بمستوى التأييد الشعبي لعبد الناصر والمدّ السياسي المرتبط به وليس كجسم منظم.
وضعت الحركة تركيزها على تجنيد فئة الشباب وعملت على تنظيمهم وبنائهم سياسيا وعقائديا وإسناد المسؤوليات القيادية والتنظيمية لهم مباشرة مما يضعهم في مقام افراد النخب السياسية خلال وقت قصير في ظل هيمنة الأمية وتدني المستوى المعيشي في المجتمعات العربية.
من هنا اصبح الإنتماء للحركة إضافة نوعية لمكانة الفرد الإجتماعية والسياسية الى جانب التكوين الأكاديمي والتثقيفي العام.

من هنا اتسمت حركة القوميين العرب بصفة الفوق وطنية والعابرة للحدود العربية بحكم رؤيتها وعقيدتها الأيديولوجية القائمة على أساس الوحدة العربية الشاملة.
حرضت هزيمة ١٩٦٧ لظهور دعوات للتحول داخل حركة القوميين العرب مفادها ان سبب الهزيمة يعود إلى قيادة البرجوازية الصغيرة للثورة الوطنية الديمقراطية العربية وأن النصر سيتحقق إذا تحولت الحركات القومية الثورية إلى حركات ماركسية لينينية.
مثلت التجريبية السياسية نقطة القوة التي وقفت خلف صعود النخب القومية التي أبدت قدرة فائقة على تجريب مفاهيم سياسية جديدة كالدولة والسيادة الوطنية والشرعية.
وفرت هذه المفاهيم للحركة القومية دفعات هائلة توافقت مع المزاج العام للمجتمع العربي، الأمر الذي ادى الى التفاف شعبي حولها.
اخذت الحرب العالمية الثانية المجتمع العربي نحو منعطف جديد تم فيه تحويل المطالب الإجتماعية من اشكالية الاصلاح إلى إشكالية الثورة وذلك ضمن إمتداد اتسم بصعود التيارين القومي واليساري وقيام أنظمة حكم تستند إلى منطلقات الفكرتين القومية والإشتراكية.
عجزت الحركة القومية عن تحقيق أهدافها وفقدت قوتها الإقناعية مما اضطرها إلى تخفيض السقف السياسي والإنعطاف نحو النضال الديمقراطي والذي شكل اثمن النتائج النظرية و المكتسبات السياسية التي جاءت كنتيجة للمراجعة التي اطلقتها هزيمة ١٩٦٧.
شكل هذا التحول فرصة لتيار اليسار الثوري لدخول اللعبة السياسية برؤيته القائمة على الكفاح المسلح.
بنفس الوقت اعطت فرصة للتيار الإسلامي بأن يزاحم التيار اليساري على دفة القيادة الجماهيرية.
تميز التحول نحو اليسار الماركسي عند النخب السياسية العربية بكونه ظل ضمن اطار التحول الفكري عالقا في شكل ترجيحات بين الاتجاهات المختلفة للنخب السياسية.
شكلت هزيمة ١٩٦٧ منعطفا حادا اظهر عجز حركة القوميين العرب عن تقديم الأجوبة الكافية للمعضلات السياسية القائمة.
من هنا فقد كان التحول من القومية الى الماركسية ليس سوى ترجيح طرف نخبوي على آخر ولم يكن نتاج البحث الذاتي و التأمل الخاص بالنخب السياسية.
شكلت النكسة هزيمة فكرية و علمية قبل ان تكون عسكرية ، كما انها استطاعت زعزعة الثقة في القيم السائدة التي شكلت اساس التطلعات العربية.
فقد اصابت الهزيمة منظري الفكر الثوري التقدمي القومي الحداثي بنكسة على صعيد الوعي اعمق من نكسة الجيش المصري الحربية حينها.

ديمه أمين