مع الشيخ حمدا

في صيغته الأولى في برنامجه الثقافي التأريخي على قناة الموريتانية حين كان البرنامج اسمه "الفضاء الثقافي" قبل أن يتغير اسمه ليصبح "الصفحة الأخيرة" ويستفرد به التأريخ - تقريبا - عن الأدب، استضاف الدكتور الشيخ معاذ سيدي عبد الله فطاحلة الأدب والعلم والثقافة والفكر، ولا أمل العودة إلى هذا البرنامج لمتابعته من جديد، وفي كل مرة أكتشف جديدا معه، فهو من خلال ضيوفه النوعيين وتقديمه المتميز يغوص بالمشاهد في درر وأصداف الأدب والطرف، فينقل المشاهد معه إلى تلك الجلسة الأدبية الرائقة الماتعة.. هذا الصباح عدت إلى حلقته الأولى مع الشيخ حمدا التاه حفظه الله والذي هو بالمعنى الحرفي للكلمة كما نقول في الحسانية "فركشة" فهو فقيه ومفكر وأديب وراوية وفتى بالمعنى الأصلي للكلمة، أعجبني تأصيله للذوق حين قال إن "الجمال ليس أبدا علة تحريم"، ثم غاص في الأدب شعرا وطرفا وحكايات فأتى بالعجب العجاب.
ومما ذكره الشيخ حمدا أن علماء صدر الإسلام كانوا يجلون الأدباء ويسمعون منهم مع أن بعضهم شهرته الغزل الفاحش أحيانا، ويروي في ذات المنوال أن حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنه استقبل الشاعر عمرو ابن أبي ربيعة في المسجد النبوي وحوله جماعة من الصحابة والتابعين فقال له أنشدني آخر ماجادت به قريحتك، فأنشده عمرو قصيدته الرائية المشهورة:
أمِنْ آلِ نُعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائحٌ فمهجّر
إلى آخر القصيدة..
فكأن الجماعة رضوان الله عليهم أنكروا عليه ذلك، فقال لقد حفظت القصيدة وفسرت بها آية من كتاب الله هي قوله تعالى {وَإنَّكَ لَا تَظْمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ} ما كنت أفهمها قبل هذا الشعر في قوله:
ﺭﺃﺕ ﺭﺟﻼ ﺃﻳﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺍﻟﺸﻤﺲ عارضت ﻓﻴﻀﺤﻰ ﻭﺃﻳﻤﺎ ﺑﺎﻟﻌﺸﻲ ﻓﻴﺨﺼﺮ.
أضحى الرجل خرج من مسكنه.
ثم يختم الشيخ حديثه بقوله: إن مَن لم يفهم الجاهلية لن يفهم الإسلام.
حفظ الله الشيخ حمدا وأطال عمره في صحة وعافية.
هذا لأجلاف القلوب.
#إرشيف_الصفحة

من صفحة عبد الله خليفة