الموريتانيون وضرورة تعلم اللغة العربية

ينص الدستور الموريتاني الذي هو اسمي قانون في البلد في مادته 4 علي أن القانون هو التعبير الأعلى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع..كما ينص ايضا في مادته 5 علي أن الإسلام دين الشعب والدولة..و تقول المادة 6 ان "اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية." و أن "اللغة الرسمية هي العربية".

يمكن تعريف اللغة أو اللغات جمعا علي أنها وسيلة الاتصال "الأمنية" بين مختلف الشعوب والقوميات .فهي توحد الأمم وتربطهم بأهداف و متعقدات معينة. وتكون اللغة أكثر التصاقا بالإنسان في مختلف مناحي الحياة عندما تكون وسيلة لحمل خطاب سماوي إلهي كما هو الحال مع اللغة العربية مما يجعل تعلمها أمر ملزم لمن يريد التفقه في أمور دينه بعمق وروية، كما حصل الإجماع عند السلف على أن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة مهما كانت لغاتهم التي كانوا ينطقون بها في الدنيا، ومن هذا المنطلق تحصل اللغة العربية على ميزة إضافية.

وانطلاقا مما سبق لا يمكن لمن يجد نفسه منتميا إلى بلاد كبلادنا يشكل الإسلام فيها نسبة تصل المائة في المائة، أن يختلف على هذه اللغة ولا أن يسعى إلى تجاوزها مهما كانت أهدافه في ذلك لأنه بذلك لا يستهدف مكونا من مكونات الشعب بقدر ما يستهدف لغة العقيدة التي تجمع الموريتانيين لحظة أدائهم لطقوسهم الدينية التي يمارسونها بشكل يومي ويلجؤون إليها كلما التبس عليهم أمر من أمور دينهم. من هنا فهذه اللغة يمكن اعتبارها اللغة الجامعة المتجاوزة للإثنيات والقوميات.و باعتبارها كذلك الرابط المانع والتجسيد الفعلي الأمين لفكرة الأمة الموريتانية، وفق مايشار إليه و يكرسه رسميا الدستور الموريتاني.

أما اللغة الفرنسية (لغة فلتير و هيكو و أكلود لفي استرواس و أكزافي كابولاني) فهي لم تأتي، علي الرغم من جمال سحر بيانها "النسبي"، لكي تبهر أو تسحر سكان بلادنا. كما أنها لم تجد الساكنة في فراغ حضاري لتسده و لا خلل فكري لتصنع له توازنا بل هي جاءت بصفتها لغة المستعمر الوافد وتمثل ثقافته وقيمه الدخيلة. وقد أجبر بالتالي المواطنين على التعامل معها بصفتها لغة المتغلب الذي سعى على فرضها كلغة بديلة للغة العربية داخل مختلف أروقة البلاد أيام الفوضى الإستعمارية و خلال المراحل الأولي لتأسيس الدولة.

و عليه فإن من يريدون استمرار هذا الوضع أو تكريسه فإنما يقعون في أخطاء فادحة لعدة أسباب أولها أن اللغة الفرنسية ليست لغة مكون معين قائم بذاته له الوكالة عليها حتي يدافع عنها دون غيره، وبالتالي لا يمكن هنا المزايدة على فئة من فئات الشعب المتعددة على أخرى بشأنها؛ وثانيها أن اللغة العربية هي لغة القرآن دين البلد و الشعب، يقول جل من قائل "حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون".

ويترتب عن ذلك أنها لغة العمق الحضاري للبلد و حاضنة تنوعه الثقافي والحضاري ودليل لعمقه التاريخي و لجميع قومياته المسلمة. وهي الوعاء الجامع لأعظم حضارة أنتجها الإنسان، و التي هي الحضارة الإسلامية، و بالتالي لا مناص من ترقيتها و الدفاع عنها من قبل الجميع و إعطائها المكانة اللائقة. غير أن ذلك يجب أن لا يمنعنا من الانفتاح على اللغات الاخرى وفق ما تتطلبه الحاجة و تقتضيه مصلحة تعاملاتنا المختلفة ويستدعيه تقدم و رقيّ بلادنا و رفاهية مواطنينا.

و عليه، علينا أن نقف على نفس المسافة مع مختلف اللغات الاجنبية ما دامت لا تمثل جزء من ثقافة وهوية أي مكون من مكونات شعبنا. و في نفس الوقت أن نهتم بتلك اللغات الأجنبية المختلفة بقدر حاجتنا إليها في ما يخدم البلاد ويعزز من بنائها، ويساهم في تطوير منظومتها التربوية وفق خصوصيتنا التاريخية و الحضارية الغنية.
تلك الخصوصية التي ينبغي ان تستند علي إحياء موروث إمبراطورية غانا و واد اغوست و بلاد شنقيط: بلاد العلم والعلماء وثراء التنوع الثقافي، التي وجدت فيها اللغة العربية ما تستحق من عناية ورعاية ودراسة.